كانت الملكة إليزابيث الثانية هي العامل الموحِّد الذي أبقى النظام الملكي حياً وبريطانيا لا تزال على رأس دول "الكومنولث". لكن تعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية بعد 70 عاماً من تربعها على عرش المملكة المتحدة وبقية دول الكومنولث علامة بارزة في تاريخ الإمبراطورية المضمحلة. فالعرش الذي لن تجلس عليه إليزابيث مرة أخرى يواجه تحديات واضحة وأخرى خفية.
التحدي الأخطر هو مستقبل الملكية الدستورية في المملكة المتحدة. ففي الوقت الذي اهتزت فيه الملكيات الأوروبية وترنحت، كانت الملكة إليزابيث الثانية منقذة الملكية الدستورية في المملكة المتحدة.
لكن السؤال: هل ستبقى الملكية البريطانية على قيد الحياة بعد الملكة، وما إذا كانت العلاقة السياسية بين التاج البريطاني وبقية دول "الكومنولث" ستستمر وستظل مستقرة في عهد الملك الجديد، وما الذي سيجلبه العهد الملكي الجديد إلى السياسة الخارجية البريطانية تجاه دول الكومنولث؟
هذه الأسئلة ليست سوى غيض من فيض الأسئلة الحاسمة والمقلقة التي تبرز في بداية حقبة جديدة من الملكية البريطانية.
وضع الملكية الدستورية، والاتجاهات المنادية بتفكيك الملكية، وعلاقة المملكة المتحدة بـ"الكومنولث" هي ثلاثة تحديات كبيرة تواجه بريطانيا.
الملكية الدستورية
على الرغم من أن النظام الملكي الدستوري البريطاني قد أدى إلى تدهور مكانة الملك إلى حد ما، فإن النظام الملكي وشخص الملك أو الملكة لهما جانبان على الأقل من الأهمية والوظيفة.
الأول هو بناء الهوية عبر الدستور، مؤسساً بذلك النظام السياسي والاجتماعي البريطاني.
يعد الدستور الملكي في بريطانيا رمز التفوق البريطاني بالقارة الأوروبية، ودليل حقبة الاستعمار والحكم البريطاني لمعظم مناطق العالم. وعلى وجه الخصوص، يعد الدستور نقطة الاتصال السياسية والتاريخية بين إنجلترا وأسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية، والتي تشكل أراضي المملكة المتحدة.
الوظيفة الثانية للملكية الدستورية سياسية، فعندما يكون هناك مأزق سياسي وإداري، يلعب الملك أو الملكة دوراً. على سبيل المثال، على الرغم من أن سلطة تشكيل حكومة في إنجلترا تُمنح عادة لزعيم الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية، إذا لم يكن هناك فائز واضح، فإنه يمكن للملك تعيين زعيم حزب آخر لتشكيل الحكومة.
ومع ذلك، فإن العائلة المالكة ليست متماسكة كما كانت من قبل، ويعتبر البعض أن قيود هذه العضوية أكثر من فوائدها. ووجد استطلاع للرأي نشرته مؤسسة "دلتا بول" العام الماضي، أن 27 % فقط من المستطلعين يؤيدون ملكية تشارلز الثالث بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية. على الرغم من أن 18% من المشاركين اعتقدوا أنه بعد الملكة إليزابيث، لم تعد المملكة المتحدة بحاجة إلى ملك، لكن يبقى أن نرى الاتجاه الذي سيتخذه الرأي العام خلال عهد الملك الجديد.
إمكانية التفكك
أحد التحديات التي تواجه المملكة المتحدة في مجال النظام السياسي والملكية الدستورية، هو نمو الميل إلى تقسيم أراضي المملكة المتحدة. في جميع الأراضي البريطانية تقريباً- وضمن ذلك إنجلترا وأسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية- هناك ميول قومية ورغبة في الاستقلال. وربما، مع وفاة الملكة والظروف الناتجة عن زعزعة استقرار منصب الملك الجديد، ستتاح لهذه الميول فرصة للظهور والتعزيز.
في الوقت نفسه، تتمتع أسكتلندا بظروف خاصة وفريدة من نوعها. وتمكن الاستفتاء الأسكتلندي لعام 2014 حول ما إذا كان ينبغي أن يكون بلداً مستقلاً أم لا، مع نتيجة هشة بلغت 55% ضده و45% مؤيدة، من الحفاظ على هذه المنطقة في المملكة المتحدة. ولكن كما يبدو، يحاول مؤيدو استقلال أسكتلندا التخطيط لاستفتاء ثان قريباً، يمكن أن تؤدي نتائجه إلى إنهاء اتحاد هذا البلد مع أراضي المملكة المتحدة.
وهناك أيضاً ميول جدية مؤيدة للاستقلال في أيرلندا. حتى من منظور تاريخي، بعد أكثر من 100 عام، يمكن اعتبار تقسيم أيرلندا إلى جزأين، أيرلندا الجنوبية وأيرلندا الشمالية، بموجب قانون أقره البرلمان البريطاني، كجرح لم يلتئم.
الملكية ودول الكومنولث
تتكون رابطة "الكومنولث" من أكثر من 50 دولة مستقلة كانت في السابق مستعمرات بريطانية وتشمل دولاً مهمة مثل أستراليا وجنوب إفريقيا وكندا. وتأسس هذا الاتحاد في عام 1971 وهدفه في المقام الأول هو الحفاظ على العلاقات السياسية لهذه الدول مع بريطانيا وثانياً تشكيل التعاون التجاري والاقتصادي بين الأعضاء.
كما هو الحال في المملكة المتحدة، هناك ميل في "الكومنولث" لكسر العلاقة الأبوية مع المملكة المتحدة. ففي أستراليا، على سبيل المثال، تم إجراء استفتاء لأول مرة في عام 1999 بشأن الاستقلال عن المملكة المتحدة، وكانت نتيجته 55% ضده و45% لصالحه.
مع وفاة الملكة إليزابيث الثانية، أتيحت الفرصة لميول الاستقلال وتحول أستراليا إلى جمهورية للظهور مرة أخرى. على سبيل المثال، دعا آدم بونت، السياسي الجمهوري الأسترالي، علناً إلى المضي قدماً في "استقلال" أستراليا التام عن بريطانيا.
في الختام، يبدو أن المملكة المتحدة تواجه ثلاثة تحديات رئيسية في حقبة ما بعد الملكة إليزابيث الثانية: الحفاظ على الملكية الدستورية، والحفاظ على الأراضي، والحفاظ على أراضي دول "الكومنولث".
ويختلف منظور الملكية الدستورية بعد الملكة عن الماضي من نواحٍ كثيرة. فمصير الدعوات المتنامية ضد النظام الملكي، خاصةً العائلة المالكة والاستقلال في المناطق البعيدة والقريبة من هذا البلد، سيتحدد بناءً على تماسك النظام الملكي أو تحلله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.