أحياناً تدفع الظروف المعيشية الصعبة بعض الأفراد للتحول إلى وحوش، فتلك الظروف سرعان ما تجعل عقول هؤلاء الأفراد يرون بعضاً من الحقيقة المختبئة خلف ستار المجتمع، وهذه الحقيقة هي كون المجتمع البشري ربما لا يختلف في كينونته عن المجتمع الحيواني، فهو في النهاية كالغابة، القوي فيها يلتهم الضعيف.
وبناءً على هذه الحقيقة، يبدأ هؤلاء الأفراد برؤية أنفسهم مفترسين، ومع رؤيتهم تلك يعتبرون كل البشر حولهم مجرد فرائس صالحة للأكل بكل ما تحمله الكلمة من معنى حرفي.
ولكن هنا يجب أن نطرح سؤالًا مهمًا، هل الظروف المعيشية الصعبة وحدها تستطيع القيام بهذا التحول في عقول البشر؟
آكل لحوم البشر كرول
للإجابة عن السؤال السابق دعني أسرد لك قصة آكل لحوم البشر الذي روَّع وأرعب ألمانيا الغربية لعقدين من الزمن.
وُلد يواخيم كرول عام ١٩٣٣ خلال الفترة التي بدأ فيها الحزب النازي بالصعود نحو السلطة، كان كرول الأصغر سناً بعد سبعة إخوة، وكان دائماً ما يُعتبر "ضعيفا" بالنسبة لهم، بالتالي دائماً ما تعرض للاحتقار بواسطة عائلته ومجتمعه المحيط، وصاحبَ هذا الاحتقار حالة عدم الاستقرار المجتمعي التي لازمت الحرب العالمية الثانية، ما أثر على طفولته بشكل حاد.
كان كرول يبلل سريره دائماً خلال سنين طفولته، ما سبَّب له شعوراً بالإذلال الحاد، ولتعويض هذا الشعور كان يمارس الاعتداء الجنسي والجسدي على الحيوانات، وهذان العاملان تحديداً من بلل السرير والاعتداء على الحيوانات يمثلان عاملين ضمن ثلاثة عوامل مما نسميه عوامل ماكدونالد الثلاثية، والتي تتنبأ بوجود سلوك عنيف عند الفرد بعد البلوغ.
وهكذا وكعموم المجتمع الألماني خلال حقبة الحرب، عانت عائلة كرول من الفقر والجوع الشديد، فقد كان والده جندياً ألمانيا في الحرب، تم أسره من قبل القوات الروسية ثم قيل إنه قُتل في الأسر، ما ترك كرول وإخوته السبعة وحدهم مع والدتهم.
ترك كرول المدرسة خلال عام ١٩٤٨ بعدما عانى من اضطرابات الحرب في بلاده، وهكذا كان كل ما حصل عليه من تعليم وهو في الخامسة عشر من العمر هو الصف الرابع.
بعد ذلك قيل إن الاختبارات كشفت أن متوسط ذكاء كرول لم يتعد الـ٧٨، مع وجود بعض التقارير التي تكشف عجزه عن تعلم القراءة.
التحول إلى الوحش
بعدما ترك كرول التعليم، عمل مساعداً لأحد المزارعين، وخلال سنين عمله تلك، بدأ في شحذ شهيته للقتل.
قال كرول في أحد اعترافاته، إن عمله في مزرعة كان عاملاً مساعداً لنمو تعطشه للدماء، فخلال ممارسته لذبح الحيوانات، أدرك انجذابه الجنسي للقتل، وقد وصف ذلك بـ"يقظة شهوته الجنسية"!
خلال سنين شبابه حاول كرول بدأ علاقة مع امرأة مجهولة الهوية كأي إنسان طبيعي، ولكن محاولته تلك باءت بالفشل، على حد وصفه، وقال إنه يفضل شريكاً جنسياً يمكنه تفهم رغباته وشهواته.
خلال عام ١٩٥٥، توفيت والدة كرول، وكعادة البشر في مثل هذه الحالات، يسبب فقدان نموذج الأم لحظة تحول في عقل الفرد، وقد تزامن فقدان كرول لأمه مع تصاعد شهوة القتل لديه، لذا في ذات العام الذي فقد فيه والدته، قتل فيه كرول أولى ضحاياه.
في يوم الثامن من فبراير عام ١٩٥٥، سافر كرول لبلدة والستيد، وهناك اختطف إرمجارد ستريل ذات التسعة عشر عاماً، حيث قام كرول بخنقها حتى الموت، ثم تبع ذلك باغتصاب جثتها، ثم قام بإخراج أمعائها من بطنها.
وبالإضافة لاغتصاب ضحاياه بعد قتلهم، كان كرول يمتع نفسه بممارسة العادة السرية فوق جثثهم، ثم بعد هربه إلى منزله، كان يمتع نفسه مجدداً باستخدام دمية جنسية مطاطية بينما يقوم بخنق دمية تمثل طفلاً بيديه.
جريمة كرول الثانية كانت في السادس عشر من يونيو عام ١٩٥٩، حيث قام باختطاف كلارا فريدا وقتلها، وفي هذه المرة بدأ بممارسة علامته التجارية وهي أكل لحوم البشر.
قام كرول باقتطاع قطع لحم كاملة من جسد كلارا، ثم قام بلفها والذهاب بها إلى منزله حيث طبخها وأكلها على العشاء.
وللأسف لم يتوقف الشر الذي مارسه كرول عند ذلك الحد، فقد تم اعتقال مشتبه به بريء يُدعى هنريتش أوت بتهمة قتل كلارا، وخلال انتظار هنريتش لمحاكمته قام بالانتحار حينما لم يحتمل أن يتم اتهامه بذنب لم يرتكبه.
وهكذا استمر كرول في ممارسة عمليات القتل والاغتصاب وأكل لحوم البشر منذ عام ١٩٥٥ تى عام ١٩٧٦، وتراوحت أعمار ضحاياه ما بين الأربعة أعوام وحتى الواحد والستين عاماً.
وخلال عام ١٩٦٢ بعدما قتل الطفلة ذات الثانية عشر عاماً مونيكا تافيل، اعتقلت الشرطة مشتبهاً به آخر يدُعى والتر كويكر، ولكن سرعان ما تم الإفراج عنه، لينتحر في النهاية بسبب نظرات المجتمع المحيط له كقاتل أطفال مُدان.
كيف مارس الوحش جريمته؟
كان كرول قاتلاً محترفاً بحق، فقد استطاع تجنب الاعتقال لعشرين سنة كاملة، ولكي ينجح في ذلك كان يتبع طريقة مثلى خلال عمليات صيده.
فكرول لم يكن يقتل في مكان واحد أكثر من مرة قبل أن يوجد فاصل زمني يصل للسنة بين الجريمتين، كان يحرص كذلك على ممارسة جرائمه تزامناً مع عمليات قتل أخرى غير مرتبطة به، بالتالي يتجنب بذلك الشبهات.
أما بالنسبة لطريقة القتل نفسها، فكرول حينما يفاجئ ضحيته كان يخنقها بكل ما يمتلك من سرعة، ثم يقوم بتعرية جسدها من الملابس قبل أن يباشر باغتصابها، وبعد أن ينتهي أخيراً من انتهاكها يقوم بقطع ما يريد من اللحم حتى يعد به العشاء في منزله!
القبض على الوحش
في يوم الثالث من يوليو عام ١٩٧٦، نجحت الشرطة أخيراً في اعتقال كرول، بعدما عانت سباكة منزله من الانسداد بسبب أحشاء ضحاياه!
قام أحد الجيران بسؤال كرول عن سبب ذلك الانسداد فكان جوابه ببساطة "أمعاء"، أثارت تلك الإجابة ريبة الجيران والذين لاحظوا في ذلك الوقت قيام الشرطة بالبحث عن قاتل الفتاة ماريون كيتر ذات الأربعة أعوام.
وهكذا أبلغ الجيران الشرطة، ليتم اقتحام منزله في النهاية، وتتسع أعين الرجال حينما يجدون أشلاء الفتاة موزعة بين ثلاجته وقدره الذي وضعه على النار.
تم اعتقال كرول أخيراً بينما عيناه ترمقان يد الطفلة المقطوعة في القدر المغلي، لتبدأ محاكمته وقائمة اعترافاته بارتكاب 13 جريمة قتل.
خلال المحاكمة ظن كرول أنه سيخرج من السجن بعدما يتعرض لعملية بسيطة في رأسه، يقضي بها الأطباء على رغبة القتل والجنس لديه بالأخص بعد اعترافه بأن سبب أكله للحوم البشر هو ارتفاع أسعار اللحوم الحيوانية.
ولكنه صُدم في أبريل عام ١٩٨٢ حينما تم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، ليموت في سجنه عام ١٩٩١ بسبب أزمة قلبية وتنتهي قصته.
في النهاية تمثل قصة كرول لنا مثالاً واضحاً حول مقدار التعقيد في عقل الوحوش، فعوامل محددة منذ مرحلة الطفولة متزامنة مع فقدان دور الأم والأب قد تعزز عملية التحول تلك، ما يتركنا في النهاية وسط شعور بالخطر، متسائلين حول موقعنا الحقيقي مع هذه الوحوش المختبئة في عالمنا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.