نعيش في ظل عصر ما بعد الحداثة وانتشار الهوس الإلكتروني وهي ظاهرة رقمية غريبة، أي أنك في سبيل ركوب التريند قد تكون مضطراً لفعل أي شيء، تضحي بخصوصية حياتك الشخصية، أو خلق تمثيليات زائفة، كل ذلك لتحقيق استعطاف إلكتروني أو من أجل ركوب التريند لا أكثر.
لكن أسوأ من هذا كله هو نشر الأخبار الكاذبة أو المضللة كلها في سبيل الحصول على بعض التفاعل الإلكتروني، ولا يشمل مصطلح "الأخبار الزائفة" السرد السياسي فقط، ولكنه يشمل أيضاً مجموعةً من القضايا الأخرى، مثل نشر أخبار زائفة عن الأحوال الصحية للمشاهير، أو حتى بث شائعات عن وفاتهم، إضافةً إلى نشر الأخبار الكاذبة التي يمكن أن تثير توترات عرقية تؤدي بدورها إلى تزايُد حدة العنف بين المجتمعات المختلفة، وعادة ما يتزامن نشر هذه الأخبار مع أهم الأحداث الرائجة في العالم وقتها، فتجد أخباراً زائفة متعلقة بالإسلاموفوبيا مثلاً، بينما تقاد حملة ممنهجة ضد المسلمين.
وبلغت الأخبار المضللة ذروتها خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنتي 2012 و2016. كما انتشرت الأخبار المضللة بشكل كبير في موقع تويتر، تزامناً مع السنة التي انتُخب فيها ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، واشتهر بجملته "fake news"، كما أدى ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، خلال سنة 2014، إلى انفجار ظاهرة الأخبار الزائفة ولو بصفة جزئية، التي تم تداولها بكثرة على موقع تويتر.
واتهم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، فيسبوك وتويتر، يوليو/تموز الماضي، بعدم التحرّك لوقف نشر المعلومات المضلّلة حول لقاحات كوفيد و"قتل الناس"، وحضّ الشبكة الاجتماعية الأكبر على بذل المزيد من الجهد بهذا الخصوص.
وتشكل مواقع التواصل الاجتماعي البيئة الخصبة المثالية لنشر الأخبار المضللة أو الزائفة، حيث تواجه مواقع التواصل صعوبة في كشف الأخبار الزائفة بسب تحايل الحسابات الزائفة في نشر المعلومات المضللة، حيث تعتمد الحسابات المضللة حيلة تشفير الأخبار وهي حيلة إضافة بعض الرموز والكلمات إلى الخبر الزائف المراد نشره، لتعيب مهمة البحث عن مصدر الخبر ونفيه.
وتقدر فيسبوك أن نحو 5% من جميع المستخدمين النشطين الذين يبلغ عددهم 2.89 مليار مستخدم حالياً على المنصة هي حسابات زائفة وتنشر الأخبار المضللة.
وفي الواقع، يبدو أن الانتشار الواسع للأخبار والحسابات المضللة قد تحول إلى ظاهرة ليس لها حدود، تنطوي على جملة من النظريات والقليل من الثوابت، ناهيك عن أن تأثيرها لم يُدرس بشكل معمق حتى الآن.
حيث تشير الكثير من الدراسات أن الأخبار الكاذبة تنتشر بشكل أسرع، وتصل إلى أكبر عدد من الأشخاص مقارنة بالأخبار الحقيقية.
وفي عصر ما بعد الحقيقة، تلعب النفس البشرية والانحيازات المعرفية لدى بعض الأشخاص دوراً حاسماً في نشر الأخبار الزائفة. ويعزى ذلك أساساً لمجموعة من الانحيازات الغريزية التي تؤثر علينا بطريقة لا واعية، عندما نقوم بمعالجة المعلومة التي تجعلنا نختار ما يدعم مخططاتنا العقلية، وهو ما تمكنت هذه الأبحاث من إثباته مرة أخرى.
إلى جانب ذلك، يشير الباحثون إلى أن "العقل البشري يفضل المعلومة التي تبدو مألوفة ولا تتناقض مع أفكاره المسبقة". وتلتصق المعلومات المضللة التي يتلقاها الأفراد بشتى الطرق سريعاً بأذهانهم وعقولهم، حين تكون متوافقة مع قناعاتهم السابقة ومعتقداتهم السياسية، أو الدينية، أو المجتمعية، أو الشخصية، ولعل السبب الرئيسي وراء ذلك أن القبول بتلك المعلومات المريحة التي تشبه ما نعتنقه يُعدّ أسهل كثيراً وأقل كلفةً من رفضها أو بذل الجهد في سبيل البحث لمعرفة الحقيقة المجرّدة المتعلقة بها دون أي انحياز.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.