طفلك منذ أن كان جنيناً وهو يتحمل المسؤولية، فهو مَن اكتشف إصبعه وهو بالداخل وبدأ مصّه دون تدخل منك، وعندما خرج كان يعرف البكاء كلغة تعبير عن ذاته، وتحمل مسؤولية لفت انتباهك له، ومع كل نمو له تحمَّل مسؤوليته تجاه نفسه كتجربة لطرق مختلفة للحركة وتطورها، حسب تطور عضلاته فتتحول إلى حبو، ثم إلى مشي فركض وقفز، وهكذا إلى أن استوقفه الكبار عند قولهم أنت لا تستطيع، لا تعمل، أو دعني أفعلها نيابةً عنك.
ثم نشكو في المستقبل من كونه طفلاً اتكالياً يريدنا أن نقوم بكل شيء ولا نعرف ما السبب، فأنا هنا لنعرف معاً السبب وراء نشأة مجتمع يتكل الجميع فيه على بعضهم، ولا أحد ينجز إلا القليل.
عندما سُئلت الملكة رانيا: "كيف تربين أطفالك وهم أمراء"؟ كان الرد صادماً إلى حد لم يتوقعه الكثيرون، فقالت الملكة رانيا في إجابتها على الإعلامية الشهيرة أوبرا: الخدم ممنوعون من الدخول إلى غرف أولادي؛ لترتيبها أو غسيل أطباقهم، وممنوع أن يطلبوا من الخدم كوب ماء أو عصير، فيجب أن يجلبوه بأنفسهم، هم يرتبون غرفهم وألعابهم ويغسلون أطباقهم ويحضرون لأنفسهم الماء والعصائر، وكذلك يمنع شراء الألعاب أو الهدايا إلا في العيدين فقط، وأعياد ميلادهم".
وأضافت الملكة رانيا: "حتى نجاحهم بالمدرسة غرست فيهم أنه لأنفسهم فقط، وأن دراستهم شأن يخصهم، وكذلك الولد، مصيبة أن يتربى معتمداً على الأم أو الأخوات".
ووجهت الملكة رانيا نصيحة لكل أم عربية: لا تفعلي لطفلك شيئاً هو قادر على إنجازه بنفسه، لأنك بذلك تعلمينه الاتكالية بدلاً من الاعتماد على النفس، وتصنعين بذلك طفلاً معاقاً نفسياً وفكرياً.
أنشطة تجعل ابنك شخصاً مسؤولاً
فكفانا تصدير أشخاص يعتمدون على أم، زوجة، أخت، أو خادمة للمجتمع. فالعمل وخدمة الذات ليس عيباً، العيب هو الاتكالية وعدم الاعتماد على النفس، أرجوكِ لا تصنعي معاقاً في بيتك.
لذلك دعونا نتعلم كيفية تربية طفل مسؤول يستطيع الاعتماد على ذاته، وتتكئين عليه في المستقبل.
- مطالبته بتنظيم غرفته وأغراضه، لكن نقوم بتفصيل الخطوات تفصيلاً يناسب عمر الطفل (مثل اجمع الألعاب، رتب سريرك، وإذا كان صغيراً نخبره بوضع قِطعَه في مكانها الصحيح).
- الاعتماد على نفسه في ارتداء ملابسه بالطريقة المناسبة لعمره، والانسحاب من المساعدة يكون تدريجياً.
- طلب المساعدة منه في إعداد المائدة وجمعها وتنظيف الأطباق.
- تنظيف أسنانه وجسده بنفسه، والانسحاب من المساعدة بالقدر الذي يناسب عمره.
- المساعدة في تنظيف المنزل وترتيبه.
- تحميله مسؤولية حيوان أليف (إطعامه، تربيته، تنظيفه، تنظيف مكانه، وملاحظته".
- إعطاؤه حرية الاختيار سواء في الملابس أو الحلوى.
مسؤولية الاختيار
دائماً ما كان يتعجب البائع عندما أترك صغيري يختار ما يريد ويحاسبه بنفسه، لكني كنت أستمر في تشجيع رجُلي الصغير لأَبْنيَ شعورَه بالمسؤولية والحرية وتنمية مهاراته الاجتماعية، فالكل يراه صغيراً اليوم، لكني أراه الرجل الذي سيصبح عليه في الغد، لذلك في تربية طفلك لا تخجل من نظرات الآخرين.
وأذكر أن أخي أخبرني عندما كنت صغيرة بأنه كان يتركني أختار ما أريد وسط اعتراض الحاضرين، وكان هذا له أثر كبير في بناء شخصيتي الآن.
كيف تحبِّبين طفلك في المسؤولية؟
- حمِّليه مسؤولية تسجيل وشراء قائمة مشتريات المنزل.
- اروي له القصص المشجعة على تحمل المسؤولية بما يتناسب مع عقله وفكره.
- شجّعيه على ممارسة الرياضات الجماعية ليشعر بالمسؤولية تجاه الفريق.
- اغرسي بداخله قيمة الأمانة والحفاظ على ممتلكات الآخرين.
- عدم تلبية كل رغبات طفلك، وحين تقومين بتلبية بعض الطلبات اجعليه يسعى للحصول عليها.
والمهم أن تحددوا المهام بما يناسب عمر الطفل، ويمكن لأطفالكم القيام به دون مواجهة صعوبة كبيرة، حتى يتمكنوا من تحقيق النجاح كي لا يتهربوا من المسؤولية فيما بعد، وليتعلموا الالتزام بالقول والفعل، فعندما تعطون أطفالكم وظيفة ما ليقوموا بها اشرحوها بعبارات بسيطة، واعملوا على أن يكون العمل أولاً، ثم اللعب، وافعلوها بمهارة وود، وليس بتعنت وتسلط، وأظهروا لهم أنكم تحبون المرح مثلهم، مثلاً أن تقولوا "نعم، أريد أن آخذك إلى الحديقة، لكن أولاً يجب علينا التنظيف بعد الغداء".
وأن تجعلوا الأعمال المنزلية مسلية، وتجنبوا التهديدات، فعلى سبيل المثال إذا كنتم تقومون بترتيب الألعاب تحدّوا الأطفال في سباق يفوز فيه من يستطيع ترتيب أكبر عدد من الألعاب، وكونوا قدوة حسنة لهم بأن تظهروا لأطفالكم حس المسؤولية عن طريق إتمام المهام الخاصة بكم على أكمل وجه، حتى ولو كانت مهامّ بسيطة.
وتذكروا دائماً أنه يجب إبداء التقدير للجُهد وليس للنتائج، فلا تنتقدوهم أو تتولوا إتمام المهام بأنفسكم مباشرة، فقد يُضعف ذلك ثقتهم بأنفسهم ويقلل من رغبتهم في المساعدة، ولكن حاولوا تقسيم المهام إلى أجزاء صغيرة يسهل التعامل معها.
وكونوا واقعيين مدركين ومقدرين لطفولتهم، فهم لن يتبعوا القواعد دائماً، فكونوا صبورين وأكثروا من الثناء عليهم وعلى مجهودهم ونتائجهم، حتى ولو لم ينجحوا فأخبروهم أنهم نالوا شرف المحاولة، وكونوا دقيقين قدر الإمكان؛ مثلاً: "لقد أبليت حسناً بوضع طعام القطة في وعائها"، وأخبروه فائدة ما فعل مثلاً: "فبعد أن وضعته استطاعت القطة أن تأكل لأنها كانت جائعة"، واجعلوا روح المرح والاحتواء هي التي تغلب على أجواء المسؤولية حتى يستمتع أطفالكم بها، لأنه إن لم يستمتع سيكرهها وينقلب حينها السحر على الساحر.
والسر هنا يكون في تقسيم المهام على جميع أفراد الأسرة، حتى يعلم الطفل أن لكل فرد في الأسرة دوراً، هو مسؤولية صاحبه.
أعرف أنك ربما تتساءل أو تتساءلين الآن عن فائدة تعليم المسؤولية لطفل صغير لا حول له ولا قوة، وربما سيتعلمها مع الوقت، وترون أن هذه قسوة تجاهه، وأنني صاحبة قلب صلب فهذا طفل ضعيف، لكن أعزائي، مفهوم استيعاب أساسيات المسؤولية في وقت مبكر يتعلق بأن يجعل طفلك واثقاً بنفسه أكثر، ويصبح فرداً سوياً وفعالاً في المجتمع المحيط به، ولديه شعور حقيقي بالمسؤولية تجاه نفسة والمجتمع، ويصبح أكثر استقلالية، وربما يحب اتخاذ القرارات بنفسه، ولكن يجب أن تكلفوه بمهام تَعلمون أنه قادر على إكمالها، وهو ما سيجعله يعلم أنه قادر على المساعدة في الاعتناء بنفسه والعالم من حوله، وسيجعله أيضاً جاهزاً لتحمّل مسؤوليات أكبر في مرحلة لاحقة من طفولته، ويكون تمهيداً لمسؤولية الطفل مستقبلاً تجاه دراسته، ثم غيرها حين يكبر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.