المثلية الجنسية من الموضوعات التي تثير جدلاً وتساؤلات في أذهاننا، وخاصة لدى أبنائنا، ولكن ليست كل الأسر متفهمة أو واعية ولديها إجابات شافية وعلمية تُشبع فضول الأبناء وتحترم عقولهم، وفي الوقت نفسه تجيبهم بحرص ودقة مع تفهم دون نظرة اتهام بعدم الأدب أو التفاهة أو غيرها.
فمتى وكيف نتحدث مع أطفالنا عن "المثلية الجنسية"، وهل يمكن أن يكون الطفل مثلياً، وهل يمكن التعافي منها، وكيف يتصرف الأبوان إذا اكتشفا أن أحد أبنائهما يقول إنه مثليّ الجنس؟ كل تلك التساؤلات وأكثر نجيب عنها في مقالنا الذي بين أيديكم ودون حرج، وهدفنا التوعية الآمنة لكم ولأبنائكم.
متى نتحدث مع الأبناء عن المثلية الجنسية؟
ظاهرة المثلية الجنسية كانت قليلة ونادرة قبل أعوام قليلة، لكن مع عصر الانفتاح اللامحدود للإعلام الذي نعيشه، أتاح للطفل الوصول لأي شيء عبر الأجهزة الإلكترونية، ولذلك أصبح لا بد من التحدث مع الأبناء حول هذا الموضوع، وتحديد الوقت المناسب لذلك يرجع للبيئة التي يعيش بها، فمن يعيش في البلاد الأجنبية يجب أن يمهد للأمر بوقت أبكر ممن يعيش في البلاد العربية.
وعند التحدث مع الأبناء حول موضوع المثلية الجنسية يجب مواكبة جميع الأبحاث العلمية، ليكون حديثاً ذا سند علمي؛ كعدم وجود أدلة علمية قاطعة تدل على ارتباط الجينات الوراثية بالمثلية، وبعدم وجود أسباب محددة إن حدثت ستؤثر على نمو الهوية الجنسية. وإنما هنالك العديد من العوامل الاجتماعية والعاطفية والثقافية، قد تزيد من فرص ظهور هذه الاضطرابات، مثل: اضطهاد مجتمعي أو أسري تجاه جنس معين، اعتداء جنسي في مرحلة حرجة من العمر، ضعف تعزيز الهوية الجنسية من قبل الوالدين، غياب المعرفة والتربية الجنسية، ضعف تربية الذات وتهذيبها.
الأطفال والمراهقون المثليون، الذين يضطرون لإخفاء ميولهم الجنسية خشية رفض العائلة أو التعرض للأذى اللفظي أو النفسي أو البدني، يفتقدون عنصراً مهماً جداً هو التوجيه والقدوة الإيجابية، فيصبحون ضحايا أسهل للأشخاص المُستغِلين جنسياً، كما أن تعنيفهم بسبب ميولهم المثلية قد يدفعهم للهروب من المنزل والعمل بالدعارة الجنسية كوسيلة للتكسب والعيش، وهو بالتالي أكثر عرضة بالطبع للأمراض الجنسية المعدية والقاتلة مثل الإيدز وغيرها.
هل أنا مثلي؟ سؤال يتردد في ذهن البعض، فكيف تعرف إذا كنت تعاني من المثلية الجنسية أم لا؟
لتشخيص المثلية الجنسية- كما ذكرت د. سحر طلعت الطبيبة النفسية- فإننا نحتاج لوجود محددين أساسيين وهما، أولاً: أن تحدث الإثارة الجنسية فقط مع نفس الجنس، وتكون إثارة جنسية قوية، فالذكر لا يثار إلا من مشاهدة الرجال. ثانياً: أن تغيب الإثارة الجنسية تماماً مع الجنس الآخر أو تكون إثارة ضعيفة جداً، فلا يتأثر الرجل بالإناث. أما إذا كانت شهوة الرجل للنساء طبيعية، ويمكنه أن يقيم علاقة جنسية كاملة معهن فإنه في هذه الحال لا يعاني من المثلية.
ما أسباب المثلية الجنسية؟
1- أخطاء التنشئة الأسرية
تلجأ بعض الأمهات بجهالة إلى تنشئة الطفل ومعاملته بغير جنسه، مثال على ذلك أن يشاء الله أن تكون الأم كل خلفتها ذكوراً، وتتمنى بنتاً، فعندما يرزقها الله بذكر آخر تُطلق عليه لفظاً أنثوياً، وتلبسه ملابس بنات، على سبيل المزاح، وقد تستمر هذه الجريمة حتى دخوله المرحلة الابتدائية.
هنا يجب التفريق بين نوع جنس (Sex) ذكراً أو أنثى وهو ما تُظهره أعضاؤه الجنسية، وما يُعرف بالهوية الجنسية (Gender)، وهي الصور الذهنية الجنسية عن الذات، التي تتكون مع اللبنات الأولى لحياة الإنسان، ثم تنمو معه وتستكمل ما بين الثانية والثالثة من عمره، حيث يدرك الطفل نوعه الجنسي، ويعرف نوع جنس من يتعامل معه، ثم في مرحلة الصبا (6-10) يحاول التعرف واكتشاف الفروقات بين جنسه والجنس الآخر.
إن اختلاف الهوية الجنسية عن الجنس يُحدث خللاً لدى الطفل، ويجعله يتصرف طبقاً لهويته الجنسية وليس طبقاً لجنسه، حتى لو بدأت الأم مع مرحلة الصبا أن تعامله طبيعياً بناء على جنسه، سيرفض الطفل ظاهرياً ذلك، حتى وإن أبدى استجابة فسيظل داخله نوع الجنس الذي عرف نفسه به.
من المؤكد أن هذا الولد أو البنت عرضة للمثلية بنسبة عالية جداً، ما لم يخضع لبرنامج نفسي ورعاية خاصة قبل مرحلة البلوغ.
2- حب الاستطلاع واكتشاف المجهول
يبدأ الطفل في التعرف على أعضائه الجنسية، وإن لم تكن هناك الرعاية الكافية، فقد يحاول الأطفال التقارب الجسدي معاً، ومن الطبيعي أن تحدث استثارة ما، وقد يؤدي هذا اللهو الجنسي إذا ما تكرر إلى تكوين صورة ذهنية للدور الذي يمارسه الطفل في العلاقة، ويتوقف ذلك على مدى تكرار هذا العبث، والذي قد يعتاده.
3- التعرض للاعتداء
يجب الحذر من ترك الطفل مع من هم أكبر منه وحدهم مهما بدا عليهم من أمارات الثقة، فإن الحدث الجنسي يرسخ في عقلية الطفل، في البداية يصاب الطفل بالصدمة والهلع، ثم يبدأ في اعتياد الأمر فيما بعد، خاصة إذا استمرت لفترة طويلة، ومع مرور الوقت تبدأ سلوكياته الجنسية تميل إلى الشذوذ الذي يتعرض له، حتى إذا لم يتكرر الاعتداء على الطفل، فإنه يكون عرضة للشذوذ- إن لم يعالج- حيث تتشكل طبيعته الجنسية تبعاً لأول تجربة جنسية له، ومع الوقت ووصوله لسن البلوغ يكون متهيئاً نفسياً للشذوذ، ويفقد قدرته على التمتع بأي شكل آخر من العلاقات الجنسية الطبيعية.
4- التفكك الأسري
إن التربية المتوازنة تقتضي وجود الزوجين معاً، وغياب أحدهما يعطي خللاً لمفهوم علاقة الطفل بنوعية جنس من يعيش معه من والديه، وطبقاً لإحدى الدراسات فإن غياب الأب أو الأم يجعل نسبة الاتجاه إلى المثلية أكثر بنسبة 20%.
5- عدم الإشباع الوجداني
يُسهم التعبير عن حب الأبناء وارتوائهم وجدانياً في نموهم الطبيعي، ويجعلهم أسوياء في تعاملهم مع الآخرين دون ميل أو نفور، يجب أن يشبع الأبناء من التعبير عن حب والديهم، من خلال النظرات التي تشعّ حباً وتقديراً، واللمسات والأحضان والقبلات، التي تشعر الابن بقيمته عند والديه، وتجعله مكتفياً بحبهما عما قد يتعرض له من تحرشات.
6- ضعف الثقة
يجب أن يحرص الوالدان على بناء ثقة الطفل بنفسه، التي تجعله قادراً مهما كان صغيراً على إبداء المقاومة- حتى بالصراخ – ولا يخنع، وكذلك ثقة الطفل في والديه، التي تجعله لا يخاف من إخبارهما بما حدث له، تُبنى الثقة بالرعاية والاهتمام، ويجب التركيز على التعبير عن قيمة الطفل ذاته، مهما كان إنجازه الدراسي ضعيفاً، أو كونه مشاغباً، هذا يجب ألا ينعكس على علاقتنا النفسية بأبنائنا.
ففي دراسة اعترف 84% من المثليين الذكور أن الوالد كان غير مكترث وغير مبالٍ بهم في صغرهم، مقابل 10% فقط للغيريين (أي الذين يمارسون الجنس مع الجنس المغاير).
7- عدم التربية الجنسية
من المهم جداً التربية الجنسية للأبناء، بما يتناسب مع إدراكاتهم، فهي تهدف إلى المعرفة التي تولد لديه المحاذير، سواء في التعامل مع نفسه أو الآخر، تبدأ التربية الجنسية بتعريف الطفل بجنسه "أنتَ رجل شجاع"، "أنتِ بنت جميلة"، بحيث يتمكن من تمييز أفراد عائلته بناء على نوع جنسهم، ثم كل المتعاملين معه، ومن ثم يعرف لمن ينتمي من حيث النوع، ثم الحياء من أن يتعرى أمام الآخرين.
8- البيئة غير المنضبطة سلوكيّاً
للأسف بعض الآباء والأمهات لا يأخذون حذرهم عند استبدال ملابسهم، أو في علاقاتهم، معتقدين أن الطفل في عمر سنتين لا يدرك ما يرى! وهذا خطأ فاحش، نعم هو لا يدرك ما يراه ولكن ذاكرته قد اختزنته، ويظل السؤال يلح عليه: ماذا رأيت؟ وقد تدفعه غريزة التقليد إلى محاكاة ما رأى.
9- عدم التوازن في العلاقة مع الجنسين
رغم قيمة وأهمية التربية المحافظة، التي تحرص على الفصل بين الجنسين، فإن المبالغة تجعل الطفل ينكفئ على جنسه، ويصعب عليه في مرحلة المراهقة الخيال الجنسي الطبيعي، فيكون عرضة للأفكار الشاذة، من الطبيعي أن يحتلم، وكيف يحتلم الفتى أو الفتاة احتلاماً طبيعياً وهو سجين جنسه؟ إن الاختلاط الشرعي للفتاة أو الفتى يساعد على النمو الوجداني والجنسي في مساره الطبيعي، هذه ليست دعوة للتحلل وترك الأولاد في سن المراهقة لإقامة علاقات على هواهم، ولكن المقصود هو الاعتدال، بمعنى لا حرج عند اللقاءات العائلية أو مع الجيران أن يكون هناك اختلاط طبقاً للضوابط الشرعية، وفي المقابل يجب أن ينمو الابن في محضن ذكوري، فيصحبه الوالد في جلساته أو رحلاته أو رياضته، وكذلك الفتاة مع أمها، إن تنشئة الأطفال في بيئة متوازنة تضمن لهم صحة نفسية وجنسية سوية.
10- تردي الثقافة
أصبحت ثقافة التحلل الأخلاقي والقيمي يروج لها بدعوى الحرية الشخصية، تزامناً مع انتشار الإنترنت، فأصبح من المستحيل عزل أبنائنا عن هذا الخطر الداهم؛ لذا يجب مراجعة وتصحيح ما قد يعلق بأذهان أبنائنا من هذا الوباء، يجب أن يحرص الوالدان سواء من خلال الملاحظة المستمرة أو من خلال جلسات الدردشة والحوار على الانفتاح النفسي، ومن ثم الذهني، والتعرف على ما يدور داخلهم والتساؤلات التي تعلق بأذهانهم وإجابتهم بطريقة شافية ووافية.
11- أوقات الفراغ
إن الفراغ أحد الأسباب الداعية لعبث الأبناء، لذا يجب أن يحرص الآباء على شغل أوقات أبنائهم بحيث يذهبون إلى الفراش وقد نفدت طاقاتهم، فيوجه الأبناء كلهم لتنمية بنيتهم الجسدية والفنون القتالية، بما يُكسبهم ثقة الدفاع عن أنفسهم، ثم ما يفضلونه من هوايات.
12- صحبة السوء
من المهم التعرف على صحبة أبنائنا، وليتنا نتعرف على عائلاتهم حتى نتعرف على ما يمكن أن يدور بينهم من أحاديث.
13- الاضطراب الأسري
الأسرة هي المحضن الذي يتغذى منه الأبناء على منظومة القيم والأخلاق، ويتم ذلك مع الرشفات الأولى من ثدي الأم، بل إن العلماء منذ أكثر من ثلاثة عقود قد تكلموا عن أهمية الحالة النفسية للجنين! في دراسة خاصة بتحليل شذوذ المراهقين، ترجع ذلك بنسبة 90% للأثر السلبي لانهيار منظومة الأسرة.
14- إهمال التربية الدينية
عندما أتحدث عن التربية الدينية لا أقصد فقط تعليم الأبناء أداء المناسك، الصلاة مثلاً، بل أقصد أن يتعلم في مرحلة التقليد معنى الصلاة، وما يجب أن يكون عليه المصلي، وعندما يصل إلى المرحلة التي يفهم فيها معنى "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" لا نلقنه، بل نولد لديه القناعة بما تهدف إليه الصلاة. وبالرغم من قيمة وأهمية القناعات الدينية فإنها لا تستكمل تقريباً، ولا يمكن أن يستوعبها الأبناء إلا مع مرحلة البلوغ، وبعد أن تكون العوامل الأخرى قد أثرت، فإن كان تأثيرها سلباً فيكون من الصعب وليس من المستحيل العلاج، أما إذا كانت إيجابية التأثير فإن القناعة الدينية تؤصلها وتعمق رسوخها.
هل يمكن وصم الطفل بالمثلية الجنسية؟
مصطلح المثلية الجنسية لا ينطبق على الأطفال، ولكن هناك ما يسمى بـ"الفضول الجنسي" الذي يدفع الأطفال لكشف أعضائهم الجنسية أمام زملائهم، أو دعوة زملائهم لممارسة سلوكيات جنسية معهم.
هل يمكن التعافي من المثلية الجنسية؟!
أجل، يمكن التعافي من المثلية الجنسية وتخطيها بالعلاج النفسي، كما يجب على الشخص المصاب بالمثلية أن يراجع أفكاره وبعض الحقائق لتساعده على تخطي تلك المشكلة المؤرقة، وإن لم يتمكن من تخطيها فلا مفر من التواصل مع متخصص نفسي يساعده على تحويل مسار مشاعره للمسار الطبيعي. إضافة لذلك يجب أن يتذكر أن التخلص من تلك المعاناة يتم بالفعل، وأن ذلك يحتاج جهداً، ووقتاً، ومثابرة، وعليه التحكم في خيالاته الجنسية؛ فكلما استبدل خيالاته الجنسية بنوع مخالف لجنسه، فمثلاً البنت تنجذب لذكور لا لفتيات، ساعدَنا ذلك على تقليل هذا الانجذاب بالمثابرة.
وكلنا لدينا مسار طبيعي في الانجذاب، ولكن لظروف نشأة البعض قد يتأثر، فمن المهم أن يشرع في أخذ خطوة الارتباط، بشاب يعجب الفتاة، أو شابة تعجب الفتى، فلها تأثير كبير جداً في إنهاء تلك المعاناة بمرور الوقت، ولكن هنا لا بد أن ينتبه المرء لاحتمالين؛ الأول: أن ارتباط الفتاة مثلاً بشاب قد ينشأ عنه وجود مشاعر عاطفية، وسيساعدها ذلك كثيراً في التعافي من معاناتها، وبمرور الوقت ستتحول مشاعرها تجاهه لرغبة جنسية طبيعية، تتحقق بعد الزواج؛ فلا تقلق وقتها من فشل العلاقة الجنسية؛ ﻷنها ترتبط بالأساس بوجود مشاعر بين الطرفين، وحتى إن وجدت بعض المشكلات في بداية الزواج يمكن تخطيها ببعض الأدوية المساعدة.
أما الاحتمال الثاني: ألا تشعر الفتاة بميل عاطفي لمن يتقدم لها، وهنا يجب الانتباه لمدى توافقه مع خصالها وشخصيتها، وموافقته عائلتها، وإن كان هناك بداخلها قبول له: أي ارتياح نفسي له فلتقبل الزواج منه؛ ﻷن هذا الارتياح النفسي مع التوافق، ورغبتها في المسار الطبيعي الفطري سيكون عاملاً مساعداً لك، أما إن لم يحدث لديها حتى مجرد القبول والارتياح فلا تورط نفسك، ولا تورط الشخص معها في زواج يفشل بسببها، وله معاناة أكبر تحت أي ظرف من الظروف.
كما يجب أن توسع دائرة حياتك بمزيد من الأنشطة، والاهتمامات، والتعرض لدائرة أوسع فيها تفاعل وتعامل مع الجنس الآخر في حدود الضوابط الشرعية ليزيد احتكاكك بهم، وليتمكن من زيادة مشاعره الفطرية تجاه الجنس الآخر، وتقليل حجم المشكلة بداخله بسبب المزيد من الفراغ.
كيف يتصرف الأبوان عندما يمارس طفلهما سلوكيات مثلية؟
أولاً: البحث عن شخص موثوق به يتمتع بعقلية متفتحة وتفكير عادل تجاه اختلاف الآخرين، والحديث معه عن المخاوف التي تدور بذهن الأبوين وطلب نصيحته، وتساعد هذه الخطوة الآباء على تنفس الصعداء والشعور بأن حملاً ثقيلاً أزيح عن صدورهم، بعد تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة من الشخص المؤتمن.
ثانياً: اللجوء لطبيب نفسي أو أخصائي اجتماعي محترف في حال عدم وجود شخص مقرب من العائلة ذي ثقة وعقل رشيد، ويفترض أن يساعد المعالج الأهل على تفهم ما هم مقبلون عليه وتصحيح الأفكار الخاطئة وتقديم نصائح للأهل للتعامل الأنسب مع الطفل وكيفية توجيهه لتدارك المخاطر التي قد تواجهه جراء ميوله الجنسية.
ثالثاً: التواصل مع أسر خاضت التجربة بالفعل، فالتحدث إلى آباء اكتشفوا مثلية أبنائهم ومعرفة كيف تعاملوا مع ذلك يُكسب الآباء خبرة مهمة، ويساعدهم على التعرف على تأثير ونتيجة كل تصرف، مثلاً ما الذي جنته بعض الأسر من العنف مع الابن المثلي؟ أو كيف أثر التقبل على العلاقة بين الأسرة وطفلها ذي السلوكيات المثلية؟ وهكذا.
رابعاً: البحث عن مصدر علمي موثوق به والبدء في القراءة عنها ومعرفة كل ما يتعلق بها، وترتبط هذه الخطوة بالخطوة التالية، والمتمثلة في الحديث مع الابن، والانفتاح على ما يشعر به وطبيعة ميوله الجنسية؛ لأنه في النهاية أكثر قدرة على التعريف بميوله وأحاسيسه، وستساعد هذه الخطوة حتماً على زيادة الثقة والتقارب بين الآباء والأبناء، وتقبلهم أي نصائح يطلقها الآباء، وبالتالي يمكن المساعدة في حمايتهم من أمور خطيرة؛ مثل الاستغلال الجنسي، وخوض علاقات مع شركاء غير مناسبين، وحتى ممارسة الجنس غير الآمن الذي يسبب الأمراض القاتلة.
خامساً: الحب، فإن أول احتياجات الطفل هو الحب الذي يجده في اهتمام من حوله به، والتقاء الأعين الراعية له بعينه، في أيامه الأولى في الحياة، صرخات الطفل الأولى هي نداءات استغاثة للحصول على الحب والدفء والأمان.
سادساً: القبول غير المشروط، ودعم التلقائية، فيكون الطفل مقبولاً لذاته لا لشيء آخر، وأول من يسدد هذا الاحتياج هما الوالدان، عكس ذلك هي رسائل القبول المشروط: افعل كذا لأحبك.
سابعاً: الفخر، أن يشعر الطفل أنه منحة إلهية من الله لوالديه، وأنهما يفخران بكونهما والديه، مع التأكيد على كون ذلك لما يمثله بذاته لا بأفعاله، ولا مانع من تقويم الأفعال والسلوكيات غير المرغوبة بشكل صحي بعد ذلك.
ثامناً: الأبوّة الآمنة، ففي مرحلة السنتين تكون علاقة الطفل الذكر بأمه تفوق بمراحل علاقته بالوالد، حيث يكون متحداً نفسيّاً بها، بل يعتبره الكثير من المختصين أنه داخل الرحم النفسي، ويستعد للولادة في يد الأب، وإساءة الوالد للطفل أو للأم المتحد بها تعطي رسالة أن العالم خارج هذا الرحم ليس مكاناً آمناً، وأن الذكورة قيمة مسيئة، ويظل الطفل عالقاً في الرحم النفسي للأم. ما يحتاجه الطفل هنا هو أبوّة داعمة، مصدر حماية، درع يمكنه توجيهه للخارج للاحتماء به وليس موجهاً إليه.
تاسعاً: مساحة من الحرية، وهناك مرحلتان في تاريخ الطفل ينفصل فيهما عن بيئة الطفولة واعتماديتها، الأولى هي الاستقلال عن الأم (الرعاية) للاتصال بالأب، والثانية هي الاستقلال عن الأب (السلطة) لتكوين الأنا المستقلة.
وتبدأ المرحلة الأولى في العام الثاني للطفل، حيث يبدأ الطفل في محاولة الاستقلال عن رعاية الأم، فيبدأ في محاولة تناول طعامه بنفسه، ويرفض أن تناوله الأم الطعام بيدها، ثم يبدأ في اللعب بعيداً عن ناظرها [في هذه المرحلة يكون الطفل قد استبطن أمه كمصدر أمان داخله، وأنه لن يفقدها بالابتعاد المادي عنها]، ويبدأ في إطالة المدة التي يقضيها بمفرده بعيداً عن متناول يدها، لكن كل فترة يرجع بأي حجة [للشرب، أو حتى مجرد التلويح بيده] ليطمئن إلى أنها لا تزال هناك. وسأترك لك هنا محاولة التفكير في كم الأخطاء التي يرتكبها الوالدان في هذه المرحلة!
والمرحلة الثانية التي يميل فيها الابن للاستقلال هي مرحلة الاستقلال عن السلطة، والتي يمثلها الأب في أغلب الأحيان، يبدأ هنا المراهق في النظر لوالديه من منظور الندية، ويقارن رأيه بآرائهما، ومن المطلوب هنا إتاحة مساحة من الخطوط الإرشادية، مرحلة الضوء الأخضر وهي منطقة اختلاف الآراء، أن تكون للابن آراء خاصة قد تخالف آراء والديه [بعيداً عن منطقة الثوابت، والتي ستنتقل لمنطقة الضوء الأحمر].
ثم منطقة الضوء الأصفر، وهي مجموعة من القواعد قابلة للكسر، ويترتب على كسرها نقاش هادئ، كترتيب غرفته، والأكل باليد بدل أدوات المائدة، وتأتي في النهاية منطقة الضوء الأحمر، وهي المنطقة المحظورة، ولا بد من تناولها بشكل تربوي، بمعنى تناولها بنقاش هادئ مع مركز السلطة (الأب أو من ينوب عنه) وتوضيح سبب اعتبار هذه المنطقة في الضوء الأحمر، وأن الحظر هنا ينبع من المسؤولية وليس القهر والإذعان، وأنه يسري على الجميع بمن فيهم مصدر السلطة نفسه، وأن له التنبيه على مركز السلطة إن تواجد هو في هذه المنطقة.
وفي كثير من حالات الميل المثلي يكون مركز السلطة لدى الأم، والتي تقوم بإساءة استغلالها لترويض المراهق، وتشذيب مخالبه، وقولبته طبقاً لرؤيتها- الأنثوية بالبديهة- للعالم والحياة. هذا النمط يعطي للمراهق الذكر أن ذكورته خاضعة لسلطة الأم (الأنثى)، وهذا وحده مثبط للميل الغيري الصحي، كما يعطيه رسالة بالدونية والخزي. وحاول فهم هذه الفقرة في ضوء الحساسية الزائدة لهذا المراهق.
عاشراً: روحانية الطفولة واتزان المراهقة، فيحتاج الطفل لإقامة علاقة حقيقية مع الله قبل أن يتعرّف على متطلبات التكليف والالتزام الديني. والنمو الروحي للطفل داخل في الحساسية الزائدة له، فهو مهيأ لإقامة علاقة مثالية مع الله، لكنه أيضاً شديد الحساسية للرسائل التي تصله عن الله.
وأخيراً، لا تعاقب الطفل ولا تتجه للتوبيخ والعقاب حتى لا تثير عند الأطفال فضولاً أكبر، وحاول التحدث مع الطفل وإعطاءه قدراً أكبر من الاهتمام والحب، إضافة لذلك يمكن التوجه لمتخصص تربية لفحص الطفل ومراجعة تاريخه المرضي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.