وُلد عالم النفس أبراهام ماسلو، في بروكلين، نيويورك، في الأول من أبريل/نيسان سنة 1908، لأبوين روسيين مهاجرين إلى أرض الخيرات "أمريكا" كما يعتقدون، وتوفي في الثامن من يونيو/حزيران عام 1970. كان والداه من اليهود الذين جاؤوا من روسيا إلى "أرض الفرص"، على أمل تحقيق مستقبل أفضل لأبنائهم، لم يكن أبراهام ماسلو اجتماعياً، فلجأ إلى الكتب منذ طفولته.
حصل على الماجستير في علم النفس عام 1931، والدكتوراه في الفلسفة عام 1934، بعد أن بدأ حياته بدراسة القانون، ومن أبرز مؤلفاته: "نحو سيكولوجية كينونة"، "الدافعية والشخصية"، "أبعد ما تستطيعه الطبيعة البشرية".
اشتهر ماسلو بنظريته الخاصة بهرم الحاجات، المعروف بـ"هرم ماسلو"، وتعد نظرية ماسلو في تدُّرج الحاجات من أفضل النظريات التي عملت على تغطية الحاجات الإنسانية، فقام بمراقبة المرضى الذين يأتون إلى عيادته باعتباره متخصصاً في علم النفس التحليلي، وبنى هرمه بناء على ملاحظاته وفق خمسة مستويات:
· الاحتياجات الفسيولوجية: تناول الطعام والشراب والتنفس.
· الاحتياجات الأمنية: الأمن المادي والعمل والدخل.
· الحاجة للانتماء: الزواج، أن يكون عضواً في المجتمع.
· احتياجات الاعتراف: احترام الآخرين، والحالة، والسمعة.
· احتياجات تحقيق الذات: التطور الأخلاقي، الروحي، البحث عن هدف في الحياة.
ملخص نظرية ماسلو
صاغ ماسلو نظرية فريدة ومتميزة في علم النفس، ركز فيها بشكل أساسي على جوانب الدافعية للشخصية الإنسانية، حيث قدم نظريته في الدافعية الإنسانية Human motivation، حاول فيها أن يصيغ نسقاً مترابطاً يفسر من خلاله طبيعة الدوافع أو الحاجات التي تحرك السلوك الإنساني وتشكّله.
يفترض ماسلو أن الحاجات أو الدوافع الإنسانية تنتظم في تدرج أو نظام متصاعد Hierarchy من حيث الأولوية أو شدة التأثير Prepotency، فعندما تشبع الحاجات الأكثر أولوية أو الأعظم حاجة وإلحاحاً فإن الحاجات التالية في التدرج الهرمي تبرز وتطلب الإشباع هي الأخرى، وعندما تشبع نكون قد صعدنا درجة أعلى على سلم الدوافع، وهكذا حتى نصل إلى قمته. هذه الحاجات والدوافع وفقاً لأولوياتها في النظام المتصاعد كما وصفه ماسلو تأتي كما يلي:
1- الحاجات الفسيولوجية Physiological needs: مثل التنفس، والشرب، والأكل، والجنس، والنوم، والإخراج، وغيرها من الحاجات التي تخدم البقاء البيولوجي بشكل مباشر.
2- حاجات الأمان Safety needs: وتشمل مجموعة من الحاجات المتصلة بالحفاظ على الحالة الراهنة، وضمان نوع من النظام والأمان المادي والمعنوي، مثل الحاجة إلى الإحساس بالأمن والثبات والنظام والحماية، والاعتماد على مصدر مشبع للحاجات.
3- حاجات الحب والانتماء Love & Belonging needs: وتشمل مجموعة من الحاجات النفسية مثل الحاجة إلى الألفة والعلاقة الحميمة مع شخص آخر، والحاجة إلى أن يكون الإنسان عضواً في عائلة أو جماعة منظمة، والحاجة إلى بيئة أو إطار اجتماعي يحس فيه الإنسان بالألفة مثل الصداقة أو الحب أو الأشكال المختلفة من الأنظمة والنشاطات الاجتماعية.
4- حاجات التقدير Esteem needs: وهذا النوع من الحاجات كما يراه ماسلو له جانبان:
(أ) جانب متعلق باحترام النفس، أو الإحساس الداخلي بالقيمة الذاتية.
(ب) أما الجانب الآخر فهو متعلق بالحاجة إلى اكتساب الاحترام والتقدير من الخارج، ويشمل الحاجة إلى اكتساب احترام الآخرين، والسمعة الحسنة، والنجاح والوضع الاجتماعي المرموق، والشهرة، والمجد… إلخ. وماسلو يرى أنه بتقدم السن والنضج الشخصي يصبح الجانب الأول أكثر قيمة وأهمية للإنسان من الجانب الثاني.
5- حاجات تحقيق الذات Self-actualization والحاجات العليا Metaneeds، تحت عنوان تحقيق الذات يصف ماسلو مجموعة من الحاجات أو الدوافع العليا، التي لا يصل إليها الإنسان إلا بعد تحقيق إشباع كافٍ لما يسبقها من الحاجات الأدنى.
وتحقيق الذات هنا يشير إلى حاجة الإنسان إلى استخدام كل قدراته ومواهبه وتحقيق كل إمكاناته الكامنة وتنميتها إلى أقصى مدى يمكن أن تصل إليه، وهذا التحقيق للذات لا يجب أن يفهم في حدود الحاجة إلى تحقيق أقصى قدرة أو مهارة أو نجاح بالمعنى الشخصي المحدود، وإنما هو يشمل تحقيق حاجة الذات إلى السعي نحو قيم وغايات عليا، مثل الكشف عن الحقيقة، وخلق الجمال، وتحقيق النظام، وتأكيد العدل… إلخ.
مثل هذه القيم والغايات تُمثل في رأي ماسلو حاجات أو دوافع أصيلة وكامنة في الإنسان بشكل طبيعي، مثلها في ذلك مثل الحاجات الأدنى إلى الطعام والأمان والحب والتقدير؛ جزء لا يتجزأ من الإمكانات الكامنة في الشخصية الإنسانية، والتي تلح من أجل أن تتحقق لكي يصل الإنسان إلى مرتبة تحقيق ذاته والوفاء بكل دوافعها أو حاجاتها.
نقد النظرية
· افترضت النظريّة التدرُّج في تحقيق الحاجات، وذلك عكس ما يحدث في بعض الأحيان، حيث نرى الكثير من الأشخاص يعملون أولاً على تحقيق الذات ومكانتهم الاجتماعيّة المرموقة والمستوى الرفيع، ثمّ يقومون بتحقيق الحاجات الأُخرى مثل تكوين أسرة وبناء العلاقات الاجتماعيّة المختلفة.
· قامت النظريّة على تجنُّب تحديد كمية الإشباع المطلوبة من الشخص، للانتقال بعد ذلك لإشباع الحاجات الأخرى، كما افترضت النظريّة أنّ الشخص ينتقل من إشباع الحاجات الأولية؛ أي الدنيا، ثمّ يقوم بإشباع الحاجات الأخرى؛ العُليا، مع أنّه يوجد الكثير من الأشخاص يعملون على إشباع حاجاتهم العُليا والدُّنيا في الوقت ذاته.
· لم تهتم النظرية بالجانب الرُّوحي والدِّيني، الذي يعتبر ذا أهمية كبيرة لدى الكثير من الناس.
إلا أن ماسلو خرج من دراسته بتصور لما سمّاه مرحلة الكينونة Being، بوصفها مرحلة التواجد في أعلى مستوى وجودي للإنسان، مرحلة تحقيق الغايات بالفعل وليس مجرد السعي من أجلها أو المكابدة في سبيلها. وفيها يعيش الإنسان بالفعل قمة خبرات المعرفة ومشاعر الحب واكتمال السلوك، وتتحقق فيه القيم العليا مثل الكلية والجمال والتفرد والصدق والبساطة والعدل والحرية أو الاستقلال الذاتي… إلخ.
وبالرغم من الندرة الشديدة في تحقيق مثل هذه المراحل العليا تحقيقاً مكتملاً، والصعوبة الشديدة التي تحفّ بمسيرة السعي من أجلها، فإن ماسلو قد بيّن من خلال بحثه ودراسته أنها كمثال لا تقع في منطقة من صنع خيال الإنسان أو أحلامه، وإنما هي واقع حقيقي يمكن أن يصل إليه البعض، مهما كان عددهم قليلاً.
وبعيداً عن متاهات علم النفس الدقيقة ومصطلحاته العميقة، وسرد النظريات وأدلتها ونقدها، يبقى أبراهام ماسلو واحداً من أبرز علماء النفس في القرن العشرين، وأحد أعظم منظّري الفلاسفة وعلماء النفس، أفاد من كتبه وعلمه علماءُ الاجتماع والفلسفة والنفس بقدر وافٍ، ولا تخلو نظرية فلسفية أو حتى محاضرة اجتماعية من البناء على هرم ماسلو أو الإشارة إليه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.