تأثير الدعاية السلبية، والعمل على تشجيع ونشر المحتوى غير الهادف، أو دعم الشخصيات التافهة، هذا أقل ما يقال عنه أداة من الأدوات التي تسهم في إضعاف العقول وتغييب الناس، والسقوط من جديد في بحيرة الخل.
فكرة الوصول
للأسف، هناك أناس كل ما يشغلهم في الحياة هو فكرة الوصول، ومن أجل تحقيق هذا، تضاعف من بريقها، ووجودها، المكائد، والتحرش المعنوي واستقطاب كل من يرضي غرورها ويبروزها في إطار خشبي للأسف مجوف وبلا قيمة. والسؤال المحوري هنا وربما ليس له أي علاقة بالموضوع، هل شربت عصير قصب من المحل الموجود في آخر نفق العباسية؟!
كنت أتابع مشدوداً القنوات الفضائية في إجازة العيد، كأي رجل يحاول أن يستغل فترة الإجازة في تهميش عقله، والجنوح بأفكاره في أماكن مسطحة وبسيطة لدرجة السذاجة، ولأن إجازة العيد بعد موسم رمضان هي فترة الطبيخ البايت، فيكون اللجوء قسراً وإجباراً لكل المسرحيات القديمة أو أفلام المقاولات، بلغة أهل التلفزيون، محاولة لملء الخريطة أثناء الإجازة.
شاهد ماشفش حاجة
توقفت كثيراً عند إحدى العبارات في مسرحية "شاهد ماشفش حاجة" للزعيم عادل إمام، وهي واحدة من المسرحيات التي من كثرة عرضها في المناسبات أصبحت تردد كل صغيرة وكبيرة فيها وأنت تارك يدك ورأسك وفكرك ومخك وعقلك للهواء الطلق. قال عادل إمام للقاضي: عارف آخر نفق العباسية؟ والقاضي رد: آه عارفه، عادل إمام قال: في محل قصب! القاضي سأل: فيه إيه المحل ده؟ عادل إمام رد: "وحِش ماتبقاش تشرب منه".
إفيه عادي جداً لكن الغريب هنا أنه فعلاً كان في آخر نفق العباسية محل قصب يقدم عصيراً سيئاً جداً.
جربت تشربه؟
المدهش أنه بمجرد انتشار "الإفيه" وقتها، كل الناس في مصر ذهبت للمحل الذي تحدث عنه عادل إمام من أجل أن تجرب عصيره "السيئ" ويتأكدوا أنه فعلاً سيئ، صاحب المحل في البداية كما جاء في العديد من الروايات والشهود وقتها، تضايق جداً وقرر أن يرفع قضية على عادل إمام، لكن المفاجأة غير المتوقعة وقتها، كمية الزبائن، وبرغم أن الدعاية كانت سلبية، فإنها حققت للمكان شهرة كبيرة، وصل صيتها إلى داخل القاهرة وبين سكانها ومن هم خارجها.
وفقاً للروايات المتداولة وقتها أيضاً، المحل كان صغيراً جداً، فجأة اشتهر وكبر، ولكنه للأسف الشديد ظل يقدم نفس العصير السيئ؛ لأنه من الأساس كما أكد شهود يشتري قصباً سيئاً، ولم يحاول أن يطور من نفسه بعد الدعاية الكبيرة التي حصل عليها من مجرد إفيه داخل مسرحية للزعيم.
خبر طلاق أبو هشيمة وياسمين صبري
الحقيقة أن الخدمة التي قدمها عادل إمام لصاحب المحل هي نفسها الخدمة التي نقدمها في التواصل الاجتماعي لناس ليس عندها أي محتوى هادف، هل تابعت مثلاً كيف وصل خبر طلاق ياسمين صبري من أبو هشيمة؟ وإلى أي مدى وصل عدد التغريدات على تويتر عن الموضوع؟ ربما لم يتحدث ربعها عما حدث من رفع سعر الفائدة في أمريكا وتأثير هذا على الاقتصاد لدول العالم الثالث وغيره.
فقدان الهوية وشيخوخة الوعي
فيديو عادي جداً أو مقاطع تيك توك، أو كلمة عابرة، صورة مختلفة، تويته تافهة، لو رأينا مثل هذه الأشياء ومررنا دون توقف أو تعليق أو إشارة أو حتى إبداء إعجاب أو خنقة، أكيد سيبقى المجتمع في منطقة آمنة، ونكسر معدلات فقدان الهوية وشيخوخة الوعي التي أصابت الكبير والصغير وربما المجتمعات كلها.
كل ما علينا أن نخرج من الدوامة التي أصابت عقولنا ونتجاوزها؛ لأن القادم صعب، والأهم لا تجعل أحداً يضحك عليك ويركب التريند على رأسك ويشربك عصير قصب سيئاً من آخر نفق العباسية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.