"تحدث بينى وبين زوجى خلافات من وقت لآخر، يعلو صوتنا ونتبادل الشتائم، أقوم بضربه بعض الأحيان، ثم نتصالح، ولكني أريد نصيحتكم، فقد طلب مني زوجي الدخول في مشروع تجاري معه -حكت السائلة تفاصيله كلها- ثم قالت وأنا لا آمن أن أحصل على مكسب مُرضٍ لي فما رأيكم؟".
كانت هذه رسالة على إحدى مجموعات النساء على الفيسبوك، حذفتُ أجزاءً منها للحفاظ على خصوصية السائلة. ما تعجبت له حقاً أن من بين ما يزيد على 100 رد مليئة بالنصائح الاقتصادية وكيفية الحيطة والحذر من الزوج، لم تعلق إلا واحدة قائلة هل تقومين بضرب زوجك حقاً؟ كيف تفعلين ذلك؟ ظننت أن الرد سيكون أن تلك دعابة مثلاً، لكنها قالت إنه ضرب غير مبرح ونتصالح ثانية، وإننا نتبادل الضرب من وقت لآخر!
اشتركت منذ فترة في مجموعات لحل الخلافات الزوجية على السوشيال ميديا، أعترف أنني اشتركت من باب الفضول ومحاولة الاطلاع على الواقع الاجتماعي في مصر، الذي ابتعدت عنه لسنوات، هالنى حقاً ما أقرأ، أحياناً تكون المشكلة ما هي إلا نتاج لحظة غضب أو مشادة كلامية تحصل بين الأزواج بطبيعة الحياة والتعامل اليومي، تروي صاحبة المشكلة الغاضبة على السوشيال ميديا ما حصل في عدة دقائق، فتنهال الردود التي تظن أنها خرجت من معهد الساحرات الشريرات المتخصصات في تخريب البيوت وحرق القلوب بكلمات الشحن التي تشعل البيوت، وتزيد الضغينة في القلوب، و"كيف تسكتين على تلك الإهانة الشنيعة"، وفي مقدمة الحلول السحرية المريحة اقتراح الطلاق.
ما غيرته السوشيال ميديا
من زاوية أخرى أثرت السوشيال ميديا على الرضا عن الحياة، فالزوجة ترى صوراً لزوجات أخريات يقضين العطلة الأسبوعية مع أزواجهن في أماكن لا تستطيع هي دخولها لظروفها المادية، أو تلك التي اشترت بيتاً في هذا المكان المميز، وتشتكي من صعوبة ما، وأخرى تخرج في كل صورة بملابس مختلفة.
وترى الأمهات صوراً لأطفال الأمهات الأخريات بزي مدارس دولية معروف تكلفتها المادية السنوية، ثم يذهبن ويلتقطن الصور في التدريبات الرياضية وحمامات السباحة وأثناء التعليم المنزلي ودورات اللغات، ثم يتبعها منشور عن كيفية اهتمام تلك الأم المعجزة بأبنائها، دون ذكر الدعم الذي يمكن أن تتلقاه ممن حولها وظروف حياتها كاملة. تظهر فقط تلك اللقطة المثالية، وكيف مع كل هذا تنظف بيتها باستمرار، دون ذكر وجود مساعدة لها في البيت. فتشعر الأمهات الأخريات دائماً بالتقصير اللامتناهي والإحساس بالذنب تجاه أطفالهن.
ثم تظهر لها بعد عدد من المنشورات صورة زميلتها التي حصلت على الدكتوراه، بينما هي ما زالت عند نفس الدرجة العلمية منذ تخرجت، فتلقي باللائمة على ظروفها الأسرية وعلى زواجها الذي لولاه لكانت السفيرة عزيزة أو وزيرة.
وبينما يتصفح الزوج شبكات التواصل الاجتماعي تظهر له عشرات الفتيات ذوات الجسد المتناسق والابتسامة اللطيفة، فيقارن بينها وبين تلك الزوجة التي تركها في البيت تقضي وقتها في الطبخ ومراعاة الأولاد وترتيب المنزل، ولا يفكر أبداً أن تلك مجرد صور وُضعت فيها مساحيق التجميل والفلاتر لتبدو بهذا الشكل، فيكره الوقت الذي يقضيه في البيت ويقارن بين تلك الزوجة والأخرى التي تعرض صوراً لروتين تنظيف البيت في عشر دقائق، بينما زوجته تقضي الساعات في الكنس والتنظيف.
ثم تجد ظاهرة المحللين النفسيين التي انتشرت على السوشيال ميديا بشكل مريب، بعناوين تخرب البيوت حقاً مثل: علامات الزوج النرجسي، كيف تتعاملين مع الزوج النرجسي؟ كيف تتعامل مع الزوجة غير المطيعة؟ هل من حق أسرة زوجتك زيارتها في بيتك؟ عشر نصائح لاختيار الزوج المناسب؟ عشرون نصيحة للحصول على بيت سعيد! كيف تضمنين حقوقك بعد الطلاق؟ كيف تجعل زوجتك تتبرأ من حقوقها لتحصل على الطلاق بأقل الأضرار؟
وكأن سعادة الأسر صارت دليل تعليمات من الخطوات، وكأن تلك العلاقة الخاصة جدا التي من المفترض أن يكمل كل نصف فيها نصفه الآخر ويكمل نقصه ويستر عيوبه بعدما يجتهد في إحسان الاختيار العقلي والارتياح القلبي- صارت ساحة حرب يفكر الناس في ضمانات الطلاق فيها من قبل الزواج.
خلاصة تجربتي في الزواج
ما تعلمته بعد 15 عاماً من الارتباط والحياة الزوجية المليئة بالتحديات والصعوبات، سواء المهنية أو غيرها، أن البيوت لا تقوم على الحب ولا على شكل وجمال الزوجة وجاذبية الرجل، ولا تقوم أيضاً على الغنى والفقر، نعم الاستقرار المادي مهم، لكن الأهم من ذلك هو كيف تواجهان تلك التحديات معاً يداكما بيد بعضكما.
ستتغير قلوبنا المتوهجة بالحب والمشاعر التي بدأنا بها الزواج لاحقاً، وتنضج كلما مرت السنوات وزادت المشقة، سيتغير جمالنا وجاذبيتنا، سيغزو الشيب شعورنا. سنرى بعضنا في لحظات القوة والضعف، في السعادة والحزن، الصورة الوردية عن الزواج التي تجعل الطرفين يتصادمان ويُصدمان بعد أول تحدٍّ صعب وحقيقي بعد الزواج.
لكن هدمت اليوم الصورة الحقيقية للزواج، نصائح الطلاق من مئات البشر الذين اعتبروا أنفسهم مرشدين أسريين دون علم حقيقي ولا دراسة، اعتماداً على أفكارهم وثقافتهم وخبرتهم الحياتية الخاصة جعلت الطرفين متحفزين لكل فعل وكل كلمة مقصودة أم لا.
تربيت في أسرة يعمل فيها الأب والأم، تتأخر الأم أحياناً في عملها، فيقوم والدي بإعداد الطعام لنا، حتى أثناء سفره كان يتابع واجباتي المدرسية بشكل يومي. يجتمع الراتبان في نهاية الشهر، وأظن أن معظم الأسر كانت هكذا، لا يتحدثون على الملأ كيف تدار الأمور المالية في البيت، يتحمل الأبوان المسؤولية لاستمرار هذا البيت، حتى إذا حدث الطلاق، يطلق الأب زوجته وليس أولاده، ربما كانت الأعراف والتقاليد والرجولة والشهامة مختلفة عن الآن.
وربما حين اضطرت الفتيات للعمل وخرجن للحياة العملية تغير تفكيرهن واحتياجاتهن، وقد صارت تستطيع أن تعتمد على نفسها مادياً، فهي لا تتزوج شخصاً كي يعولها مادياً، لكن لاحتياجات عاطفية ونفسية، في الوقت ذاته ترى نفسها شريكة في أي قرار باعتبارها مشاركةً في مصاريف البيت. فبدأ التعامل بندية.
بينما الشباب الذين كانوا يعتمدون على أهلهم في المصاريف ولا يحتاجون للعمل كي يكملوا دراستهم مثلاً كما يحدث في الغرب، لا يشعرون بقيمة المال لأن طلباتهم دائماً مجابة، ويتوقعون من الزوجة أشياء غير واقعية، فعليها أن تعمل وتحمل وتربي الأولاد وتنظف البيت وتعف زوجها، الذي تظهر له فتيات في أبهى صورهن في السوشيال ميديا.
نعم، زماننا غير زمان آبائنا، وما نتعرض له من ضغوط مادية ونفسية أكثر بكثير، متطلبات أولادنا أضعاف متطلباتنا في مثل أعمارهم، ما كنا نعتبره نحن رفاهية صار حقا لهم، كآباء صرنا تحت ضغط مادي ونفسي طوال الوقت لتوفير تلك المتطلبات، لكن علينا ألا ننسى أبداً أن الزواج مؤسسة أسست لتدوم وليس لتنهار أمام كل صعوبة في الحياة، لا أعني بذلك أن يتحمل الطرفان ما فوق طاقتيهما، أو تقبل الإهانات اللفظية والجسدية، فلهذا شرع الطلاق. لكن ما أعنيه أن كل مؤسسة ناجحة تضع أهدافاً ومبادئ وحلولاً وبدائل، وأن الأصل في تلك العلاقة هو الأمان النفسي والعاطفي وليس التخوين وتوقع الغدر وبالتالي تعامُل الطرفين طوال الوقت بحذر وندية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.