"السياسيون في العالم كالقرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول".
عندما قرأت هذه المقولة للكاتب والروائي البريطاني الشهير جورج أورويل لأول مرة قبل عدة سنوات وكان عمري آنذاك لا يتعدى أحد عشر ربيعاً كنت أظنها مجرد مقولة قالها وهو يمزح مع أصدقائه. لكن يوماً بعد يوم أتأكد أن جورج أورويل لم يكن يمزح بأي شكل من الأشكال. وبينما أشاهد ما فعلت وتفعل الأحزاب السياسية بالعراق بأعمالها الهمجية وسياساتها المنحطة التي يندى لها الجبين، أظن أن أورويل كان رقيقاً.
فبين ليلة وضحاها دمروا بلاداً كانت من أروع البلاد عندما تعاونوا مع المحتل لغزو بلادهم حتى يخلص هذا الاحتلال الشعب العراقي من نظام ديكتاتورية سلطوي، على حد وصفهم. وعلى غير العادة بين أحزاب الوطن العربي التي لا تتحد معاً إلا بمعجزة، جلست الأحزاب العراقية معاً واتحدت على مطلب واحد وهو تغيير النظام في العراق.
وبعد نجاح خطتهم وسيطرتهم على الحكم اتضح زيفهم وكشفت ألاعيبهم وبدأت فيما بينهم لغة التخوين والشيطنة، وكل ذلك لأجل السلطة ومغانمها.
أيامنا الصيفية الملتهبة
يعيش العراق والعراقيون، في أيامنا الصيفية الملتهبة هذه، أجواء مشحونة بالتوتر والاحتقان، في ظل اشتداد حالة التأزم السياسي التي ضاقت حلقاتها واستفحلت، على خلفية تفاقم الخلافات بين أكبر تحالفين سياسيين، وباتت انعكاساتها وارتداداتها تلقي بظلالها على الشارع العراقي في ظل عمليات التحشيد والتظاهرات والاعتصامات، التي ينظمها كل من "التيار الصدري" و"الإطار التنسيقي"، اللذيْن يخوضان صراعاً مفتوحاً للاستحواذ على مقاليد السلطة في البلاد.
جدير بالذكر أن كلا التحالفين السياسيين يمتلك أذرعاً عسكرية مسلحة هي الأكبر في البلاد، وتمتلك هذه الأحزاب أسلحة ثقيلة من مدافع ودبابات وصواريخ وأسراب من الطائرات المسيرة وغيرها من أسلحة، في ظل دولة تعجز عن مواجهة هذه الظاهرة بسبب نفوذ هذه الأحزاب.
وبلغ الصراع السياسي أشده بعد انتخابات 2021 بين الأحزاب المتناحرة، خصوصاً الأحزاب الشيعية، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان بعد فشله في تشكيل حكومة أغلبية ذات توجه وطني، رغم أن التحالف الذي يقوده الصدر يشغل 175 مقعداً برلمانياً، لكنه فشل في تشكيل الحكومة بعدما عطل "الإطار التنسيقي" انعقاد جلسة البرلمان لانتخاب رئيس جديد للبلاد. ويعود فشل تشكيلها إلى بدعة "الثلث الضامن" أو "الثلث المعطل" التي أوجدتها المحكمة الاتحادية.
وكنا قد ناشدنا حتى بحت أصواتنا وجفت أقلامنا واستنفدنا كل قواميس اللغة وأرهقنا اليأس ونحن ننفخ في بالونات مثقوبة ونخاطب أصناماً لا تسمع، وننصح ونحذر من خطورة التساهل مع تغيير نتائج الفائزين في الانتخابات من قبل الكتل السياسية والالتفاف على الدستور بطرق عجيبة وغريبة. فمع كل دورة برلمانية جديدة تخرج لنا قرارات وتفسيرات جديدة من قبل المحكمة الاتحادية أقل ما يقال عنها إنها مجحفة.
بعد فوز القائمة العراقية في انتخابات 2010 وحصولها على الأغلبية البرلمانية،
اعتبرت المحكمة الاتحادية وقتها أن الحزب الذي يكون بمقدوره تشكيل ائتلاف نيابي بالأكثرية هو الذي يشكل الحكومة وليس من فاز بالانتخابات بالأكثرية.
كما أن التفسير الجديد للمحكمة الاتحادية العليا للمادة 76 من الدستور العراقي بشأن الكتلة الأكبر، يختلف عن تفسير المحكمة الاتحادية عام 2010
وتفسير المحكمة الاتحادية للدستور العراقي بخصوص انتخاب رئيس الجمهورية بخلق طرف ثانٍ من الثلث المعطل ساهم بشكل أو بآخر بوصول البلاد لهذه المرحلة من الأزمة والاختناق السياسي.
إن ما جرى ويجري للأسف في العراق يجر الكاتب والقارئ والمهتم بشؤون الأحزاب والسلطة والحكم في هذا البلد إلى نتيجة مفادها أن هذه الأحزاب وقياداتها لا تتوانى عن استخدام أي حيلة وشعار لخلق أزمات ومشاكل؛ خدمة لمصالحها الخاصة بحجة خدمة مصالح الوطن والمواطنين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.