كيف نوقف تعيين أو تزكية نواب البرلمان المصري؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/03 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/03 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
مبنى البرلمان المصري (مجلس النواب) الجديد في العاصمة الإدارية الجديدة/ رويترز

في المقال قبل الماضي تحدثنا في قضية مهمة، وهي لماذا نحتاج إلى نظام انتخابي جديد؟ اليوم نناقش السؤال الثاني الوارد في صدر المقال السابق، وهو: كيف نضع نظاماً انتخابياً جديداً يجعل مصر في مصافّ البلدان المتمدينة التي ينتخب نوابها انتخابات حرة ونزيهة، عوضاً عن الأسلوب الحالي الذي يعتمد القائمة المطلقة، وهو أحد أنظمة الانتخاب الأغلبي، وهو واحد من أسوأ نظم الانتخابات في العالم، لأنه يجعل الممثلين أو المشرعين يُختارون بأسلوب أشبه بالتزكية أو التعيين المقنع.

بالطبع من المهم أن يكون النظام الانتخابي الجديد معززاً للأحزاب السياسية، ويقصد بذلك اختيار نظام الانتخابات بالقائمة النسبية الحزبية. لكن اختيار هذا النظام قد يأخذ عليه البعض أنه ينقل النظام الانتخابي المصري نقلة درامية؛ لأن الناخبين اعتادوا في أغلب مراحل تطور النظام الانتخابي منذ 1866 على الأسلوب الأغلبي، خاصة وفقاً للنظام الفردي، ومن ثم فإنه يتحتم الانتقال للأسلوب النسبي بشكل تدريجي. لذلك من المهم الإقرار بنظام يجعل نصف أعضاء البرلمان المنتخبين من القوائم النسبية الحزبية، والنصف الآخر من النظام الأغلبي وفق الشكل الفردي (وليس وفقاً للقوائم المطلقة المعيبة)، وذلك بنسبة 50% و50% لكل منهما. لكن كيف يتم ذلك من الناحية الفنية والسياسية؟

بداية يجب الإقرار بأنه من الضرورى أن تسفر التعديلات الواردة على النظام الانتخابي، عن تعديل ثلة من القوانين أبرزها قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون تقسيم الدوائر وقانون الهيئة الوطنية للانتخابات. كما أنه من المهم أن تتضمن التعديلات بعض الضمانات الإضافية لـ"مقرطة" (جعلها ديمقراطية) ونزاهة العملية الانتخابية.

أولاً: تعديلات ضرورية لتغيير النظام الانتخابي

تتضمن التعديلات الإضافية على النظام الانتخابي عدة أمور لعل أهمها:

1- وضع طريقة متوالية محددة لترتيب القوائم الانتخابية بشكل محدد وقصري، وكذا توزيع المقاعد، وذلك كله لضمان تمثيل الكوتات الدستورية، أي ربع عدد مقاعد المجلس للمرأة جبراً، دون أن يكون هناك أي جبر لها للنزول أو العزوف عن المشاركة في الترشيح على المقاعد الفردية، ما يستلزم أن تكون نصف مقاعد القائمة للمرأة وتمثيل باقي الكوتات بالقائمة بشكل "ملائم". بحيث يكون الترتيب كالتالي: شاب فامرأة فمسيحي فامرأة فعمال وفلاحين فامرأة فذوي إعاقة فامرأة فمصري مقيم بالخارج فامرأة وهكذا نكرر حتى نهاية القائمة. 

2- تعديل القرار بقانون رقم 88 لسنة 2015 في شأن "تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب" بحيث يتضمن التعديل أمرين: أولهما: تأسيس دوائر للنظام النسبي عددها 12 دائرة على مستوى الجمهورية، يخصص لكل منها 20 نائباً بمجموع 240 نائباً. وهنا يمكن أن يساعد تقسيم الدوائر الذي جرت على ضوئه انتخابات 1984 وانتخابات 1987، عندما قسمت الجمهورية إلى 48 دائرة انتخابية، أي أنه يمكن ضم بعض الدوائر إلى دوائر أخرى لاستيفاء العدد المطلوب، مع إمكانية تخطي القائمة لحدود المحافظة الواحدة كما جرى في انتخابات 2015/2016.

ثانيهما: تأسيس دوائر النظام الأغلبي عددها 240 دائرة على مستوى الجمهورية، يخصص لكل منها نائب واحد بمجموع 240 نائباً. وهنا يمكن أن يساعد تقسيم الدوائر الذي جرت على ضوئه الانتخابات خلال الفترة من 1990-2010، عندما كانت دوائر الجمهورية 222 دائرة.

3- تعديل القرار بقانون رقم 46 لسنة 2014 في شأن مجلس النواب، فيما يخص نسبة الحاجز الانتخابي، أو ما يسمى إعلامياً العتبة الانتخابية، لضمان حصول القائمة على نسبة محددة، تقدر بـ5.% على مستوى الجمهورية، ما يتيح تمثيلاً أكبر للأحزاب الصغيرة في البرلمان.

4- تعديل القرار بقانون رقم 45 لسنة 2014 في شأن مباشرة الحقوق السياسية، فيما يتصل بتقرير عملية الاقتراع في الشق الأغلبي على جولة واحدة، أي الانتخاب بالأكثرية العددية، وليس بالأغلبية المطلقة، أو ما يسمى علمياً "نظام الفائز الأول" على غرار نظام الانتخاب في المملكة المتحدة وبعض البلدان الأخرى، وذلك توفيراً لنفقات خوض جولات أخرى للانتخاب، وتأكيداً أن الفائز بالأكثرية هو نفسه في الأغلب الأعم من سيفوز في الجولة الثانية.

5- تعديل القرار بقانون رقم 46 لسنة 2014 في شأن مجلس النواب، فيما يتصل بتغيير النفقات الخاصة بتأمين دخول الانتخابات، بما يضمن تحقيق بيئة نظيفة، وخالية من التلوث البصري.

ثانياً: في ضمانات مقرطة ونزاهة الانتخابات

لا يتضمن مشروع القانون الكثير من ضمانات "مقرطة" ونزاهة العملية الانتخابية، إذ إنه بعد أحداث يناير 2011 وضعت الدولة عديد الضمانات التي طالما بحت أصوات القوى السياسية والوطنية للمطالبة بها إبان عهد مبارك، ومن ذلك:

– الأخذ بقاعدة بيانات الرقم القومي كمصدر وحيد لسجلات الناخبين.

– منح المصريين المقيمين في الخارج حق المشاركة في الاقتراع.

– نأي وزارة الداخلية بنفسها عن التدخل في العملية الانتخابية.

– تحرير بعض القيود الخاصة بتأسيس الأحزاب السياسية (رغم استمرار بعض العقبات).

– إلغاء الاستشكالات على أحكام القضاء الانتخابي، وهو أمر كان يسبب في السابق حالة إرباك، تسمح أحياناً بفوز أشخاص مطعون في عضويتهم بالبرلمان.

– فرز بطاقات الاقتراع واستخراج محضر للفرز داخل اللجان الفرعية. 

– وضع قواعد جيدة لتعيين النسبة المقرر تعيينها في عضوية مجلس النواب.

وعلى أية حال، فإن هناك ما يمكن أن يضاف لضمان مرقطة ونزاهة العملية الانتخابية، وفي هذا الصدد يشار لما يلي:

1- يقترح مشروع القانون وفق التعديلات المذكورة عالية، وضع طريقة أكثر ديمقراطية لحساب الأصوات وتقرير المقاعد لكل مترشح على القائمة النسبية الحزبية، وذلك بطريقة منح كسور المقاعد الزائدة في القائمة للقائمة الحاصلة على أكبر البواقي. أما بخصوص تحقيق الكوتات، فإن القائمة الأقل فالأكثر تتحمل وجود المرأة بنسبة نصف مقاعد الدائرة أي 10 سيدات، يليها تحمل باقي الكوتات كما ورد ترتيبها الجبري والقصري في القائمة (الشباب فالمسيحيون فالعمال والفلاحين فذوو الإعاقة فالمصريون المقيمون بالخارج) ونصيبهم "ملائم" وهو مقعد واحد على الأقل في كل دائرة. على سبيل المثال:

في إحدى الدوائر كان عدد الناخبين 250000 ناخب، شارك في الانتخابات 175000، وكانت الأصوات الصحيحة 167000، توزعت على ثماني قوائم مشاركة، فكان نصيبها على الترتيب 30000، و28000، و25000، و20000، و18000، و17000، 15000، 14000. أولاً، نحصل على القاسم الانتخابي، أو نصيب المقعد في الدائرة، وهو عدد الأصوات الصحيحة مقسوماً على عدد المقاعد الممثلة (20) = 8350. أما الأصوات الناقصة فتوزع على أكبر البواقي. ثانياً، نرصد النتائج على مستوى الجمهورية، فنجد أن القائمة الأخيرة (ح) وحدها هي التي حصلت على 3.% من عدد الأصوات، فبناء عليه يتم استبعادها هي والأصوات التي حصلت عليها، لأنها أقل من العتبة الانتخابية المقررة.

مثال تطبيقي على انتخابات تجرى بالقائمة النسبية الحزبية في نصف عدد مقاعد دائرة انتخابية

القائمةقائمة أقائمة بقائمة جقائمة دقائمة هقائمة وقائمة زقائمة حمجموع
الأصوات3000028000250002000018000170001500014000167000
المقاعد3.593.352.992.392.162.041.801.6820
توزيع المقاعد مبدئياً3322221أصبحت خارجالمنافسة15
توزيع أكبر البواقي11111كما سبق5
جملة المقاعد نهائياً4433222كما سبق20
توزيع المقاعد مبدئياًشاب امرأة مسيحيا مرأةشاب امرأة مسيحي امرأةشاب امرأة مسيحيشاب امرأة مسيحيشاب امرأة شاب امرأةشاب امرأةكما سبق20
مطلوب استكمال مقعد للمرأة ومقعد على الأقل لباقي الكوتات بالترتيبشاب/امرأة/مسيحي/امرأةشاب/امرأة/مسيحي/امرأةشاب/امرأة/مسيحيمقيم بالخارج/امرأة/مسيحيذوو إعاقة/أمرأة عمال وفلاحين/امرأةامرأة/امرأةكما سبق20
الوضع النهائيشاب/امرأتان/مسيحيشاب/امرأتان/مسيحيشاب/امرأة/مسيحيمقيم بالخارج/امرأة/مسيحيذوو إعاقة/امرأةعمال وفلاحين/امرأةامرأتانكما سبق20

2- تعديل القرار بقانون رقم 46 لسنة 2014 في شأن مجلس النواب، للتشديد على منع نواب البرلمان من العمل في أية وظائف خارج نطاق عملهم البرلماني، بما يحقق أكبر قدر من حرية النائب في ممارسة مهامه التشريعية والرقابية.

3- تعديل القرار بقانون رقم 45 لسنة 2014 في شأن مباشرة الحقوق السياسية، فيما يرتبط بتقرير مبدأ محدد للإنفاق على العملية الانتخابية، بحيث يترك للهيئة الوطنية البناء عليه في وضع رقم محدد كسقف للدعاية الانتخابية، وذلك كله عوضاً عن وضع القانون هذا الرقم كل استحقاق انتخابي.

4- تعديل القرار بقانون رقم 45 لسنة 2014 في شأن مباشرة الحقوق السياسية، بإضافة ضوابط أخرى للدعاية الانتخابية، تتصل بأمرين الأول، سلوك ممثلي السلطة التنفيذية قبل الانتخابات بغية التأثير في إرادة الناخبين، كافتتاح مشروعات وخلافه. والثاني، التغطية الإعلامية التي تشير إلى إنجازات محددة للسلطة التنفيذية القائمة خلال فترة الدعاية الانتخابية في وسائل الإعلام على اختلافها.

5- تعديل القرار بقانون رقم 46 لسنة 2014 في شأن مجلس النواب، فيما يتعلق بالاقتراع على يوم واحد إبان الانتخابات البرلمانية، ليس فقط ضغطاً للنفقات، بل لتحقيق النزاهة وضمان الحياد، حال فتح وإغلاق لجان الاقتراع يومياً.

6- تعديل القرار بقانون رقم 45 لسنة 2014 في شأن مباشرة الحقوق السياسية، بتشديد العقوبات في الجرائم الانتخابية إلى ضعف ما هي عليه في القانون الحالي، سواء ما يتصل بها بالحبس أو السجن أو الغرامة.

7- تعديل القانون رقم 198 لسنة 2017 في شأن الهيئة الوطنية للانتخابات، فيما يتصل بمنع تعيين قيادات الهيئة الوطنية للانتخابات في المناصب العامة، عقب مغادرتهم مناصبهم في الهيئة، وذلك دعماً وإقراراً لنزاهتهم أثناء ممارسة عملهم بالهيئة.

كل تلك الإجراءات وإجراءات أخرى، يبدو أنها فنية، إلا أنها ستحقق نقلة سياسية نوعية في النظام السياسي المصري، لأنها ستخلق برلماناً قوياً، عوضاً عن حال الخلل البين في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية القائم قبل وبعد التعددية الحزبية الثالثة عام 1976 لصالح السلطة الأولى. ومن ثم سيكون لدينا مؤسسة رقابية حقيقية، مؤسسة وفق نظام انتخابي معتبر، وفي ذات الوقت أحزاب قوية تمثل المواطن وتشرع كل ما يحقق الصالح العام.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمرو هاشم ربيع
نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
تحميل المزيد