ترسّخت ثلاثة أشكال من سرد القصص في القرن العشرين: النثر والمسرح والشاشة، كل منها عبارة عن سرد معقد، حيث يتم وضع الشخصيات في صراع على ثلاثة مستويات من الحياة: الصراع مع الدواخل النفسية للشخصية، والصراع مع الآخرين، والصراع مع قوى غير بشرية، ورغم أن كل هذه الأشكال يمكن أن تظهر جميع المستويات الثلاثة بنجاح، فإنها تختلف في القوة الخاصة والجمال فقط على مستوى واحد.
مع مرور الوقت تعلّم المؤلفون من مختلف المجالات، وفهم بعضهم البعض بشكل أفضل، والعثور على اتصال عن تقاطع الصناعات المختلفة، ولكن منذ حوالي نصف قرن ظهر شكل جديد من رواية القصص: "ألعاب الفيديو"، وهو فن قريب جداً من السينما، حيث يعرض أيضاً جميع مستويات الصراع، خاصة الوقوف عند النطاق المرئي. يبدو أن تكييف أحدهما مع الآخر لا ينبغي أن يسبب مشكلة، لكن في ألعاب الفيديو يظهر فارق بسيط مثير للإعجاب هو التفاعل، في هذا بالضبط تكمن المشكلة الرئيسية في تكييف الألعاب إلى أفلام.
في العامين الماضيين، أصبحت صناعة الأفلام القائمة على ألعاب الفيديو اتجاهاً للاستوديوهات الكبيرة، ففي السنوات الأخيرة شاهدنا أفلاماً مثل WARCRAFT و Resident Evil، والتي كانت متواضعة في أحسن الأحوال، وكانت التعديلات الوحيدة الجيدة والمقبولة على ألعاب الفيديو هي نسخ الأنمي مثل Castlevania، وسلسلة The Last of us تلوح في الأفق، وتم تأكيد فيلم Bioshock، الأمر الذي يطرح السؤال: لماذا تفشل الأفلام المبنية على ألعاب الفيديو دائماً؟
مفهوم الفيلم القائم على ألعاب الفيديو
عندما يتم إنشاء وخلق شكل من أشكال الفن فإنه يحاول توفير تجربة غامرة أكثر من الأشكال الفنية الأخرى، يوسع هذا الشكل الفني تجربتك، وبالتالي تريد ألعاب الفيديو اليوم أن يكون اللاعب جزءاً من القصة، تريد من اللاعبيين أن يستمعوا ويشاهدوا ويستخدموا أيديهم لتحقيق الأشياء، يمكنك تشغيل الموسيقى وعدم الاستماع إليها، يمكنك مشاهدة المقاطع السينمائية للعبة أو عدم مشاهدتها وستنتهي في كل الأحوال، ولكن لإنهاء لعبة فيديو عليك التحكم في مصيرها، لأنها لن تكتمل من تلقاء نفسها.
يتم سرد الكثير من قصص ألعاب الفيديو عندما يشارك اللاعبون في القتال أو الاستكشاف، عندما تترجم هذه القصة التفاعلية إلى شكل خطي وغير تفاعلي فإنك تستبعد الجانب الأكثر أهمية، لأن ألعاب الفيديو تحتوي على قصص مثيرة بسبب الطريقة التي تتشابك بها مع طريقة لعب المشارك، ويعد الاستغناء عن تفاعل اللاعب فكرة سيئة وغير مثيرة للاهتمام، وهو السبب الرئيسي لفشل كل فيلم يعتمد على لعبة فيديو.
ما كان مهماً في الأفلام يمكن للمخرج إبرازه من خلال عرض لقطة مقربة بشكل مفيد، لكن في اللعبة يحدث هذا فقط في المشاهد المقطوعة، ولا يمكن وضع القصة بأكملها في المشاهد السينمائية، لأن الناس يريدون اللعب وليس مشاهدة الأفلام في اللعبة.
لذلك، فإن السرد القصصي الرئيسي في ألعاب الفيديو هو التصميم السردي، وهي طريقة لكشف تفاصيل القصة من خلال عرض دقيق، بدلاً من الرمي المباشر للوجه، وهذا هو المكان الذي يأتي فيه التفاعل.
هياكل مختلفة لسرد القصص
الأفلام لها بنية قصصية مختلفة عن ألعاب الفيديو، فإذا كان الفيلم جيداً أو تحفة فنية فيجب أن يحتوي على سيناريو وقصة معقدة وعميقة وجيدة الكتابة، الهدف الأول للفيلم هو تسلية المشاهد بقصة جيدة، إذا كانت هناك عيوب في القصة يصبح الفيلم على حافة الفشل، بغض النظر عن مدى جودة التصوير أو مدى ملاءمة النتيجة الموسيقية لموضوعه أو حتى المؤثرات البصرية.
هذا لا ينطبق على ألعاب الفيديو، لأن الهدف الرئيسي هو توفير ساعات من المرح من خلال أسلوب اللعب وتصميم المستوى الذي يسبب الإدمان. لا تحتوي بعض الألعاب الأكثر شهرة على روائع أو قصص عميقة مثل "فورتنايت"، ولكن عندما يخصص الاستوديو والمخرج ساعات لصياغة قصة مقنعة وعميقة مثل The Witcher أو HALO فإن المعجبين والنقاد يقدرونها على حد سواء.
ولكن حتى لو نظرنا فقط إلى تاريخ الأفلام وألعاب الفيديو فسنجد أنهما يختلفان في نواحٍ كثيرة، الفرق الأكثر أهمية بين الاثنين هو كيف تبني كل قصة وتيرتها، في ألعاب الفيديو يعلق اللاعبون في مكان واحد لساعات، سواء كان ذلك بسبب اللغز أو صعوبة المرحلة، يتم كتابة قصة اللعبة وتنظيمها بطريقة تجعل اللاعب يعتقد أن القصة تتقدم، حتى لو بقي في مكانه لساعات، هذا غير ممكن في الأفلام، لا يمكن أن تكون حبكة الفيلم عالقة في مكان واحد كما هو الحال في ألعاب الفيديو وأن تستمر في التطور.
وعلى عكس الاعتقاد الشائع بأن الاشخاص الذين نجحوا في تحقيق المنتج الأصلي هم الأفضل في تحويله، فإن هذا ليس صحيحاً تماماً، هذا مرتبط بما ناقشناه أعلاه، كل شكل من أشكال سرد القصص له قوانينه ومتطلباته الخاصة، ومن النادر جداً أن يجمع أي محترف بين كاتب وكاتب مسرحي وكاتب سيناريو وكاتب ألعاب مختص، الجميع جيد في شيء واحد.
هوليوود أيضاً لا تفهم ألعاب الفيديو
نظراً لأن العديد من الأشخاص في هوليوود لا يحترمون ألعاب الفيديو كفن، فهم لا يفهمون ألعاب الفيديو كوسيط أيضاً. على سبيل المثال الأشخاص الذين لا يفهمون الألعاب سينظرون إلى Grand Theft Auto V مثلاً على أنها محاكاة لقاتل وسارق يجوب المدينة بشكل عشوائي، وليس قصة عن ثلاثة أصدقاء يبحثون عن الحلم الأمريكي في مجتمع ما بعد عام 2008.
من السهل التغاضي عن أن ألعاب الفيديو لم تصبح وسيلة رواية القصص حتى أواخر الثمانينيات، رغم أنها اضطرت أيضاً إلى كسر المعايير التقليدية التي وضعتها السينما والمسرح، لكن تكمن المشكلة في أن العديد من الكُتاب والمخرجين سينظرون إلى لعبة فيديو كما لو كانت فيلم حركة، نعم الحركة هي آلية تسمح للاعب بالعمل في سياق البيئة بدلاً من قيادة القصة، وبذلك فإن الكتاب وصناع الأفلام تخطوا القصة وسرقوها من أي محتوى يحبه المعجبون.
أخيراً عندما يتعلق الأمر بهذا الموضوع، فإن معظم الأفلام القائمة على ألعاب الفيديو تم صنعها بواسطة مخرجين من الواضح أنهم ليست لديهم أي موهبة إبداعية، ويفتقرون إلى الخبرة، أو هم مروعون تماماً.
باستخدام الدروس المستفادة من نجاح أفلام الكوميكس مثلاً لا يمكن صنع فيلم جيد يعتمد على لعبة فيديو إلا إذا كان المخرج يفهم الوسيلة ويحترمها. منذ وقت ليس ببعيد كان يُنظر إلى أفلام الكوميكس على أنها سموم شباك التذاكر، حتى أعاد بريان سينجر وكريستوفر نولان تعريف هذا النوع.
الطريقة الوحيدة لنجاح الفيلم الذي يعتمد على لعبة فيديو هي إذا تم توجيهه من قبل أشخاص متمرسين في المجال، وكان السيناريو عبارة عن تعديل صادق لمواد المصدر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.