رغم المتاعب الاقتصادية والهواجس الأمنية التي يعاني الفلسطينيون منها، وتوقع ارتفاع وتيرة العنف خلال شهر رمضان، فإن هناك القليل من الأمل في مستقبل مشرق. ففي غزة، في الوقت الذي تعيش فيه حالة حصار منذ سنوات، خلّفت انقساماً وأوضاعاً أمنية وسياسية خطيرة ، وتدهوراً في الوضع الاقتصادي، وفي ظل الوضع الحالي من ارتفاع الأسعار وتضاعُف المصروفات خلال شهر رمضان، بسبب الموائد الرمضانية، والالتزامات الاجتماعية والعائلية، لم يمنعها ذلك من استقبال الشهر الكريم بكل فرحة، حيث تزيّنت الأسواق والشوارع وأزقّة المدن والمخيمات بأضواء وزينة رمضان والفوانيس؛ احتفالاً بقرب قدوم شهر رمضان المبارك.
وشهدت أسواق غزة حركة نشطة من خلال عرض احتياجات شهر رمضان من حلوى وألبان وأجبان ومخللات، وأطعمة اعتاد الفلسطينيون على شرائها. وقام سكان حي "الحارة الملونة"، وهي واحدة من حارات غزة القديمة، بطلاء كافة جدران المنازل، وتنظيف الشوارع، لاستقبال شهر رمضان المبارك.
وعلاوة على ذلك تضاعفت المبادرات الفردية والجماعية في قطاع غزة للعمل الخيري، حيث يعتبر هذا الشهر موسماً لزيادة العمل في مختلف المجالات لصالح خدمة الفقراء والمحتاجين الذين يعانون ظروفاً اقتصادية صعبة، نتيجة لواقع القطاع الذي يقع تحت الحصار الإسرائيلي منذ عام 2006، وارتفاع معدلات البطالة لأكثر من 54% بشكلٍ عام، إلى جانب تدني مستوى الأجور، وعدم تجاوز متوسط الدخل اليومي للفرد، نحو دولار أمريكي واحد فقط.
وتصاعدت حدة التوتر في الضفة الغربية، والذي أدى إلى مقتل 89 فلسطينياً برصاص إسرائيلي منذ بداية العام الجاري، واستهداف سلطات الاحتلال، ومحاولتها التضييق على المقدسيين، ومنعهم من تعليق الزينة في البلدة القديمة، حيث إنه أحياناً يتم اعتقال وملاحقة من يقوم بذلك، وقيام القوات الإسرائيلية باعتداءات على المقدسات الإسلامية، والتي كان آخرها إخلاء المعتكفين من المسجد الأقصى المبارك، وتوعَّدَ المستوطنون باقتحامات كبيرة لـ"الأقصى" في "عيد الفصح" اليهودي، وتمديد اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك لنصف ساعة إضافية. في ظل هذه الظروف السيئة قام الفلسطينيون في القدس والضفة الغربية بتزيين متاجرهم وشوارعهم بالفوانيس والزخارف الملونة، استعداداً لشهر رمضان المبارك. وتنظيف ساحات المسجد الأقصى، حيث جاء أشخاص من مناطق مختلفة من البلاد للمشاركة في تنظيف المسجد الأقصى في القدس. وفي مدينة رام الله بالضفة الغربية، أشعل فلسطينيون فانوساً عملاقاً في وسط المدينة، وتجمع الناس مع عائلاتهم، يستمعون إلى الموسيقى ويحملون البالونات، وانطلقت الألعاب النارية في القدس احتفالاً بالشهر الفضيل.
هناك طقوس رمضانية لم تتغير مع الزمن، ولا يزال المجتمع الفلسطيني يحتفظ بها، مثل "يوم الفجعة"، يكون هذا اليوم في آخر أيام شهر شعبان، وأُطلق عليه هذا الاسم لأن الآباء يدعون أبناءهم وبناتهم لتناول طعام الغداء في بيت العائلة، ويأكلون ما يشتهون بلا حسبان من مأكولات دسمة.
والمسحراتي، الذي لا تكتمل النكهة الرمضانية بدونه "يا نايم وحد الدايم" هكذا يصدح في الليالي الرمضانية بصوته الجهور، منادياً بالسحور، مرتدياً زياً شعبياً تراثياً حاملاً طبلته وعصاه الصغيرة، ومصباحاً يساعده في تلمس خطواته متجولاً بين الشوارع وأزقة المخيمات، مردداً الابتهالات الدينية والموشحات الرمضانية، وكلمات مستوحاة من الواقع السياسي والاجتماعي على الساحة الفلسطينية، تتلاءم بواقعهم المرير، ممزوجة بالدراما والكوميديا منها مثل "الدنيا ماشية ورايحة فينا ومحدش فيها مدور علينا"، "لا كهربا ولا مية والحصار اشتد علينا"، "الكهربا قاطعة والناس بخارج البيوت لا رواتب ولا فلوس".
وتنتشر فوانيس رمضان، الذي يبتهج الفلسطينيون ببهجة احتفال الأطفال بقدومه، واقتناء الفوانيس التي تردد أناشيد الشهر المبارك، فلا تخلو شوارع قطاع غزة من الفوانيس الرمضانية بأشكالها المختلفة، والمصنوعة من المعدن والبلاستيك الملون والقماش ذي الألوان الزاهية. والتجمعات الرمضانية التي تزيد من تواصلهم وتوادهم، حيث تجمع بين كل الأجيال من الأجداد إلى الأحفاد، ويتم خلالها تبادل الأحاديث وإحياء الذكريات، ما يُعزز مشاعر الألفة الأسرية.
يفضل الفلسطينيون أصنافاً معينة من الطعام خلال شهر رمضان، تختلف أحياناً من منطقة إلى أخرى، ولكن الاتفاق يكون شبه تام حول المقلوبة والسماقية والمفتول والمسخن والمنسف، والقطايف والكنافة والتمور، والمشروبات مثل الخروب والكركدية وقمر الدين وعرق السوس ومختلف العصائر.
استعد الفلسطينيون لاستقبال شهر رمضان وسط آمال باستعادة الهدوء في قطاع غزة والضفة الغربية، رغم القيود والظروف المعيشية الصعبة الناتجة عن الحصار وتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وانتهاكات الاحتلال لحقوق الفلسطينيين، نأمل أن تتوقف جميع هذه الاعتداءات، حتى يتمكن السكان المحليون من العيش بسلام وأمان في شهر رمضان الفضيل وباقي أشهر العام.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.