لنعلم جميعاً أن علينا مسؤولية تغيير المفاهيم والتوعية والنصح وتوسيع الإدراك والمفاهيم، فأنا أؤمن بأن التغيير لا بد أن يبدأ في العقول أولاً، وذلك من أجل تغيير الفكر والإدراك، ومن خلالهما يمكننا أن ننطلق إلى التغيير الحقيقي.
عندما قامت ثورة 25 يناير، يقودها نخبة من المثقفين الشبان، محاولين إحداث تغيير حقيقي في الدولة، لم تستطع عقول كثيرة استيعابها، وخصوصاً الأجيال القديمة، والتي تشبعت ثقافياً باتباع أفراد وأسماء معينة وتمجيدها والدفاع عنها، عقول لم تعرف بعد معنى الديمقراطية وما قيمة حرية الرأي واستيعاب الآخر وكيفية احترام من يعارضك الرأي ويخالفك فيه.
فلم تنجح ثورة 25 يناير؛ لأننا لم نبدأ بالتغيير في العقول أولاً (بمعنى بالعامية: الأرضية لم تكن موجودة لكي يُبنى عليها)، ولذلك تعثرنا سريعاً ولم نستطع أن نَبلغ بعد أهدافنا.
ولذلك أحاول أحياناً في كتاباتي تدوين وترجمة ما يحدث هنا في ألمانيا ونقلها لكم، وذلك من أجل نقل صورة عن الديمقراطية هنا من أجل أن نستفيد منها جميعاً، وخصوصاً ترجمة عناوين الأخبار المتداولة في الصحف الألمانية، وذلك من أجل إطلاعكم على حرية الصحافة هنا، وكيفية نقل الأخبار وتداولها ومن جميع المصادر وفي كل المواضيع دون حجب أو إلزام.
وذلك لكي نفهم جميعاً الفرق بين الإعلام في الدول المتقدمة، والتي تكتب وتتناول الأخبار بحرية حتى الذين يشغلون المناصب القيادية الرفيعة في الدول، والحكام، لا يسلمون من أقلامهم، فلا أحد فوق النقد أو المساءلة، وأيضاً أحاول نقل صورة واضحة عن النظم التعليمية والإدارية وعمل مؤسسات الدولة، والأهم استقلالية القضاء، والكل أمام القانون سواء بسواء، ومهما كان منصب المواطن ومكانته، لا توجد استثناءات أو حتى استغلال للمناصب ولا مجال لتلفيق التهم.
وفي نفس الوقت علينا أن نعي ونستوعب ما يدور في معظم دول العالم الثالث، وخصوصاً الأداء الإعلامي الذي يتسم دائماً بأسلوب واحد ونمط وللون واحد تسوده الشمولية، والكتابة في مواضيع محددة تحدد معظم خطوطها ومعالمها ومحتواها معظم أنظمة دول العالم الثالث لتخدم مصالحهم وتدعم سلطتهم، وعلى جميع الإعلاميين والمنصات الإعلامية تناقلها، ويعاقَب كل من يخرج عنها، وكأنها خريطة أو ورقة مكتوبة على الجميع أن يقرأ منها ويلتزم بمضمونها، كنص تم وضعه وبعناية لخدمة الأنظمة، ممنوع على أي إعلامي أو أي شخص يعمل في هذا المجال أو في معظم المواقع في الدولة من الخروج عنه، كل ذلك يحدث بهدف تغييب العقول من أجل الهيمنة على البلاد والعباد.
لهذا أكتب بحرية
هناك من اتهمني اتهامات مباشرة من مؤيدين ومعارضين، كل منهم قام بالحكم على قلمي بحكم مسبق غير منصف، بأنني أؤيد الآخر لمجرد قراءته لكلمات قليلة مما أكتبه، البعض لم يكلف نفسه عناء قراءة مقال أو المكتوب بالكامل لكي يفهم مضمونه ويستطيع أن يلمَّ بمقصده، ولم يحاول جاهداً قراءة المعاني والتي هي بين السطور.
فلقد كتب لي أحدهم:
"عيب على رجل في شيبتك أن يطبل للنظام"،
والآخر كتب:
"أنتم يا إخوان سوف نذلكم ونشردكم ونقضي عليكم".
وذلك على سبيل المثال لا الحصر، فكل طرف يعتقد بأنني محسوب على الآخر، وهذ إن دل فهو يدل على نزاهة قلمي، والذي يرقى بنفسه عن المجاملات أو النفاق.
ولم يستطع كل منهم أن يدرك أن قلمي حر لا يدافع عن أشخاص معينة أو حزب أو جماعة، وأنه يأبى أن يأخذ لنفسه مكانة بين المؤيدين والمعارضين، لا ينحاز لحزب أو تكتل أو نظام، ويرفض أن يتخذ طريق تبجيل وتأييد شخص أو أشخاص لمجرد التعاطف معه، وكأنه حصان في سباق أراهن عليه وبأي ثمن وبما لا نهاية، بتعصب وتشدد.
ولكنني أنحاز فقط:
لعامة الشعب، أنحاز للمطحونين والطبقات العاملة المهمة والذين يمثلون العصب الأساسي في اقتصاديات الدول والدعامة الرئيسية في التماسك المجتمعي، ألا وهم طبقة العمال والفلاحين، والذين أتشرف بانتمائي لهم.
· أنحاز لأهداف وطموح أمة وإنقاذ وطن.
· أنحاز لكل مواطن بسيط مقهور، يعاني الظلم والعوز والحاجة والتشرد؛ لأنه هو الضحية لكل ما يجري على الساحة السياسية من صراعات على السلطة، ولأنه أيضا ضحية الجشعين ناهبي ثروات البلاد وقوت العباد.
· أنحاز لبرنامج عام ولسياسات إصلاحية متكاملة، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو كلاهما معاً.
· أنحاز لبرامج وسياسات تعمل على تحقيق نهضة، وتبني وطناً وتحقق رفاهية للشعب.
· أنحاز لفكر سويّ، يعمل من أجل أهداف عامة تخدم المواطن والوطن، وليس لشخص أو أشخاص أو حزب، أو جماعة.
ولا أمتلك:
· موهبة مسح الجوخ والتطبيل والنفاق والتملق.
· ليس من طبعي الوصولية أو التسلق.
· لا أتاجر بالكلمة أو أشهّر بأحد.
· لا أتنازل عن كرامتي، ولا أبيع ضميري.
فأنا إنسان بسيط، ولكنني كبير بكرامتي وفكري وبأهلي وبمسقط رأسي، أعتز بنفسي وأحاول أن أرضي ضميري، لا أبالي.
أحافظ على البلد الذي احتضنني ألمانيا، وأدين له بالجميل، لأنني فيه عشت بحريتي، وحافظت على قيمتي وكرامتي، وفتحت مستقبلاً واعداً لأولادي؛ ليستطيعوا تحقيق ذاتهم، دون نفوذ أو وسيط. ولا يمكن لأحد أن يشكك بوطنيتي التي تُحدد بالحب لبلدي وأهل بلدي، وليس لحب شخص وتمجيده وعلى حساب مشروع إنقاذ أُمة ورفعة وطن.
أنحاز فقط لبلدي مصر، التي تنهار وتتآكل أمام أعيننا ونحن مشغولون بماذا قال هذا، وما مقصد ذاك. فقدنا في خضم تلك الصراعات المفتعلة الهدف الأساسي، والذي كان يجب علينا أن نسلكه وهو إنقاذ مصر من المنحدر الخطير الذي تدفع إليه.
بين فقد البوصلة ومحاولة النجاة
فلقد فقدنا جميعاً البوصلة، وأبحرنا تائهين في خضم صراعات فكرية وأيديولوجية مصطنعة، تتقاذفنا أمواج البؤس والفقر والجهل، وضعنا وغرقنا، وضاعت منا أحلامنا، وغرقنا في وحل الجهل والضعف والهوان، بعد شروع أجنحة الاستبداد أعداء الشعوب في تدمير ثقافتنا ومعها تدمير قيمنا الدينية والوطنية والقومية، وقتلوا بذلك كل ما كان جميلاً بداخلنا من قيم وأخلاق ونخوة ورحمة ومحبة وتعاطف، وفقدنا الأمن والأمان والسلام.
أعلم بأن معركتنا طويلة وشرسة، ولكننا نسير فعلاً على الطريق الصحيح، فبفضل الله وبفضل تواصلنا وتفاعلنا وتبادل المعلومات فيما بيننا، فلقد أصبحنا الآن نعي ما يدور من حولنا، ولم يعد معظمنا تنطلي عليه الخدع والبهتان وتزوير وقلب الحقائق، والذي قام وما زال يقوم به الأجنحة الإعلامية للأنظمة المستبدة والتي تتحكم في الشعوب وتسلب حريتهم وتجرف موارده وتقوض أحلامهم وتنهي مستقبلهم.
الأجنحة الإعلامية والتي يسيطر عليها وتؤول ملكيتها إلى بعض من رجال الأعمال ومراكز القوى والذين هم رؤوس الأنظمة وأجنحتها، والذين هم ما زالوا يستخفون بعقولنا.
فبمجرد أننا بدأنا نعي وندرك أن الإعلام الرسمي المسيَّس هو إعلام لا ينقل الحقائق كما ينبغي، وأن أداءه مغرض، علينا أن نفهم أننا نجحنا في أولى خطواتنا، واستطعنا أن نصل إلى درجة من الوعي تجعلنا نثق في أنفسنا وفي قدراتنا، والتي وبالتالي يجب أن تكون دافع قوي لنا وحافز على الاستمرار.
فعلينا أن نستمر في نفس الطريق وعلى نفس المنهج، متفائلين، لا نعرف اليأس، لأن غايتنا واحدة وهدفنا واحد، هو تغيير المفاهيم أولا ثم تتلوها خطوات أخرى هادئة وبسلاسة لتغيير النظام القديم البالي، والذي عفى عليه الزمن، والذي لم يعد يصلح للعصر الحديث الذي نعيش فيه، نظام أثبت فشله في كل المجالات وعلى مدار سبعة عقود، ولم يخلف إلا الفقر والعوز والبطالة للمواطن، وللدولة مكانتها وقوتها في محيطها العربي.
وتغييره بنظام مدني ديمقراطي مؤسسي حديث يعمل لصالح المواطن والمجتمع، وليس كما كانت عليه تلك الأنظمة القديمة والتي كانت وما زالت تعمل لصالح صفوة من الناس وفئات معينة من الشعب وعلى رأسهم مراكز القوى وبعض رجال الأعمال متناسيين بذلك حياة الإنسان وحقه في الحياة وفي المواطنة الكاملة، متجاهلين مستقبل أمة ومصير وطن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.