تقع أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا على نهر في أوكرانيا. وقد احتلت روسيا محطة زابورجيا نفسها والموقع الذي توجد فيه منذ أوائل غزوها في مارس. وعلى بعد ثلاثة أميال، لا تزال القوات الأوكرانية تسيطر على الضفة الأخرى، وتتهم تلك القوات روسيا باستخدام منشأة نووية كغطاء، ونقطة انطلاق لشن ضربات ضد الأراضي الأوكرانية. وروسيا بدورها ألقت باللوم على أوكرانيا في الهجمات الصاروخية التي وقعت بالقرب من المحطة النووية. ومع تصعيد القوات الأوكرانية هجومها المضاد لاستعادة أجزاء رئيسية من جنوب أوكرانيا تزداد احتمالية وقوع كارثة نووية.
وحتى الآن، لم يتم إثبات شكوك أوكرانيا في أن روسيا سوف تعمل على إزالة زابورجيا من شبكة الكهرباء الأوكرانية. ولكن الوضع لا يزال متوتراً: دفع القتال بعض السكان القريبين إلى المغادرة، بينما يعيش آخرون تحت القصف اليومي.
وحذر رافائيل ماريانو جروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أن التصعيد قد يؤدي إلى وقوع حادث نووي خطير. ولكن الخبراء يقولون إن منشأة زابورجيا أكثر أماناً من تلك الموجودة في تشيرنوبيل، موقع أسوأ حادث نووي في العالم في عام 1986.
إليكم ما يجب معرفته عن محطة زابورجيا ومخاطر القتال هناك.
أين هو زابورجيا، ولماذا المحطة مهمة جداً؟
تمتلك أوكرانيا 15 مفاعلاً نووياً عاملاً، والتي زودت معاً البلاد بـ51% من الكهرباء في عام 2020، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية. واعتمدت البلاد على الطاقة النووية لتقليل اعتمادها في مجال الطاقة على روسيا. وتقع ستة من المفاعلات في زابورجيا، على حافة إنيرهودار، وهي مدينة في جنوب شرق أوكرانيا على بعد حوالي 140 ميلاً من شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014.
وهي تقع على الخط الأمامي للحرب، على الضفة اليسرى لنهر دنيبر التي تسيطر عليها روسيا بينما تسيطر القوات الأوكرانية على الجانب الآخر من النهر.
وبدأت مفاعلات زابورجيا العمل بين عامي 1984 و1995. ويمكنها معاً إنتاج 5700 ميغاواط من الكهرباء بكامل طاقتها. والمحطة هي مصدر ضخم للطاقة النووية لأوكرانيا: قبل الحرب، كانت تنتج خُمس الكهرباء في أوكرانيا وما يقرب من نصف طاقتها النووية.
ماذا حدث للمحطة تحت الغزو الروسي؟
ظلت المخاوف من وقوع كارثة نووية في المحطة قائمة منذ أن استولت القوات الروسية على المنشأة في أوائل مارس بعد أن أشعلت إحدى قذائفها النار في جزء من المجمع.
وتم إخماد الحريق، ولم يسجل المراقبون الدوليون إطلاق مادة مشعة. ولكنها كانت المرة الأولى التي يندلع فيها القتال حول محطة طاقة نووية نشطة؛ مما يغذي القلق في جميع أنحاء العالم.
وشهدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية انقطاعات متفرقة في نقل بيانات الضمانات عن بعد من المحطة. وعلى مدى أشهر، دعت الوكالة روسيا وأوكرانيا إلى السماح لمفتشيها بزيارة الموقع. ولكن الخلافات اللوجستية والسياسية حالت دون حدوث ذلك. وفي غضون ذلك، واصل آلاف العمال الأوكرانيين تشغيل المحطة النووية في ظل ظروف صعبة، للإبقاء على اثنين من المفاعلات الستة في زابورجيا يوفران الطاقة للشبكة الأوكرانية.
واتهمت كل من روسيا وأوكرانيا الآخر بمهاجمة الموقع. وتصاعد القلق الدولي في أوائل أغسطس، عندما تبادلت روسيا وأوكرانيا اللوم على قصف "زابوريزهزهيا" الذي ألحق أضراراً بأجزاء من المحطة. وقالت السلطات الأوكرانية إن موظفي المحطة قيدوا الوصول إلى المركز الموجود في الموقع بهدف الاستجابة لحالات الطوارئ.
ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث؟
تحدث الانهيارات عندما لا يتم تبريد الوقود في المفاعل بشكل كافٍ. ويمكن بعد ذلك أن يذوب اليورانيوم الموجود في قضبان الوقود، وفي حالة حدوث تسرب في مبنى الاحتواء يتسبب ذلك في إطلاق إشعاعات في البيئة.
وإن احتمال وقوع حادث نووي، له صدى خاص في أوكرانيا، التي شهدت كارثة تشيرنوبيل عام 1986 التي أدت إلى إجلاء مئات الآلاف من السكان وأرسلت مواد مشعة في جميع أنحاء أوروبا.
وبعد حادث فوكوشيما دايتشي في اليابان في عام 2011، عززت أوكرانيا تدابير السلامة، بما في ذلك توليد الطاقة الاحتياطية. ويحتوي كل مفاعل في زابورجيا على ثلاثة مولدات ديزل احتياطية، وفقا لإدوين ليمان، مدير سلامة الطاقة النووية في اتحاد العلماء المهتمين.
والمفاعلات في زابورجيا محمية بكتل خرسانية مسلحة، ولا يزال من غير المحتمل إصابة مفاعل بذخائر مباشرة. والخطر الأكبر هو أن القتال يقطع إمدادات الكهرباء عن المحطة. وتعتمد المحطات النووية على الكهرباء للحفاظ على البرودة- وقد تضررت إمدادات الطاقة الخارجية في زابورجيا بالفعل بسبب القصف.
ومحطات الطاقة النووية ببساطة ليست مصممة لتكون في مناطق الحرب ولكنها دائماً في مناطق آمنة. ويأتي الخطر الأكبر على الصحة والبيئة من الإشعاع. ومن المستحيل رؤيته أو شمه، وغالباً ما لا تكون آثاره محسوسة على الفور. ولكنه يمكن أن يظل تهديدا صامتا لسنوات. وربطت الدراسات التعرض للإشعاع بزيادة خطر الإصابة بالسرطان وغيره من الحالات الصحية الخطيرة. ويمكن لحادث نووي في زابورجيا أن ينشر المواد المشعة في معظم أنحاء أوكرانيا وربما إلى دول أخرى، وفقاً لمحاكاة أجرتها خدمة الطقس الوطنية الأوكرانية.
والسيناريو الأسوأ قد يكون أسوأ من كارثة فوكوشيما، مما قد يترك مئات الأميال من الأراضي المحيطة بالمحطة غير صالحة للسكن.
وقد يكون من الخطر أيضاً محاولة تحويل المحطة من الشبكة الكهربائية الأوكرانية إلى الروسية، كما تقول أوكرانيا إن موسكو تعتزم القيام بذلك. وإذا كانت هناك مشكلة في تلك اللحظة، فستكون معتمدة تماماً على مولدات الديزل للحفاظ على برودة المحطة.
وقد أثار هذا الوضع تحذيرات وقلقاً شديداً من الدبلوماسية هذا الشهر.
فقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس إن أي ضرر محتمل لزابورجيا هو انتحار، محذراً من أي محاولة لقطع طاقة المنشأة، ودعا إلى وقف فوري للأعمال العدائية.
وقد أعربت كل من أوكرانيا وروسيا عن استعدادهما في الأيام الأخيرة لتسهيل عملية تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية للموقع. ولكن روسيا رفضت دعوات من الأمم المتحدة لإنشاء منطقة منزوعة السلاح حول محطة زابورجيا، بحجة أن القوات الروسية قدمت "ضماناً" بعدم وقوع كارثة نووية هناك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.