عندما عزمتُ على البدء في كتابة هذا المقال، كانت نيتي هي البحث في عمق التاريخ، وكذلك التاريخ الحديث، عن جرائم القتل التي هزَّت الوجدان في حينها!
وقد بدأت في ذلك بالفعل، الكثير من السفاحين، الكثير من الجرائم المبكية الحزينة، ولم أتحمل الاندماج في التفاصيل لكل منها؛ مع جرعة الألم المتصاعدة، التي نالت مني وبقوة!
أب في لحظة اكتئاب مرضي ينتحر بعد قتل زوجته وأولاده بسبب خسارته المالية، وآخر يقتل زوجته وابنته لشكه في سلوكهما، ومصرع الإخوة والأخوات بسبب الميراث… وغيرها الكثير!
كان هدفي الأعظم من المقال أن ما نراه الآن من موجة قتل متصاعدة، ليست دليلاً على انحدار المجتمع أو سقوطه في كبوة انعدام الأخلاق، فهذا قديم ومتوارث، وهناك الكثير من الحوادث الكبرى والبشعة التي هزت المجتمعات في كل الحقب والعقود، الفارق فقط أن وسيلة انتشار الخبر قديماً كانت بالاستجابة لنداء "اقرأ الحادثة"، ويلزمك فعل وتحرك إيجابي لمعرفة ما حدث، أما الآن فأنت ترى الخبر في بث حي، بينما تستلقي على سريرك، وإن عزمت على عدم مشاهدته تجد الإلحاح الإلكتروني يسابق عينيك ويصارعهما لرؤيته!
أول جريمة كبرى شهدتها البشرية هي القتل، وإن كنت لا أدري سبب انتشار مسمى القاتل لا القتيل بيننا الآن! إزهاق النفس البشرية جريمة كبرى حرَّمتها جميع الأديان والأعراف والقوانين البشرية، وقد وضعها الإسلام على رأس اهتمامه، في النص القرآني الصريح، يقول المولى -عز وجل-: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [سورة النساء ـ الآية 93]
ويقول الحبيب -عليه الصلاة والسلام- في خطبة الوداع: (إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت) متفقٌ عَلَيهِ.
فبعيداً عن جرائم القتل الممنهجة والمؤدلجة، ظني أن القاتل في كل جرائمه حتماً ينتابه الندم عقب جريمته، وهذا اللفظ تحديداً ذكره الله -عز وجل- في حق قابيل (فأصبح من النادمين)، وكما قال الحبيب -عليه الصلاة والسلام-: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن).
فظني أنه كذلك لا يقتل القاتل وهو مؤمن، وربما وهو في كامل وعيه واتزان عقله التام، ولو بحثت في كل جرائم القتل المنتشرة بين الأسر والجيران أو الزملاء وما شابه، ستجد جُلها إن لم يكن كلها إما في ذروة الغضب أو اليأس، ونسبة نادرة تلك التي يتم فيها التخطيط لجريمة القتل ببطء وعناية وعزم أكيد على الجُرم!
أتحدث هنا عن التركيز على جرائم القتل اللحظية تلك؛ التي إن حدث ما يؤجلها لن تقع، أقسى ما رأينا كان للأم التي قتلت أولادها وحاولت الانتحار، وقد شهد لها الجميع بحسن الخلق والدين! وأقصى ما رأينا، حادث نيرة الشهير، ومن قبله قاتل الإسماعيلية الذي فعل فعلته وقطع رأس الرجل وسار متبختراً به!
هل خطر ببالك لوهلة أنك قد تقع في مثل ما وقعوا فيه؟! ما حدث لتلك الأم أيضاً لم يخطر ببالها، ولو على سبيل الخيال أن تقوم به! وأراه قد ينال أياً منا؛ فقد ابتليت بأبناء مصابين بمرض لم تستطع التعايش معه، وفي لحظة انهيار نفسي وقع ما وقع. من منا قد لا يطوله المرض النفسي بتطوراته المخيفة هذه؟
لذا يجب تغيير الفكرة حول المرض النفسي، وعدم الاستخفاف به أو التهاون فيه، المرض الجسدي أقصى ما يفعله بك أن يقعدك حيناً من الدهر، أما النفسي فسينال من حياتك وحياة من تحب! وفي حالتي نيرة وقاتل الإسماعيلية كانت المخدرات حاضرة بقوة! والعجيب أيضاً شهادة البعض في حق القاتلين بأنهما كانا مشهوداً لهما قبل الانحدار والانغماس في تعاطي المخدرات.
ولذا، ما أريد قوله في هذا المقال هو أن أبناءنا يجب الحذر معهم من السقوط في هذا الطريق، مسبباته كثيرة تبدأ بالصحبة الفاسدة التي يجب علينا التدخل فيها بشتى الطرق المتاحة، وتنتهي بالمشاكل النفسية كذلك التي قد يكون البيت نفسه مبعثها! كما أن المخدرات لن تتوقف عند الفشل الدراسي والحياتي فقط، فقد تدفع صاحبها لهذه الجريمة البشعة التي ابتدأت البشرية بها!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.