بين الشروط الأمريكية والتصعيد التركي.. هل انتهى “شهر العسل” بين النظام السوري و”قسد”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/03 الساعة 09:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/03 الساعة 09:42 بتوقيت غرينتش
قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ"قسد"/ رويترز

التوتر سيد الموقف 

تشهد في الآونة الأخيرة منطقة شرق الفرات توترات ميدانية لم تشهد لها مثيلاً من قبل،  كل ذلك جاء بعد فشل المفاوضات بين قسد والنظام برعاية روسية في القامشلي من جهة، وبين الأمريكيين وقسد من جهة أخرى. 

السيناريو المرجح حالياً هو أن المنطقة تتدحرج نحو المواجهة المباشرة شيئاً فشيئاً، فلا يمر يوم حتى نرى اشتباكات أو قصفاً جوياً يحدث هنا وهناك، وبالتالي جميع القوى الدولية على الأرض السورية باتت تعدُّ العدّة، وتحضّر نفسها لمعركة مؤجلة، هذا التوتر منخرط فيه أكثر من لاعب سواءً أكانوا من الأدوات أو الوكلاء، فالجميع يحضّر نفسه للمحافظة على خطوطه العريضة ومناطق نفوذه على الجغرافية السورية.

فشل المفاوضات وقرع طبول الحرب 

بحسب بعض المعلومات الواردة فإن وفداً عسكرياً وأمنياً أمريكياً زار مدينة كوباني في مطلع الشهر الجاري، والتقى بقيادات قسد هناك، الوفد حمل في جعبته ثلاثة شروط مقابل حمايتهم من أي هجوم تركي محتمل في شرق الفرات، الشرط الأول هو في حال هاجم الأتراك والمعارضة السورية على منطقتي تل رفعت ومنبج فيتعين على قسد (بحسب الشرط الأمريكي) التريث وعدم فتح أي مناوشات أو اشتباكات عسكرية في شرق الفرات مع الجانب التركي، وهذا الشرط على الفور قوبل بالرفض. 

تركيا سوريا إدلب
القوات التركية تملك 14 مركز مراقبة في منطقة خفض التصعيد بإدلب السورية/ رويترز

فقسد أبلغت خلال نفس الاجتماع الجانب الأمريكي أنه في حال حدوث أية معارك في غرب الفرات فإنهم سيشعلون الحدود من كوباني إلى معبر سيمالكا الحدودي مع إقليم كردستان بشكل كامل، الشرط الثاني للوفد الأمريكي هو عدم إخراج أية مظاهرات في المناطق الكردية السورية ورفع صور "أوجلان" فيها وأعلام حزب العمال الكردستاني (المصنف ضمن قوائم الإرهاب في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا).

الرد على هذا المطلب من قسد كان أنه يمكن دراسة هذا الشرط وتقليل المظاهرات، لكن إلغاءه بشكل نهائي غير ممكن، بحسب ما تحدث به وفد قسد للجانب الأمريكي خلال اجتماع كوباني. 

الوفد الأمريكي أبلغ قسد أنه في حال تنفيذ هذه الشروط يمكن لواشنطن أن تعلب دوراً مهماً في التقارب مع أنقرة والبحث عن المخارج للتصعيد القائم، وبالتالي إلغاء العملية العسكرية التركية المرتقبة في شرق الفرات. الاجتماع دام أكثر من ساعتين وبتغطية جوية من الطيران الأباتشي الأمريكي وتحت حماية عناصر من وكالة  الاستخبارات الأمريكية (سي آي أي)، الوفد عاد إلى الحسكة دون أن يحمل في جعبته أية ضمانات من قسد ومخيباً للآمال وتم إبلاغ السيناتور (غراهام) بما جرى، وقام بدوره بزيارة سجن الصناعة في الحسكة ومخيم الهول؛ للتغطية على اللقاءات الأمنية والعسكرية التي أجراها مع قسد في الحسكة وكوباني.

(لم يتسنَّ التحقق من هذه المعلومات، لكنها على عهدة الكاتب حسب مصادر مطلعة له). 

الروس ومعركة الابتزاز ضد قسد

خلال شهر الجاري، عقد أكثر من لقاء بين النظام وقسد برعاية روسية سواءً في كوباني أو مطار القامشلي دون أن تتمخض عنها أية نتائج ملموسة يمكن أن تنعكس إيجاباً على الوضع الميداني، فالنظام يصر وعلى الدوام على تسليم جميع المناطق بكافة تفاصيلها دون قيدٍ أو شرط مقابل حماية المنطقة من أي تدخل عسكري تركي محتمل، وهذا ما ترفضه قسد جملة وتفصيلاً.

عناصر من الجيش الروسي يقفون أمام لافتة تظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، من اليمين ، يصافح الرئيس السوري بشار الأسد ، عند حاجز أبو الزهور بريف إدلب الغربي ، 1 يونيو 2018/ Getty

كل المفاوضات التي جرت في شرق الفرات في الآونة الأخيرة وُلدت ميتة لأن هناك أكثر من لاعب منخرط في المشهد الميداني، فبحكم أن القرار النهائي داخل قسد هو لحزب العمال الكردستاني وبالتالي تحت التأثير الإيراني فمن الطبيعي أن تضرب طهران جميع جهود واشنطن لإنقاذ المنطقة في عرض الحائط. 

عموماً معركة شدّ الحبال القائمة بين واشنطن وموسكو داخل أوكرانيا انعكست سلباً على الوضع الميداني في شمال شرق سوريا، فكل طرف يحاول تقوية أوراقه التفاوضية وبالتالي سحب البساط من تحت أقدام الطرف الآخر، وبناءً على كل ما ذكر، فإن موسكو تحاول الاستفادة من التصعيد التركي في منطقة شرق الفرات لابتزاز قسد حتى تسلمهما كافة المناطق الشمالية الشرقية بما فيها آبار النفط وعلى المراحل. 

اللعبة الروسية هذه باتت مكشوفة أمام مرأى ومسمع الجميع، وبحسب المراقبين فقسد من سابع المستحيلات أن تسلم المدن وآبار النفط إلى النظام لأن مجرد التفكير بهذا الموضوع يعتبر بمثابة الانتحار لها ولا شك سيصطدم ذلك بفيتو أمريكي حتماً، ولهذا السبب يرى الجميع أن الوضع داخل هذه البقعة الجغرافية السورية معقد للغاية والأمور متشابكة، هذا الفشل في الاجتماعات ونتيجة للتناقضات القائمة بين أطراف الصراع، تدفع بالمنطقة يوماً بعد يومٍ نحو كارثة جديدة وتصعيد عسكري خطير، وحتماً المدنيون هم من يدفعون الفاتورة الأغلى.

خلاصة القول

عدم وجود اتفاق شامل بين اللاعبين لتجنيب المنطقة عملية عسكرية جديدة، وضع المنطقة على صفيح ساخن وأمام تحديات جديدة، فما حصل في إسطنبول في 22 يوليو/تموز برعاية أممية ووساطة تركية من اتفاق غير مسبوق بين روسيا وأوكرانيا حول تصدير 20 مليون طن من الحبوب من الموانئ الأوكرانية إلى دول الشرق الأوسط عبر مضائق البوسفور والدردنيل وبأسعار مقبولة، وأن يعود ثمنها الى الخزينة الروسية حصراً كثمن لخسائرها الحربية والبشرية في أوكرانيا، هذه الهدية لن تمنحها أنقرة لموسكو ما لم تحصل على المقابل في شمال شرق سوريا. 

وبالإضافة إلى ذلك فإن الروس يطالبون الأتراك اليوم بالتنازل عن مناطق محددة في جسر الشغور وفتح طريق حلب اللاذقية (أم فور) مروراً بإدلب، بينما واشنطن هي الأخرى رغم تواجدها العسكري المحدود في المنطقة فإنها لا تمتلك أوراق القوة لمواجهة كل هذه "الحيتان" على الأرض السورية لأنها اختارت الشريك الخاطئ وفي المكان الصحيح المتمثل بحزب العمال الكردستاني لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي. وبالتالي تدفع أمريكا اليوم ثمن أخطائها، أما الأتراك فإنهم ربما يؤجلون العملية العسكرية بعضاً من الوقت لكنهم سينفذونها حتماً ومهما كلف الأمر، وما حدث قبل ثمانية وأربعين عاماً في قبرص خير دليل على ما نتحدث به اليوم، حينها صمت الجميع، وغضوا الطرف عما حدث تجنّباً للمواجهة المباشرة.

لا تزال الولايات المتحدة تقدم دعمها للوحدات الكردية المسلحة في شمال وشرق سوريا، التي تحارب تركيا، وهو ما تطلب الأخيرة وقفه تماماً/ أرشيفية، رويترز

بالمحصلة، على قسد أن تبحث عن مخارج جديدة قبل فوات الأوان، لأن الدول في نهاية المطاف لن تتعارك لأجل جماعة عسكرية تشكلت هنا وهناك على أيدي أجهزة الاستخبارات، في النهاية هذه الجماعات هي أدوات لمرحلة معينة ولتنفيذ أجندات محددة  ومن ثم يتم رميها في أقرب سلة مهملات على الأرض، وإذا كان يهمها أمن واستقرار المنطقة وحياة وسلامة الآلاف من المدنيين فعليها الانسحاب من الشريط الحدودي بحسب ما تم الاتفاق عليه بين اللاعبين الكبار في 2019 حتى تحافظ على ما تبقى من وجودها  في الرقة والحسكة ودير الزور.

كما عليها أن تعلم أن النظام دمّر سوريا برمتها ولم يتنازل حتى عن مجرد منصب وزاري للمعارضة، كما أنه وبناءً على تجربة خمسين عاماً مع هذا النظام، فإنه لن يتنازل حتى عن منصب رئيس بلدية لأحد قيادات قسد في القامشلي، وبالتالي لا خيار أمامها إلا الخروج  وبشكل طوعي من الشريط الحدودي بالتنسيق مع واشنطن وأنقرة ومحاولة إدخال فصائل محلية من أهالي المنطقة وقوة من "بشمركة روج" لإدارة المنطقة مؤقتاً ريثما ينحسم ملف اللجنة الدستورية في جنيف لصالح قرار 2254. 

وبالتالي أية مناورة من قسد واللعب بقواعد التوازنات الدولية داخل سوريا والهرولة خلف الإيرانيين لاستفزاز الأتراك في ريف حلب وداخل إقليم كردستان، فإنهم وبحسب الوقائع والمعطيات الموجودة سيدفعون ثمن تهورهم حتماً، والأتراك في نهاية المطاف سينفذون عملية عسكرية جديدة للإطاحة بالمشروع الغربي في شرق الفرات حتى لو أدى ذلك إلى قيام حرب عالمية ثالثة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي تمي
كاتب وسياسي سوري
كاتب وسياسي سوري
تحميل المزيد