يعد انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع جزءاً من الحياة اليومية في العراق، ويؤثر على المواطنين بغض النظر عن الطبقة. ولتعقيد هذه المشكلة من المقرر أن تتسع الفجوة بين الكهرباء المتاحة والطلب على مستوى الدولة في المستقبل.
واقع الكهرباء في العراق
شهدت السنوات الخمس الماضية بالفعل تفاوتاً متزايداً بين الكهرباء التي توفرها الحكومة والكهرباء التي يطلبها الشعب العراقي، وحتى الآن تجاوز استهلاك الكهرباء في العراق- الذي نما بنحو 30% خلال هذه الفترة- جهود الحكومة لتلبية الطلب المتزايد، كما تسهم حالات الانقطاع في عدم قدرة الحكومة على توفير السلع العامة الأساسية الأخرى، مثل المستشفيات والمطارات والمباني الحكومية الأخرى التي عانت من الانقطاعات.
ستزداد هذه المشاكل سوءاً على المدى القصير والطويل. على سبيل المثال سوف يضغط الصيف الحار القادم بشكل كبير على قدرة العراق على تلبية الطلب. وأشار مراقبون العام الماضي إلى أنه في الوقت الذي تكافح فيه الحكومة لتلبية حاجة الناس للكهرباء، أصبحت الاحتجاجات والمظاهرات أكثر احتمالاً، كما لاحظ مراقبون العام الماضي.
على المدى الطويل سيكون التحدي أكثر صعوبة، حيث تشير بعض التقديرات إلى زيادة الطلب بنسبة 10% تقريباً على أساس سنوي، بينما تشير تقديرات أخرى إلى زيادة عدد سكان العراق بمقدار مليون شخص سنوياً، وفي هذا الوضع الكهربائي الصعب سعت الجماعات الإرهابية إلى استغلال استياء العراق من الحكومة من خلال تخريب شبكات الكهرباء ومحاولة الاعتداء على خطوط النقل.
لعنة الفساد
يمكن القول إن الفساد الطاغي على الدولة يعتبر السبب الأساسي وراء ذلك، حيث يحتاج العراق بشدة إلى تحديث سلسلة إمداد الكهرباء بالكامل- من التوليد إلى النقل والتوزيع. كما تحتاج إلى "إعادة تأهيل شبكة الدولة التي تولد حوالي 15000 ميغاواط، على الرغم من أن ذروة الطلب يمكن أن تصل إلى حوالي 24000 ميغاواط".
هناك صلة بين رجال الأعمال والسياسيين والجماعات المسلحة التي تستفيد من الوضع الراهن، الذي يضمن حصول كل طرف على حصته من عقود الحكومة، مليارات الدولارات يتم سلبها من الخزائن العامة عن طريق تضخيم أسعار مواد البناء. أولئك المسؤولون الذين يرفضون المشاركة في هذه الممارسات الفاسدة يواجهون التهديدات ويفقدون وظائفهم في كثير من الأحيان، والنتيجة تؤدي إلى ندرة الكهرباء التي يمكن الاعتماد عليها وإهدار الموارد الطبيعية للبلاد وأموال دافعي الضرائب.
وزعم رئيس الوزراء العراقي أن العراق أنفق أكثر من 62 مليار دولار على إعادة الكهرباء. لجنة برلمانية وضعت الرقم أعلى من ذلك، قدّر تحقيق في قطاع المرافق أن العراق استثمر 81 مليار دولار منذ عام 2005 دون أي تحسن ملحوظ في إنتاجه الكهربائي أو موثوقية الشبكة.
ينبع نقص الكهرباء في العراق أيضاً من إخفاقه في الاستفادة من الموارد الطبيعية للبلاد، على سبيل المثال يتمتع العراق بكميات كبيرة من الغاز الطبيعي، لكن البلد يفتقر إلى القدرة على الاستيلاء عليه والاستفادة من احتياطياته الهائلة في الكهرباء.
في الوقت نفسه، تشعل البلاد (أو تحرق) كميات هائلة من غاز الميثان المرتبط باستخراج النفط وفقاً للبنك الدولي، يعد العراق واحداً من سبع دول مسؤولة عن "ما يقرب من ثلثي (65%) حرق الغاز العالمي". في عام 2017 وحده، اشتعلت النيران في العراق بأكثر من 600 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي؛ ما يجعله في المرتبة الثانية بعد روسيا.
كلما زاد إنتاج العراق من النفط زاد الغاز الذي سيشتعل حتماً، وإذا قام العراق بتسخير الغاز الطبيعي المنبعث من آباره النفطية بدلاً من إهداره بهذه الطريقة، فإنه يمكن أن يحقق حافظة طاقة أكثر توازناً ويخفف من بعض مشاكل الكهرباء المحلية.
إن عدم القيام بذلك سيجعل العراق أكثر اعتماداً على إيران للغاز الطبيعي والكهرباء الأكثر تكلفة، حيث يعتمد العراق على إيران فيما يقرب من ثلث احتياجاته من الكهرباء، على الرغم من أن هذا أيضاً كان عرضة للانقطاع. على سبيل المثال، عندما خفضت إيران إمدادات الغاز من 50 مليون قدم مكعبة إلى 8.5 مليون قدم مكعبة إلى العراق، بسبب الفواتير غير المسددة، ونقص الكهرباء على نطاق واسع في وسط وجنوب العراق.
على الرغم من أن بغداد سعت إلى تنويع إمدادات الكهرباء من خلال مبادرات إلى دول مثل المملكة العربية السعودية وتركيا والأردن والكويت، فإن التقدم على هذه الجبهات قد أعيق بسبب الخلافات حول الأسعار.
أخيراً، يمكن إرجاع جزء من مشكلة الكهرباء في العراق إلى إهمال البلاد لموارد الطاقة المتجددة بالنظر إلى أشعة الشمس الشديدة في العراق، لا سيما في الأجزاء الغربية والجنوبية من البلاد، فيمكن لأكثر من نصف العراق الاعتماد على الطاقة الشمسية، إذا أدرك تماماً قدرته على تسخير طاقة الشمس.
الكهرباء هي إحدى السلع العامة التي تؤثر على أجزاء أساسية من الحياة اليومية للملايين، وكانت أحد الأسباب العديدة وراء السخط المنتشر على نطاق واسع من الحكومة المركزية في بغداد، رغم أن الحكومة الحالية تحاول تحسين الوضع من خلال وضع خطط جديدة وتنويع إمدادات الطاقة، فإن هذه الإجراءات ستثبت أنها حل قصير الأجل لمشكلة متأصلة بعمق وتتفاقم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.