ينتظر أن يعود ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل إلى صدارة الاهتمامات مع وصول الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين بعد غد الأحد إلى بيروت ناقلاً الجواب الإسرائيلي على آخر اقتراحات لبنان حول خطوطه وحقوقه الغازية والنفطية، وفي ضوء هذا الجواب سيتحدّد مسار ومصير هذا الملف الذي يبدو أن معالجته باتت محكومة بالمهلة التي تنتهي في سبتمبر/أيلول والتي تحدث عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قبل أيام، وتتزايد المعطيات المتضاربة حول حقيقة نتائج هذه الزيارة.
فثمة من يرى أن الأيام المقبلة تحمل أجواء إيجابية توصل إلى حلّ، طالما أن لا أحد يمتلك خيار الحرب والتصعيد، لكن هناك من لديه وجهة نظر مغايرة تقول إنه لا حلّ للملف اللبناني في ظل الصراع الدولي الكبير على النفط والغاز على خلفية الحرب الدائرة مؤخراً في أوكرانيا، بالمقابل هناك من يعتبر أن الجانب الإيراني يريد إرسال إشارات إيجابية إلى الدول الكبرى مرتبطة بتسهيلات إيرانية لملفات أمن الطّاقة سعياً إلى الحصول على تنازلات في الملفّ النّوويّ.
ومن هذه الزاوية يجب قراءة مواقف نصر الله الأخيرة، فهناك من يضعها ويربطها بالنزاع الدائر بين واشنطن وموسكو في العالم. وعلى الرغم من التفاؤل حول نتائج إيجابية للزيارة المتوقعة للوسيط الأمريكي هوكشتاين، رغم التسريبات الإسرائيلية الغامضة حيال الاقتراح أن تتولّى الشركة نفسها التنقيب لدى الجانبين اللبناني والإسرائيلي، وهو تلميح مبهم، إلّا إذا كان لهوكشتاين تفسير واضح لخلفياته.
كما يتردّد أنّ تحركاً أمريكيّاً في اتجاه لبنان سيحصل، ولكن في الخريف المقبل، وربما بعد الانتخابات النصفية الأمريكية، لذا يبدو أن الإدارة الديمقراطية تنتظر الانتهاء من التحديات الأهم في منطقة الشرق الأوسط وتبيان التحالفات بشكل أوضح للتحرك أكثر في الملف اللبناني.
لأنه وعلى عكس ما يشاع عن عدم أهمية لبنان لدى الأطراف الكبرى إلا أنه بات يمثل حجر الزاوية في لعبة التصارع الكبير الحاصلة، لكن المشكلة الأساسية أنّ الأشهر المقبلة ستكون أكثر الأشهر صعوبة منذ بداية الأزمة الخانقة، ما يعني أن مقدرات الصمود ستتراجع بشكل كبير، والاستحقاقات التي تنتظره كبيرة وأساسية كالانتخابات الرئاسية بعد انقضاء عهد الرئيس ميشال عون والتوقعات حيال دخول البلاد في فراغ دستوري متشابك أي لا رئيس مع حكومة تصريف أعمال الذي يتوقع أن يحصل، إضافة إلى استحقاقات اقتصادية وحياتية ملحّة وفي طليعتها الكهرباء.
بالتوازي تعتبر أطراف مطلعة على موقف الجانب الإسرائيلي من ترسيم الحدود بأن إسرائيل لا يمكنها الموافقة على شروط حزب الله بتوقيت وشكل ومضمون الترسيم، لأن ذلك يعني بداية أزمة عميقة وكبيرة داخل دولة الاحتلال في ظل الصراع الداخلي الحاصل والخشية من عودة نتنياهو للمشهدية الحكومية والبرلمانية في إسرائيل.
لذا فإن موافقة الجانب الإسرائيلي على شروط الحزب يعني أن إيران ستدفع حماس والجهاد وربما السلطة الفلسطينية لفرض شروط قاسية على الكيان، ما سيؤدي إلى انعكاسات سلبية على صورتها التي رسمتها خلال العقود الماضية، والموافقة على الشروط اللبنانية سيتلقفها الشارع الإسرائيلي على أنها رضوخ لحزب الله وإيران وتمظهر هذا انتصاراً للمحور إياه، فيما سيعتبر في الساحة اللبنانية انتصاراً لإرادة سلاح الميليشيا وليس انتصاراً للبنان الدولة والمؤسسات.
وهناك خشية أمريكية من تعنت إسرائيلي تقابله رغبة من حزب الله للذهاب لحرب محدودة الأهداف، بهدف الوصول إلى اتفاق تحدده الجهة الأكثر تحملاً لتداعيات الحرب، وهذه الخشية الأمريكية حاول نصر الله الانطلاق منها للحديث عن أن بايدن لا يريد حرباً في المنطقة، وهو بالمحصلة محاولة شرعنة لأي تصعيد متعلق بمسألة استخراج النفط.
ولا يمكن إغفال التقارير التي يجري نقاشها داخل الاستخبارات الأمريكية ومستشارية الأمن القومي في واشنطن والتي تتحدث عن خشية ولو طفيفة من اندلاع حرب خلال الشهر القادم إذا لم يتوصل الطرفان لحلول مرضية قبيل سبتمبر/أيلول القادم أي قبيل الاستخراج الإسرائيليّ للغاز مطلع أيلول، والظمأ الأوروبي لموارد الطاقة والغاز بعد الحرب الروسية على أوكرانيا معطوفاً على قرار أمريكي بعدم السماح بذهاب الشرق الأوسط أو جزء منه إلى حرب قد تتمدد، والتقارير ذاتها باتت تشير إلى استخدام الجانب الإيراني لورقة قطاع غزة عبر فتح جبهة فلسطينية على إسرائيل وحشر تل أبيب في معركة شمالاً وأخرى جنوباً قد تؤدي إلى تدهور غير محسوب كما هو الحال مع لبنان.
وهذا الخوف يتزامن مع دخول الملف النووي دائرة المراوحة والجمود من جديد، على الرغم من كل الجهود المبذولة من قبل القطريين لتحقيق خروقات وانفراجات في هذا الملف ولكن، على رغم ذلك، تؤكد إيران أنها ليست مستعجلة ولن تقدم تنازلات، وهي تراهن على أن واشنطن لن تتحمل إطالة الوقت في المراوحة وسترضخ في النهاية للأمر الواقع وتوافق على تعويم الاتفاق من دون شروط إضافية، لكن هذا الكلام يقابله حديث عن استعداد طهران للتنازل عن بند رفع الحرس الثوري عن لوائح العقوبات تقابلها رفع لعقوبات عن مؤسسات تدر أموالاً للحرس الثوري ونشاطاته الخارجية.
بالتوازي فإن الجانب الإيراني فتح خطوط التفاوض بشكل متقدم مع السعودية ودول عربية كالإمارات ومصر والأردن. وتتجه العلاقات الإيرانية – الخليجية إلى تبريد ملحوظ وانتقال من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي وربما الاقتصادي، وهذا الأمر متعلق بمسار التفاوض المنتظر في جلسة ستضم وزيري الخارجية الإيراني والسعودي في بغداد ومنها إلى مستوى أعلى على المستوى الأمني وقد يجمع كل من نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان ورئيس الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني، ما يعني أن طهران ستستفيد من الرغبة الخليجية والسعودية بالاستقرار لعقد صفقة تتعلق بأمن الخليج وحرب اليمن والتسويات التي تنتج عنها بالإضافة لملف العراق، ما يعني أن الاهتمام السعودي بملفي سوريا ولبنان سيتراجع بشكل متفاوت في ظل حديث عن قيام الدوحة بلعب دور عربي متقدم في هذين الملفين بتفويض خليجي.
وهناك شعور مستدام يشير إلى أن لبنان لن يستفيد من مناخات التهدئة بين طهران والخليج؛ لأن ملفات أخرى أكثر أهمية للطرفين ستحظى بالاهتمام والنقاش، ولا سيما الملف اليمني، فيما سيبقى الملف اللبناني على رفوف الطرفين؛ ما يؤكد أن الساحة اللبنانية ستبقى ساحة تجاذب مفتوحة، هذا يعني أن أي مفاوضات مستقبلية ستكون قائمة بين حزب الله وبين القوى الكبرى من دون الحاجة إلى دور عربي، ما يشير إلى أن فرص الذهاب إلى تصعيد لا تزال قائمة، لكن الأساس أن الأطراف جميعاً محكومة بالوصول إلى تسوية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.