مع حلول الذكرى السنوية لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، يطالعنا المذيع الساخر الأمريكي جون أوليفر بحلقة كابوسية من برنامجه Last Week Tonight "آخر الأسبوع اليوم" يعرض فيها الوضع الإنساني المتأزم هناك.
ذلك البلد المنكوب الذي نزف لعقود حتى أضحى جثة متعفنة نفد منها سلاحها الوحيد اليائس؛ الرائحة العطنة، فتوارت بعيداً عن الأضواء في سنة عاصفة أثارت الكثير من الإضرابات في جميع أنحاء العالم.
إن الشعب الأفغاني الآن عرضة للفناء بلا مبالغة في وضعٍ اقتصادي مؤلم بين مطرقة نظام طالبان الجديد وسندان العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على البلاد. الولايات المتحدة التي ظهر رئيسها الطاعن في السن يتحدث بمنتهى التبجح عن أن مسألة الشعب الأفغاني هي أمر مؤسف ومؤلم مثل الكثير من الأمور في العالم.
وكأن واشنطن لم يكن لها أي يد في الدمار الذي حل بالبلد المسكين.
وضع اقتصادي متأزم
نتيجة للعقوبات الاقتصادية وتجميد أصول تقدر بحوالي 7 مليارات دولار للبنك المركزي الأفغاني عقب سيطرة طالبان على العاصمة كابول، فإن البلاد تمر بأزمة سيولة هي الأعنف في التاريخ.
لا يوجد أموال لتلبية الحاجات الأساسية للشعب وتغطية البنود الرئيسية في ميزانية الحكومة. لا يوجد أموال للإنفاق على الصحة إلى حد أن مسؤولاً بأحد المستشفيات صرح بأن ميزانية مَشْفاه هي "صفر" تقريباً!
وهنا نجد موقفاً عجيباً واختلالاً قلما يحدث في سلسلة العرض والطلب، حيث تمتلئ الأسواق الأفغانية بالسلع المختلفة لكن لا توجد سيولة تقريباً في يد الناس كي يؤمنوا حاجتهم الأساسية.
وامتدت الطوابير أمام ماكينات الصرف لعشرات الأمتار، حتى صرح البعض بأن إتمام عملية سحب واحدة يستغرق منهم ثلاثة أيام.
وماذا عن الفقراء الذين لا يملكون حساباً في المصرف، والذين أقدم بعضهم على بيع أعضائهم، لا كي يبتاعون سيارة أو أحدث الإصدارات لهواتف شركة آبل، بل لكي يضمنوا وجود وجبة طعام على مائدتهم.
بحسب تقرير الغذاء العالمي للأمم المتحدة، فإن 22.8 مليون مواطن أفغاني يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء، من بينهم 8.7 مليون مواطن على شفا المجاعة. وإذا نظرنا للتعداد السكاني لأفغانستان –بلغ 39.8 مليون نسمة في 2021– فإننا سندرك حجم الكارثة المفزع على الأرض.
في حديث مع موقع الغارديان، قالت المواطنة ديلارام رحمتي إنها اضطرت لبيع كليتها واثنين من بناتها –في عمر ثماني وست سنوات– بمبلغ يعادل 1400 دولار أمريكي كي تغطي النفقات الصحية لاثنين من أبنائها؛ أحدهما مصاب بالشلل والثاني مصاب بمرضٍ عقلي.
ما الحل؟
لا يوجد ما يبشر في الأفق مع بقاء حكومة طالبان في السلطة واستمرارها على قوائم الإرهاب للولايات المتحدة، ما يخضع البلاد لحزمة من العقوبات التي تمنعها من الوصول لأي تمويل أو حتى لأصولها النقدية الأجنبية.
تصل نسبة المساعدات المالية في الإنفاق الحكومي الأفغاني لما يقرب 75% وفقاً للمركز الأمريكي للدراسات الدولية والاستراتيجية.
هذا يفسر الأثر المدمر للعقوبات الأمريكية على الاقتصاد الأفغاني، لكن هل هناك من بوادر لأي انفراجة في تلك الأزمة؟
الإجابة هي لا. فمنذ يومين قالت صحيفة وول ستريت جورنال على لسان مسؤولين في الحكومة الأمريكية إن إدارة بايدن لن تفرج عن أيٍّ من أموال الحكومة الأفغانية، وإنها أوقفت محادثات مع طالبان عقب قتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في بيتٍ آمن في العاصمة كابول الشهر المنصرم.
وقال توماس ويست مبعوث الولايات المتحدة الخاص لأفغانستان –بحسب الصحيفة آنفة الذكر– إننا لا نرى تقديم رأس المال للبنك المركزي الأفغاني خياراً مطروحاً في المستقبل المنظور.
وأضاف أن الولايات المتحدة لا تثق بأن هذه المؤسسة –البنك المركزي الأفغاني– لديها إجراءات وقائية أو رقابية تمكنها من الإدارة الراشدة للأصول.
ثم تابع بأن من نافلة القول ذكر أن إيواء طالبان لزعيم القاعدة أيمن الظواهري قد عزز من المخاوف الأمريكية العميقة من تقديم تمويلات للجماعات الإرهابية (يقصد وقوع أموال البنك المركزي الأفغاني في يد طالبان).
وأشار ويست في نهاية حديثه إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها طالبان، ومنها ما يتعلق بالانتهاكات ضد المرأة، وهو موقف سخرت منه طبيبة أفغانية، معلقةً أنه من السخيف الحديث عن حقوق للمرأة التي تحتضر جوعاً وفقراً.
ومع حكم حركة طالبان الأفغانية وإصرار الولايات المتحدة على موقفها، يبدو أنه ليس للشعب الأفغاني المسكين إلا الله، وليس علينا إلا الدعاء له لعبور تلك الأزمة الطاحنة بسلام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.