في فيلم "رد قلبي" كانت هناك شخصية نالت كره وغضب كل قطاعات الشعب المصري، ألا وهي شخصية البرنس "علاء" ذاك الشاب المتغطرس المتعالي بماله الذي سرقه من قوت الشعب فكان مقتله على يد الضابط ابن الشعب هو انتصاراً لقيم العدالة الإجتماعية وكان تجسيداً لرواية حقيقية للشاب "عدلي لملوم" الذى امتلك وعائلته آلاف الأفدنة وخرج بقوة السلاح وهاجم الدولة بسبب قرارات الإصلاح الزراعي وتحديد الملكية، فتم القبض عليه وحكم عليه بالإعدام، وبعدها خفف الحكم وخرج نتيجة قرابته لملك ليبيا السابق.
ولكن يبقى السؤال بعد سبعين عاماً من قيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وبعد موت البرنس علاء سينمائياً وسجن عدلي لملوم في الحقيقة: هل تحققت العدالة الاجتماعية؟
بعد سبعين عاماً أصبح يقينيّاً أن عملية انتقال طبقي لمركز السلطة والمال تمت بين نظام إقطاعي قديم وآخر جديد وأن مخرجات الجديد تكاد تكون مشابهة للقديم ولكن في صورة ملونة، فكم من أشباه البرنس "علاء" على شاشات العرض التلفزيوني والسينمائي يركبون السيارات الفارهة ويسكنون القصور ويرافقهم بودي جاردات للحراسة، وسط "عز" لم ينعم به قبل سبعين عاماً الإقطاعي القديم.
وكذلك امتلأت مصر بأمثال عدلي لملوم في الحقيقة، يعيشون في منتجعات وقصور لا يستطيع أحد أن يقترب منها وارتكبوا كل الجرائم في حق المجتمع، والنتيجة أنه لا عقاب رادع؛ لأن طبقتهم ما زالت تحكم.
معدل الفقر طبقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وصل إلى نحو 30% مع تداعي الطبقة المتوسطة تحت ضربات الأزمة الاقتصادية، في حين يشير تقرير لمؤشر "هينلي" الأمريكي للثروة في إفريقيا إلى أن "مصر تعد ثاني أغنى دولة في إفريقيا من حيث الثروة الخاصة، بثروة تُقدر بـ307 مليارات دولار". ويُقسّم التقرير الأثرياء في مصر إلى أربع فئات:
الفئة الأولى: من يملك ثروة تزيد على مليون دولار وعددهم يقترب من 17 ألف نسمة.
والفئة الثانية: من يملك أكثر من 10 ملايين دولار وهم "أصحاب الملايين" وعددهم 880 نسمة.
وبلغ عدد المصريين الذين يمتلكون أكثر من 100 مليون دولار 57 مصرياً.
وبلغ الذين يمتلكون أكثر من مليار دولار أو "المليارديرات" 7 أفراد. وبالتالي "مصر لديها أكبر عدد من المليارديرات في القارة السمراء".
من هذا التقرير وغيره من التقارير المحلية والدولية يتضح أن فكرة العدالة الاجتماعية في مصر ما زالت غائبة، وأن تكريس فكرة العداء لطبقة غنية منذ سبعين عاماً كان تكريساً وتمهيداً لبداية طبقة جديدة أكثر شراسة.
لا فرق بين البرنس علاء وعدلي لملوم قديماً وحديثاً، فالعدالة الاجتماعية لا زالت غائبة والأنكأ والأمرّ أن من هاجم العهد الملكي الإقطاعي بضراوة من الغالبية الكاسحة من الكتاب والمثقفين وتغنوا بالعدالة الاجتماعية تجدهم اليوم وقد خرست ألسنتهم (فيما ندر منهم) لمجرد أنه سكنوا بيوتاً جديدة أو جاوروا فلاناً الباشا أو امتلكوا سيارات فارهة، وتراهم يدافعون عن طبقة كانوا فيما سبق أعداءً لمكوناتها الطبقية.
العدالة الاجتماعية المفقودة تعني عدالة توزيع الثروة في المجتمع والقضاء على الفقر وليس القضاء على طبقة غنية لصالح طبقة غنية جديدة، وأن الإجراءات في سبيل تحقيقها يجب أن تتم في جو اجتماعي صحي لا إجراءات استثنائية عامة تورث الحقد الطبقي بين طبقات الشعب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.