تزامناً مع استمرار انتفاضة الشعب الإيراني واتساع آفاقها، وكذلك من أجل بلوغ الانتفاضة الحالية مرحلة الكمال الثوري، يُطرح سؤالٌ مفاده: ماذا بعد إسقاط النظام؟ وبعبارة أخرى: من سيسقط؟ ومن سيصعد؟
طرح هذين السؤالين دليل على أن انتفاضة الشعب مسترشدة طريق الثورة، متجنبة الضلال. الدكتاتورية الدينية المتسلطة على إيران هي أكثر دكتاتورية مرعبة تسلطت على إيران عبر التاريخ، ولهذا السبب فإن الخسائر المادية والبشرية لهذه الحكومة أكبر من كل الحكومات الدكتاتورية على هذه الأرض، ولن تتراجع عن ارتكاب الجرائم حتى يوم الإطاحة بها.
لقد دخلت مواجهة الشعب الإيراني مع الدكتاتورية مرحلة متقدمة الآن، وبلغت حدّاً يصل فيه إلى الأسماع صوت تهشيم عظام الدكتاتور الحاكم بكل مكان في إيران، وهنا يطرح سؤال: ما الذي يجب عمله الآن؟ وما التهديدات والآفاق؟
التدابير المضادة للانتفاضة!
كانت وما زالت الرجعية والاستعمار دائماً ضد مصالح الشعب الإيراني على مر التاريخ، ولو استطاعوا إخماد الثورة من خلال قمعها بأساليب عسكرية وميدانية لفعلوا، ولأنهم لا يستطيعون يلجأون إلى وضع العراقيل وحرف المسار الحقيقي للثورة وسحبها بعيداً دون دائرة مطالب الناس ورغباتهم، إنهم مرعوبون من وصول "الانتفاضة" إلى مرحلة "الثورة" و"الإطاحة بالدكتاتور"، ولهذا السبب يحاولون، وبطرق مختلفة، تحويل مسار عملية انتفاضة الشعب من أجل إسقاط الدكتاتور إلى مسارٍ باتجاه "تحولٍ وبقاءٍ" للنظام.
على الرغم من أن الثورة الشعبية عام 1979 في إيران كانت مختلفة كثيراً عن انتفاضة الشعب اليوم؛ فإن من سماتها البارزة أن مسارها قد انحرف كلياً وبشكل كامل، وأتت بدكتاتورية أسوأ بكثير من الدكتاتورية السابقة في إيران إلى سدة الحكم، وذلك لأن الشعب في تلك الظروف والأيام كان قد اختار إسقاط النظام الملكي، لكن لم يقرر النظام القادم!
لأن القادة الحقيقيين للشعب الإيراني في سجون دكتاتورية الشاه قد أُعدموا أو كانوا تحت التعذيب، واستغلت القوى الرجعية "الفراغ القيادي" في المجتمع، الأمر الذي سمح بتعبئته بالخميني وتيار الملالي، وحدث ما لا يجب أن يحدث!
ضرورة استمرار الانتفاضة!
إن مقارنة النموذج الكامل للانتفاضة الحالية مع ثورة الشعب عام 1979 هي خطأ سياسي واجتماعي فادح، ذلك لأن الدكتاتورية الدينية الحاكمة ليست دكتاتورية تتعلق بالشاه، كما أن شعب إيران ليس شعب ذلك الوقت.
نعلم جميعاً أن الانتفاضة الحالية ليست عفوية، وغير موجّهة أو بلا هدف، ولقد تعلم الشعب الإيراني من التجربة أن النظام الحالي لم يكن "من الشعب" و"للشعب" وبالتالي يجب "أن يسقط"، ولربما يمكننا صياغة الفارق الواضح بين الثورة الأخيرة وثورة الشعب عام 1979 ضد دكتاتورية الشاه على النحو التالي: "يعرف الشعب الإيراني الآن سبب ثورته وما هو الشيء الذي يريد استبداله به"، إنه يسعى بجدية لإقامة حكومة جمهورية وديمقراطية وشعبية ووطنية، ولديه اطلاع نسبي حول "ما يجب أن يذهب ويغرب" و"ما يجب أن يأتي ويُشرق".
ذلك لأن هذه الانتفاضة متجذرة بعمق ومسار 43 عاماً من المقاومة والصمود والثبات ضد الدكتاتورية الدينية، ولم تحدث بشكل عشوائي وعفوي، وقد أدى مقتل مهسا أميني إلى تأجيج الانتفاضات السابقة وتصاعدها وبلوغ ذروتها، ولما تجلجلت وأرعدت زلزلت الأرض تحت سلطان الدكتاتورية.
وعليه، فإن الدرس الأول من الثورة الحالية يكمن في أن "الثورة" يجب أن تستمر بشدة وأكثر كمالاً بأقصى حدّ من أجل نيل مطلب "إسقاط هذا النظام الدكتاتوري" وعدم الاكتفاء بأقل من هذا المطلب!
يقظة عاجلة!
لأيام ذروة الثورة الشعبية سماتها الخاصة، وإن التقدم الصحيح للانتفاضة والحفاظ عليها وحمايتها يتطلب يقظة والحركة بمؤشر واضح محدد، ومن الطبيعي ألا تجلس الدكتاتورية الحاكمة وحماتها في هدوء، ومن أجل بقاء نظامهم سوف يرتكبون أي جريمة، وسيحاولون تفكيك وشق صفوف الثورة الشعبية وصرفها عن الهدف والشعار الرئيسيين من خلال تفعيل الخلافات الثانوية أو شعارات التفرقة، وبهذه الطريقة سيجعلون من الثورة الشعبية ثورة عقيمة، وفي مثل هذه الأيام سوف تُرى وتُسمع أشياء كثيرة لم يسبق لها مثيل من قبل، وعليه لا يجب السماح بأن تحل المطالب السابقة المُثارة من قبل العدو محل الشعار الرئيسي للثورة، وهو إسقاط هذا النظام!
قال السيد مسعود رجوي خلال ثورة عام 1979 "لم نأتِ لتأييد كل شيء في الثورة"، وإن هذه لتجربة عملية فريدة من أجل الثبات على المبادئ والدفع بالانتفاضة الشعبية بشكل صحيح، وتوجيهها نحو النصر والوصول إلى نقطة الثورة وإسقاط النظام، وكما أن المجاهدين وفي حال من الأحوال لم يوافقوا على الدستور وخطط وسياسات خميني ونظامه فحسب، بل إنهم وقفوا ضده ودفعوا ثمناً باهظاً لذلك، وكانوا منذ اليوم الذي "فرض" فيه خميني العنف والقمع على الشعب الإيراني واجهوا وقاوموا خميني وسياساته وبرامجه ونظامه، وأصبحوا أصحاب وحمَلة راية إسقاط هذا النظام!
المحور والشعار الرئيسي للانتفاضة الشعبية!
إن حفظ وحماية الثورة الشعبية والتقدم بها وتخطي الكمائن الكبيرة التي وضعها وسيضعها الدكتاتور في طريقها أمر سهل وممكن عندما يكون الوقوف على المبدأ الأساسي المتمثل في "إسقاط النظام" و"مبادئ النضال" حدّاً أحمر، وعدم القبول بأقل من إسقاط الدكتاتور.
لقد أظهرت التجربة أن شعارات مثل "رفض الحجاب الإجباري" و"حرية السجناء السياسيين" و"المرأة، والحياة، والحرية" وغيرها على الرغم من أنها تقدمية ويجب دعمها، فإنها مطالب إذا تم استبدالها وإحلالها محل شعار "إسقاط الدكتاتور" فإن الفائدة ستكون أعظم، وما يجب وضعه نصب أعيننا هو أن جميع تلك الشعارات والمطالب لن تتحقق دون إسقاط الدكتاتورية، وأنها ستتحقق تلقائياً بعد بلوغ هدف إسقاط النظام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.