ما إن ظهرت الصورة التي تم الكشف عنها من مرصد جيمس ويب العملاق، والذي تكلف إنشاؤه عشرة مليارات دولار، وتم تطويره بالتعاون بين ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية، تلك الصورة التي وصفت بأنها أعمق وأدق صورة للكون البعيد حتى الآن، وتحوي آلاف المجرات بمليارات الكواكب والنجوم! حتى انطلقت الأصوات المنددة والرافضة والقائلة بأنها فوتوشوب تمت فبركتها ولا يمكن أن تكون حقيقية!
هذا ليس جديداً، فمنذ حين ليس بالقريب انتشرت نظرية قوية تقول إن رحلة الهبوط على سطح القمر هي مجرد فيلم سينمائي هائل، وخدعة كبرى تم بثها للعالم كله، وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت في أماكن مختلفة أن ما بين 6 و20% من الأمريكيين، و25% من البريطانيين، و28% من الروس الذين شملتهم الاستطلاعات يعتقدون أن عمليات الهبوط لأفراد الطاقم كانت مزيفة، فما بالك بالأوطان المقهورة وضحايا السياسات الأمريكية الداعمة للديكتاتوريات في العالم الثالث، ألن يؤمنوا بنظرية المؤامرة مباشرة؟!
هؤلاء من يقولون الآن إن ناسا إنْ كذبت مرة، فلن يأتي منها الصدق أي مرة؛ وبالتالي يتم التكذيب المباشر لكل ما تعلن عنه من صور؛ للثقب الأسود أو المجرات البعيدة وما شابه، وبالتالي كل نظرياتها الفضائية مرفوضة ولا تحتاج حتى تضييع الوقت في قراءتها!
بغض النظر عن أن كل الشبهات والقرائن التي دعمت نظرية كذب رحلة الهبوط على القمر تم الرد عليها تفصيليّاً، هل حقاً مؤسسة علمية كبرى بتلك الميزانية الهائلة، والتي يعمل فيها كثير من الجنسيات، بما فيها أفراد من تلك الأوطان المقهورة؛ أقربهم العالم المصري ابن مدينة المنصورة (عصام حجي)؛ هل حقاً هذه المؤسسة عبارة عن كذبة كبرى هدفها ترويج نظريات المؤامرة، وطرح الأفكار التشكيكية في ثوابتنا الدينية، أو بث مزيد من الهزيمة النفسية عندنا؟!
ومع سخرية المقارنة القادمة، ولكن سأضعها لتفسير رؤيتي لهذا الأمر؛ هل تذكرون جهاز الكفتة وما صاحبه من زخم إعلامي ما زالت بقاياه إلى يومنا هذا؟ نظرية الجهاز تبناها فريق طبي المفترض أنه مختص، وروج لها إعلام مسيس، ودعمها سياسيون وقادة كبار. هل تتوقع بأن السياسيين والقادة الكبار هم من طلبوا من الفريق الطبي إنجازاً علمياً للتباهي به؟ أم أن النقيض هو ما حدث؛ معلومة انطلقت بأن لدينا كشفاً طبياً هائلاً، تلقفه القادة مصدقين له، وتم الترويج من بعدها، وقفز إلى القارب كل باحث عن الشهرة أو التقرب من ذوي القرار!
نفس الشأن.. إعلان بايدن عن صورة تليسكوب جيمس ويب، والتغطية الإعلامية التاريخية للحظة الهبوط على القمر، هو استثمار إعلامي وسياسي للقدرة العلمية لدى ناسا، والتي أظنها لا تعمل بالتلقين السياسي، بل ربما هي التي تبالغ في إمكاناتها لدى القادة لزيادة الدعم المادي! أقول للأفاضل المكذبين لناسا، والرافضين لكل منتجها لأنها تخصصت في ترسيخ المادية والنظريات الإلحادية وفقط (حسب زعمهم)، إننا طالما نبذنا العلم بعد أن كنا سادته، وليست لدينا القدرة على مناطحة النظرية بأخرى لدينا، ومجابهة الفكرة أو المعلومة العلمية بما يناظرها عندنا، فلنكتفِ بأن نكون في قاعة المتفرجين الآن ولا ننكر كل ما يأتي بشكل قاطع؛ لأننا ضد سياسة قادتهم!
هل لديك المعايير والقدرة العلمية لإثبات أو نفي ما يأتيك منهم؟! إن توفرت لديك واستطعت؛ فأهلاً بمنتجك ونظرياتك، أما القول بقدرتك على افتعال صورة مشابهة، والكلام عن أفكار فلسفية ومزاعم سفسطائية، وكيف أن المؤامرة علينا لم ولن تنتهي وتلك إحدى وسائلها، فذلك مزج لحقائق في غير موضعها!
قد تأتي تلك الصور بحقائق لا أقول إنها تؤكد أو تدعم، وإنما تتوافق مع الوصف الظاهري لآيات قرآنية نتلوها منذ أربعة عشر قرناً، وهنا يترسخ إيماني ويزداد يقيني بالمعجزة القرآنية وبقدرة الخالق عز وجل، مع العلم بأن النظريات العلمية كلها قابلة للصواب والخطأ والتطوير المستمر.
لهذا كنت أرفض كلمة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، والتي احترفت ربط النظريات العلمية والطبية بآيات القرآن الكريم، لأن صحة هذه النظريات أو خطأها ليست دليلاً على صدق الآيات أو كذبها، فالإيمان بأنه كتاب منزل من فوق سبع سماوات لا يحتاج لذلك، فلمَ نضع قرآننا المقدس عرضة للشبهات والطعن في ربطه بأمور غير يقينية بنسبة 100%؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.