يبدو أنَّ الاتفاق المغربي- الأمريكي السياسي، القاضي بالاعتراف بالوحدة الترابية للمغرب، و"مغربية الصحراء" مقابل التطبيع مع إسرائيل، لم يشفع لإدارة مصطفى التراب، المدير العام لمجموعة المكتب الشريف للفوسفات، في النجاح بتحريره من ضغط فرض الرسوم التعويضية على واردات الفوسفات المغربي التي فرضتها الولايات المتحدة بنسبة 19.95%، إذ إنه في 11 مارس/آذار 2021، تلقت إدارة المكتب الشريف للفوسفات صفعة قوية، حيث أعلنت لجنة التجارة الدولية الأمريكية (USITC) أنها ستفرض هذه الرسوم.
ولتحدي فرض الرسوم الجمركية المذكورة، شنت شركة الفوسفات OCP هجومها المضاد قبل أن تلجأ إلى أكبر شركات التواصل والدعاية والضغط في أمريكا، وفي 28 من يونيو/حزيران الماضي، عُقدت جلسة استماع برئاسة القاضي المحلي الأمريكي ستيفن ألكسندر فادن، أمام محكمة التجارة الدولية الأمريكية (USCIT) لمناقشة الرسوم الجمركية التي تم فرضها على واردات الأسمدة المغربية إلى السوق الأمريكية، منذ مارس/آذار 2021.
ورغم تقليص OCP وارداته إلى الولايات المتحدة منذ دخول الإجراء حيز التنفيذ فإنه يُواصل البيع في كندا وأمريكا اللاتينية. علاوة على ذلك يمضي في تحدي القرار الذي اتخذه كيانان تابعان للإدارة الأمريكية، وهما لجنة التجارة الدولية الأمريكية (ITC) ووزارة التجارة الأمريكية (USDC) بفرض هذه الرسوم، بعد أن تقدمت شركة Mosaic المنتجة للأسمدة بشكوى، في يونيو/حزيران 2020.
وحسب المعطيات المؤكدة فإن إدارة المكتب الشريف للفوسفات حشدت ما لا يقل عن ثلاث شركات استشارية (لوبيَّات ضغط) في الولايات المتحدة للدفاع عن موقفها، وقدمت التماساً يضم توقيع أعضاء في الكونغرس الأمريكي يدعو إلى رفع هذه الرسوم.
وتقول مجموعة OCP في بيان صحفي إنه "لا يُوجَد أساس لفرض رسوم على واردات الأسمدة المغربية في السوق الأمريكية"، مشيرةً إلى أن هذا الإجراء "يضرُّ بالفلاحين الأمريكيين من خلال حرمانهم من الوصول إلى مصدر موثوق للأسمدة عالية الجودة، في وقت تُكافح الزراعة الأمريكية تداعيات انخفاض المداخيل في السنوات الأخيرة".
ووفقاً لبلاغ الشركة الأمريكية "موزياك"، التي رفعت شكوى ضد OCP، فإنَّ دافع الالتماس هو "الضرر الواقع" عليها من تنافسها مع جهات "تحصلُ على دعم من قبل حكوماتها، وهو ما يؤثر في التنافسية في السوق الأمريكي"، في إشارة لكون الفوسفات المغربي مدعوماً من الحكومة المغربية.
معركة "لوبيَّات الضغط"
وبعد الحشد الذي جمعه المكتب الشريف للفوسفات في أمريكا، واستئناف القرار أمام محكمة التجارة الدولية الأمريكية، تأمل المجموعة المغربية برئاسة مصطفى تراب أن تحكم المحكمة الفيدرالية لصالحها، وهو ما سيجبر مركز التجارة الدولية وUSDC على إعادة النظر في القضية. وفي الوقت نفسه يقود المكتب الشريف للفوسفات استئنافاً ثانياً أمام محكمة الفيدرالية للطعن في مستوى الرسوم الجمركية المطبقة (19.97%).
ومنذ يونيو/حزيران 2020 وحتى مارس/آذار 2021، خاضَ اللوبي المغربي في أمريكا معركةً كبيرة ومُكلفة، لضمان استمرار دخول السماد الفوسفاتي المغربي إلى الأسواق الأمريكية، وأنشأ المكتب الشريف للفوسفات عدداً من الفروع الإقليمية، ومنها مكتب إقليم شمال أمريكا، وأُسِّس المكتب الإقليمي عام 2016، ويعمل فيه كيري ماكنامارا مديراً تنفيذياً، وقد عمل فيه سابقاً مستشاراً، وقبلها عمل في البنك الدولي، في تصميم برامج التكنولوجيا والتنمية الاقتصادية للحد من الفقر.
ويعمل في المكتب الإقليمي أيضاً شخص باسم مهدي الخطيب، مسؤول عن التواصل والعلاقات العامة في الشركة، وبناءً عليه بدأ فرع أمريكا حملته عام 2020، وقادَ بنفسه حملة اللوبي المغربي في قضية شركة "موزاييك- Mosaic"، للضغط على وزارتي التجارة والزراعة، وعلى البيت الأبيض، والكونغرس، بالتوازي مع الجهود القانونية الرسمية، وتجمعات المزارعين في الولايات الأمريكية والتواصل مع نواب في الكونغرس (الموقعين على بيان لفائدة المكتب الشريف للفوسفات).
Figure 1 وثيقةٌ من المكتب الشريف للفوسفات، باسم سفيان الكاسي، مدير النمو في الشركة، يفوِّضُ فيها فرع الشركة في أمريكا الشمالية للبدء بتنسيق عمل للرد على فرض الضريبة والرسوم الجمركية على منتجات الشركة الواردة إلى أمريكا. ومن ضمن البنود التواصل مع الجهات التشريعية.
وبحسب المعطيات المتحصل عليها فإن من أنشطة المكتب التواصل مع النائب الجمهوري جون هوفين، في يناير/كانون الثاني من عام 2021، إذ تقدم النائب برسالة إلى هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي في إدارة الرئيس جو بايدن، يحثُ الهيئة على تصنيف البوتاس والفوسفات "معادن حرجة"، بسبب النقص الشديد في الأسمدة، بعد رفع الأسعار نتيجةً لفرض الرسوم الجمركية على الواردات الأجنبية.
وتعاقد المكتب الشريف للفوسفات مع شركة "كوفينجتون آند بيرلينج- Covington & Burling LLP"، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وحصلت الشركة خلال أقل من عامين على 15 مليوناً و300 ألف دولار، مقابل خدمات قانونية. وهي الشركة الأساسية في هذه المعركة.
وقدَّمت الشركة خدمات قانونية ومثَّلت الشركة في قضاياها، وهذه خدماتٌ لا يُلزم القانون الأمريكي الشركةَ بالإفصاح عنها وعن تفاصيلها، وبالتالي تعذر الوصول إليها ضمن "حزمة الوثائق" التابعة لوزارة العدل الأمريكية، المُطلع عليها.
وفي خضم أزمة الفوسفات فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي ثالث مستورد للفوسفات على مستوى العالم، بعد البرازيل والهند، والمغرب هو المصدِّر الأكبر إلى أمريكا. فمثلاً، في 2019، وصلت صادرات المغرب من الأسمدة الفوسفاتية إلى أمريكا إلى قرابة مليوني طن، بقيمة 729 مليون دولار، ما يعادل 60% من واردات الفوسفات إلى أمريكا، ثم تأتي واردات روسيا بنسبة 25%، وما تبقى من سوق الفوسفات دون تعريفة جمركية هو فقط 15%.
وبالعودة لنزال المحكمة في أمريكا، فإنه لم يُعرف بعد متى سيعلن القاضي فادن قراره، وإذا كانت النتيجة لصالح OCP يمكن لشركة Mosaic بدورها الاستئناف قبل إعادة النظر في القضية، الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى شهور طويلة من الإجراءات.
وفي إطار هذه المعركة الصاخبة يُستحضر تساؤل أساسي حول الدبلوماسية السياسية التي تمضي فيها الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها، وكيف تتمحور السياسة الخارجية مقابل السياسة الداخلية، ورهانات الفوز بينهما، ففي الوقت الذي تقيد فيه شركة مغربية في أراضيها اقتصادياً، فإن الولايات المتحدة تبيع طائرات وعتاداً عسكرياً متطوراً لحليفه المغرب، وتُجري مناورات دائمة "الأسد الإفريقي" معه، وفي 2019، كان المغرب أول زبائن السلاح الأمريكي في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بحجم صفقات بلغت قيمتها 10,3 مليار دولار، أغلبها موجه للقوات الملكية الجوية المغربية، حسب مجلس فوربس.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.