في جوٍّ ساده الحزن والكمد حدّثني زميلي الصحفي قائلاً: "لو كانت شيرين أبو عاقلة شقراء، وعيونها زرقاء، وتتحدث الإنجليزية كالأوكرانيين لَتعاطف معها العالم".
أخطأ نشأت التقدير هذه المرة، وهو المعروف عنه حنكته في تقييم الأمور. الصحفي مُستهدف من قِبل أعداء الحرية الهمَج في كل مكان حول العالم. الفرق يكمن في أن الصحفي الأجنبي يحظى بدعم دولي من جميع المؤسسات التي تحمل صفة "الدولية"، لكن في الحقيقة هي مؤسسات تهتم بالصحفيين الغربيين، مع بعض الاستثناءات النادرة. الصحفي الفلسطيني له عَلَم يلفه، وشعب يبكيه، وقضية تؤرّخ نضاله في نقل الحقيقة.
شيرين شقراء وعيونها زرقاء وتتحدث الإنجليزية بطلاقة كونها مواطنةً أمريكيةً، لكن لن تحظى بالاهتمام الدولي، فهي فلسطينية، وقاتلها سليل عصابات ضَمِنَ تبرير الغرب لكل شائنٍ وشنيع يصدرُ منه. مؤخراً ظفرت عصابات بني صهيون بخدمة عُربان بني قينقاع والنضير وقريظة في التبرير، بل والشرعنة لجرائمهم.
قرار 2222 صدر عام 2015 عن مجلس الأمن، ويُحرم الاعتداء على الصحفيين، ومن قبله اتفاقيات جنيف نادت بالأمر ذاته، أمورٌ لن تجدي نفعاً، الحرية الصحفية لا تختلف عن النضال من أجل الوطن، هي أمورٌ لا تُمنح بل تُؤخذ باستحقاق وجدارة.
الأسماء كثيرة، بعضهم قُتل قنصاً، وآخر داخل سيارته، واليوم شيرين، وكل هذه الأسماء الصحفية كانت ترتدي كامل عتادها الصحفي، ذلك العتاد الذي يتوجب أن يمنحها الحصانة، لكن لا حصانة أمام أعينِ مُحتلٍ لا ترى سوى القتل والغدر وسيلةً لترسيخ صلفه، كانت شيرين أبو عاقلة ترتدي سترة الصحافة التي تُمنح بموجبها حماية دولية من الاعتداء، والخوذة التي تقي من الرصاص احتياطاً ضد أي خطرٍ يتزايد، ثم قنصها القناص بين خوذتها وسترتها فسقطت في الحال، وقد تهشّم رأسها وتناثرت جمجمتها، كما يشير تقرير الطب الشرعي.
55 صحفياً فلسطينياً لقوا حتفهم حتى الآن، ولم يحظَ أحدٌ بحقه في الإنصاف الدولي، إنصاف مُسيّس حتى الصميم، صحفيون لا تَسَل عن سلامتهم… روحهم فوق راحتهم. الاحتلال ينظر إليهم على أنهم "عدو كبير" يوثق جرائمه، فينكبّ على تصفيتهم كهدفٍ أساسي. هم ليسوا العين التي تواجه مخرزاً، بل هم العين الكاشفة لجرائم ذلك المخرز، ويخطرون بكل ما يملكون من أجل كشف جرائمه مناورين أمام هجماته، محاولين الهرب من لظى نيران حقده عليهم.
جيفارا البديري، زميلة شيرين أبو عاقلة، في 5 يونيو/حزيران 2021، اعتُقلت بكل عنجهية أمام كاميرات العالم، حينما كانت تُمارس عملها الصحفي أمام حي الشيخ جراح. كانت رسالة الاحتلال الغاشمة تدل على أنه ماضٍ في استهدافه لكل صحفي فلسطيني ينقل جرائمه، دون أن يعير أي اهتمامٍ لمجتمعٍ دولي ولا رأي عالمي ولا غيره.
إن كنت صحفياً في فلسطين فإياك أن تركن للشعارات الدولية حول حصانة الصحفي، بل أنت الهدف الأول لآلة القتل الإسرائيلية، فخذ حذرك بأقصى ما يمكن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.