"المرة دي هنلاعب فريق مختلف، أفضل خط عندهم، الناس اللي قدام، عشان كده هنقفل كويس، وهنعتمد على السرعات من الأجناب…"
يقف كابتن شادي محمد، مدافع النادي الأهلي السابق، على لوحة التعليمات الفنية، في منتصف غرفة لتغيير الملابس لفريق ما، وأمامه مجموعة من الناشئين، الذين يُشرِف على تدريبهم، ثم يلقي عليهم خطته لمباراتهم القادمة.
أما عن فحوى هذه الخطة، فهي التصريح أعلاه، دون أي إضافة أو نقص، وعن المناسبة التي تُلعب فيها هذه المباراة، فدعنا نخبرك أنه ليس مشهداً تمثيلياً، لمحاكاة ما يدور داخل غرف الملابس للجمهور، بل هو برنامج " كابيتانو مصر"، وهو عبارة عن خطة وضعتها الدولة المصرية للارتقاء بمستوى ناشئي كرة القدم، وهي اللبِنة الأولى في تحويل كرة القدم المصرية لصناعة، كمحاولة لمواكبة ما جرى للعبة في العالم كله، ومحاولة إعادة مجد الكرة المصرية الغائب.
وسؤالنا الآن؛ هل حقاً وضعت مصر خطة للارتقاء بمستوى الناشئين؟ ومتى تجني الكرة المصرية ثمار هذه التجربة؟
كيف بدأ الكابيتانو؟
لا يُشترط أن تكون متابعاً جيداً للكرة المصرية، حتى تتمكن من معرفة الحالة المتردية التي وصلت إليها، فبعد انتهاء ما يُعرف بعصر "الجيل الذهبي"، الذي حقق ثلاث بطولات قارية متتالية، وهي كأس الأمم الإفريقية 2006، و2008، و2010، حصل ما يشبه الفجوة بين جودة مواهب هذا الجيل، وما تلاه.
عشر سنوات كاملة، يمكننا أن نُعد المواهب البارزة فيها على أصابع اليد، وبعيداً عن محمد صلاح، يمكننا أيضاً وبكل رحابة صدر أن نحسم مقارنة أحد نجوم هذا الجيل مع الجيل السابق، بفارق كبير لصالح لاعب الجيل السابق.
لذا؛ كان لزاماً على القائمين على الكرة المصرية أن يبحثوا عن حل، خاصةً وهم يرون أمام أعينهم دولاً عربية مثل المغرب والجزائر وتونس والسعودية، أصبحت تتفوق عليهم بفارق كبير، سواء في مستوى بطولاتها المحلية، أو في جودة لاعبيها.
لا نعلم عدد دراسات الجدوى، وعدد المشاريع التي عُرضت على الاتحاد المصري لكرة القدم، وعلى وزارة الشباب والرياضة، لاختيار الأفضل من بينهم، لكن ما نعلمه أن الاختيار قد وقع على مشروع " كابيتانو مصر"، وهو كما تُعرفه وزراة الشباب والرياضة:
" كابيتانو مصر، هو مشروع أطلقته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية كأكبر مشروع لاكتشاف المواهب الشابة فى كرة القدم، بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، ويستهدف إجراء اختبارات لمواليد 2008، من أجل اختيار أفضل 11 لاعباً وتوزيعهم على الأندية المختلفة، بهدف محاربة المحسوبية والوساطة التي تتخلل اختبارات الأندية لاختيار لاعبي فرق كرة القدم".
يهدف البرنامج إلى إعادة الأمور إلى نِصابها، والعودة إلى اكتشاف المواهب من قلب الشارع، كما كان يحدث مُسبقاً، فكثيراً ما سمعنا عن قصص بدايات اللاعبين المصريين، الذين أصبحوا أساطير فيما بعد، وكلها كانت تتشابه في خروجها من قلب الشارع، واكتشافها عن طريق كشافي الأندية الكبرى التي كانت تجوب شوارع المدن والقرى بحثاً عن هذه المواهب.
لكن ما حدث في العقدين الماضيين من سيطرة "أبناء العاملين" على قطاعات الناشئين في الأندية، أوصلنا لما نحن عليه الآن. يمكنك أن تبحث عن أبناء اللاعبين السابقين الموجودين حالياً في الأندية الكبرى مثل الأهلي والزمالك، وكذلك في قطاعات ناشئي هذه الأندية، التي يُسيطر عليها في الأساس هؤلاء اللاعبون السابقون، سواء كمدربين أو إداريين، وستعلم من أوصلنا إلى تلك النقطة.
ولهذا السبب ارتأى اتحاد كرة القدم أن يُقيِم برنامجاً، يبحث عن المواهب وينظمهما بعد ذلك في 8 فرق، يُشرف عليها لاعبون سابقون، لم يتلقّ معظمهم شهادة تدريبية، أو أكاديمية واحدة، لتتنافس هذه الفرق، وفي النهاية سيكون هناك فائز وحيد، ولا نجد أنسب من وصف الأستاذة منى الشاذلي، عندما استضافت المشرفين على البرنامج في برنامجها الشهير "معكم منى الشاذلي" قائلةً:
"كابيتانو مصر، مشروع عظيم لاختيار المواهب، حاجة كده شبيه بـ"ذا فويس "…".
لكن قبل أن نخبرك رأينا في هذا المشروع، ونجيبك عن السؤال الذي طرحناه في البداية، دعنا نَعرج إلى الخارج قليلاً، ونرَ كيف تصرفت بعض الدول الأوروبية في هذا الملف بالتحديد.
بالعلم أولاً: هولندا تُجيبك
لم تَعُد كرة القدم مجرد رياضة ترفيهية للجماهير فحسب، بل أصبحت صناعة، تقوم عليها اقتصادات دول بأكملها، ولا نخفيك سرا، أن هذه الدول حتى تتمكن من ازدهار هذه الصناعة، توجهت نحو العلم، كمحاولة لاستغلال كل الموارد في سبيل تطور كل عناصر اللعبة؛ وبالتبعية زيادة الاستثمارات جراء هذا الازدهار.
ولأنه لن تكون هناك كرة قدم من الأساس، دون وجود لاعبين أكفاء، فحتى لو توافرت كل العناصر، دون توفر لاعبين جيدين، فلن يكون هناك كرة قدم من الأساس، ولنا في النموذج الصيني خير مثال، وهو النموذج الذي أُنفق عليه مليارات الدولارت في البنية التحتية وملاعب الكرة وغيرها، لكنه لم ينجح بسبب عدم توافر اللاعبين الجيدين، ولنا في ذلك حديث آخر قريباً.
اتجهت كل النماذج التي حققت ازدهاراً في صناعة كرة القدم إلى العلم في اختيار وتطوير الناشئين، باعتبارهم أهم عناصر هذه اللعبة.
تمت دراسة تحديد المواهب وتطويرها في كرة القدم بشكل متزايد على مدار العقدين الماضيين. ركز الباحثون على جوانب مختلفة من الأداء لتحديد المواهب. وتم وضع نماذج لتحديد هذه المواهب، أحد أشهر هذه النماذج، هو نموذج "ويليامز ورايلي" الذي يشير إلى أن الموهبة تتكون من الخصائص الجسدية والنفسية والفسيولوجية والبيئية، وأنه يجب النظر لكل هذه الخصائص مجتمعة، حتى تتمكن من اختيار المواهب، وتطويرها مستقبلاً.
من الأساليب الشائعة لتحديد مؤشرات الموهبة أخذ مقطع عرضي للاعبين ومقارنة خصائص هؤلاء اللاعبين الذين تم اختيارهم والذين لم يتم اختيارهم مع بعضهم البعض. لقد تم التشكيك في هذا النهج، وفي استخدام مستوى الأداء كمعيار، والسبب أن النتائج تسفر في بعض الأحيان عن نتائج متضاربة.
تتمثل إحدى نقاط الضعف الرئيسية في دراسات المقطع العرضي للتنبؤ بالمواهب، في فشلها في مراعاة المسارات التطورية لخصائص اللاعبين بمرور الوقت. هذه مشكلة لعدة أسباب؛ أولاً، ينضج بعض اللاعبين في وقت أبكر من الآخرين، وبالتالي فإن التحليلات المقطعية للمواهب ستؤدي عموماً إلى تحيز الاختيار تجاه الناضجين أولاً. ثانياً، لا تتبع جميع المؤشرات المحتملة للموهبة نفس المسار التنموي. فمن المرجح أن تختلف التنبؤات بالموهبة اعتماداً على العمر الذي يتم فيه اختبار الأطفال.
أيضاً، لم تفحص هذه الدراسات بعد أي تأثير لخصائص القياسات البشرية، والقدرات النفسية والاجتماعية، وبالتالي فهي تقدم فقط فهماً أولياً لنهج متعدد التخصصات بالكامل. أخيراً، تبدأ معظم الدراسات الحالية فقط بفحص الأطفال في الفئة العمرية أقل من 12 عاماً أو أكبر، وبالتالي لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت مؤشرات الموهبة قد تظهر في سن أصغر.
في دراسة أجريت على 110 لاعبين هولنديين، تتراوح أعمارهم ما بين 8-12 سنة، ضمن برنامج تطوير نادي كرة قدم محترف. تم جمع البيانات من أبريل/نيسان 2015 حتى فبراير/شباط 2020 على ثلاثة أفواج متتالية من اللاعبين. تم اختبار اللاعبين شهرياً على مدار أربع سنوات متتالية بواسطة مدربين من أكاديمية الشباب، تم تقييم اللاعبين على أساس القياسات البشرية، والقدرات النفسية والاجتماعية.
أشارت النتيجة النهائية لهذه التجربة إلى أن تقييم اللاعبين في هذا العمر، لا يجب أن يخضع لمقطع عرضي، يكون فيه اللاعب مجبراً على أداء أفضل ما لديه في بضع دقائق، وكذا يجب أن يُنظر لتجربة كل ناشئ على حدة، لا تتم فيها مقارنته بأداء زملائه، ولمدة زمنية طويلة، تتخطى 4 سنوات، حتى يكون تقييمه نهائياً، وحتى لا يتم هدر الكثير من المواهب بالطريقة القديمة، ولعلك تلحظ التطور الصارخ في جودة اللاعبين الهولنديين، ومستوى جودة هؤلاء اللاعبين، الذين تعج بهم كبرى أندية أوروبا.
صُنعَ في ألمانيا
هناك تجربة رائدة في هذا الشأن أيضاً، وهي التجربة الألمانية لتطوير المواهب. عام 2000، وتحديداً في بطولة أمم أوروبا، عندما تذيلت ألمانيا مجموعتها، أدركت حينها أن كرة القدم تغيرت موازينها وأبعادها، وأن تاريخك لن يشفع في الحاضر، بل أصبح من الماضي.
روبن دوت، الرجل الذي عُهد إليه مهمة تطوير اللاعبين والمدربين الشباب حينها، يقول:
"كنا في القاع، وكان يجب وضع خطة قوامها تطوير المدربين واللاعبين معاً".
بعد عقدٍ ونصف من الزمان أو نحو ذلك، حققت ألمانيا كأس العالم عام 2014 في البرازيل. كان الفضل في ذلك إلى هذه الخطة المحكمة التي نتج عنها قوام هذا المنتخب الذي حقق البطولة.
جاء أكثر من نصف هؤلاء اللاعبين من خلال برنامج تنمية المواهب الخاص بالاتحاد الألماني لكرة القدم، والذي تم تقديمه في عام 2003 بهدف تحديد الشباب الواعدين وتزويدهم بالمهارات الفنية والمعرفة التكتيكية في سن مبكرة.
غطت هذه المبادرة 366 منطقة في ألمانيا، واستهدفت الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 14 عاماً ويخدمها 1000 مدرب بدوام جزئي في الاتحاد الألماني لكرة القدم، وجميعهم يجب أن يكونوا حاصلين على رخصة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم B ويتوقع منهم استكشاف اللاعبين وتدريبهم.
يقول دوت: "لدينا 80 مليون شخص في ألمانيا وأعتقد أنه قبل عام 2000 لم يلاحظ أحد الكثير من المواهب". "الآن نلاحظ الجميع".
ساعد العمق المذهل لموارد التدريب في ألمانيا، بالإضافة إلى علاقة الاتحاد الألماني الوثيقة مع أندية البوندسليغا، صنع البرنامج. وفقاً لـ Uefa، يوجد في ألمانيا 28400 مدرب برخصة B، و5500 برخصة A و1070 برخصة Pro، كان ما بعد يورو 2000 يتعلق بتغيير الفلسفات بالإضافة إلى توظيف المزيد من المدربين بدوام كامل وترقية المرافق.
دائرة مغلقة
بالعودة إلى مشروع " كابيتانو مصر"، إن كنت قد نسيت أنه موضوعنا الرئيسي، وبإسقاط إحدى التجربتين اللتين ذكرناهما في الأعلى، فلن نجد أي خيط في هذا المشروع يمكننا البناء عليه للمستقبل.
البرنامج يديره 8 لاعبين سابقين، وهم "أحمد الكاس- عبدالستار صبري- محمود أبوالدهب- شادي محمد- طارق السيد- سيد معوض- محمد اليماني- سارة حسنين" يحظى القليل منهم بخبرة تدريبية، وكل مؤهلاتهم أنهم كانوا لاعبين سابقين.
لا يوجد ضمنهم شخص أكاديمي، خرج لنقل تجارب الدول الرائدة مثلاً، وعاد لإطلاع المدربين عليها أولاً قبل اللاعبين، وهنا تكمن مشكلة الكرة المصرية الحديثة، فهي عبارة عن دائرة معارف مغلقة. مدربون يتبادلون الأدوار في الفرق المصرية، ولاعبون سابقون يتولون قطاعات الناشئين في الأندية، ولا تخرج سوى قلة قليلة من الأسماء التي لم يسبق لها لعب كرة القدم، لأنه في مصر إن لم تلعب كرة القدم سابقاً فلن تحصل على فرصة، حتى ولو كنت تمتلك العلم.
هل تتذكر مشروع الـ1000 محترف الذي أطلقه كابتن أحمد حسام "ميدو"؟
فنكوش الـ1000 محترف
منذ أكثر من سنتين، وتحديداً عام 2018، خرج أحمد حسام ميدو، ليعلن تكليفه بمشروع قومي يهدف إلى تبني 1000 محترف، لتدريبهم وتأهيلهم للعالمية، وقال ميدو نصاً حينها:
"تم تكليفى بإدارة ورئاسة مشروع الـ1000 محترف، الذي أمر به الرئيس عبد الفتاح السيسي"، مشيراً إلى أنه اجتمع مع عدد من المسؤولين، منهم أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة بشأن هذا الموضوع".
والباقي أنت تعرفه، يشغل كابتن أحمد حسام، منصب المدير الفني الحالي لنادي الإسماعيلي الذي يصارع على الهبوط هذا الموسم في الدوري المصري الممتاز، ويعمل أيضاً كمقدم برنامج رياضي على قناة المحور. وإن سألته عن مشروع الـ1000 محترف تلك، نعتقد أنه لن يتذكره.
خارج الدائرة
إن كنت لا تزال تريد معرفة رأينا في مشروع كابيتانو مصر، فسنخبرك أنه لن يختلف كثيراً عن نتيجة مشروع الـ1000 محترف، ولن نجد أنسب من وصف الأستاذة منى الشاذلي عنه "يشبه ذا فويس"، برنامج تتصارع فيه النجوم لخطف المواهب، ثم يفوز أحدهم في النهاية، ويُنسَى، إلى أن يأتي الموسم القادم، وندور في نفس الدائرة.
أما عن الحل، فنحن لا نملك حلاً جذرياً، ولكننا نعلم أنه لا بديل عن اللجوء للعلم، كما حدث في ألمانيا وهولندا وإسبانيا وغيرها. يجب أن تفتح هذه الدائرة المغلقة أذرعها للشباب الذي يعشق تفاصيل هذه اللعبة، ويذهب إلى أقاسي البلاد ليثقل شغفه بالعلم. يجب أن تُمحى قاعدة أن من يعمل بكرة القدم، يجب أن يكون لاعباً سابقاً، وإلا ستكون معرفة لاعبينا عن اللعبة، فقط ما قاله كابتن شادي محمد للاعبين، والذي بدأنا به حكايتنا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.