جائحة كورونا هي السبب الأول لموجة التضخم التي تجتاح الولايات المتحدة الأمريكية حالياً، أما السبب الثاني فهو الحرب الروسية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هذا التصريح لم يصدر عن مهرّج وصل إلى رئاسة الدولة من أمثال الرئيس الأوكراني زيلنسكي، بل صدر عن رئيس أمريكا مباشرة.
بعد هذا التصريح لم تعد المسألة مسألة تكرار ما يدور من شبهات حول صحة الرئيس بايدن العقلية، بل تخطتها إلى الاعتقاد بأن هذا الرئيس الذي أوصلته الانتخابات إلى سدة الرئاسة تحوله أحداث العالم تدريجياً إلى "ممثل"؛ وذلك لعدم قدرته على استيعاب المتغيرات التي تعصف بالتوازنات الدولية، بعد فشل دولته في الحفاظ على قصب السبق في العولمة التي بشرت بها.
هذه العولمة، بسحرها الذي انقلب على الساحر، أبلغت أمريكا أن هيمنتها على العالم تتجه تدريجياً نحو التلاشي، وهذا النكوص أجبرها على تعديل سياستها من شعار "أمريكا أولاً" إلى شعار "من بعدي الطوفان".
وفي كلتا الحالتين هناك محاولة مستميتة للالتفاف على الحقائق الجيوسياسية الجديدة، عبر تعويم سياسة الفوضى الخلاقة التي اعتمدت في الماضي القريب على تدمير النظام العربي بأياد عربية، هذه السياسة لا يمكن أن تكون مفيدة في أوكرانيا أو تايوان كما كانت الحال في العالم العربي؛ لأن الدول المستهدفة في هذه الأيام تنتمي إلى نادي الدول العظمى، وجل ما سوف تحققه أمريكا من هذا التوجه هو تدمير أوكرانيا وتشريد شعبها، وستلقى تايوان المصير ذاته إذا ما وثقت بالإدارة الأمريكية، وأوقعت نفسها في فخها. عدا عن ذلك فإن نهج الفوضى الخلاقة في هذه المرة يضع العالم بأسره في مدار انعدام الجاذبية السياسية، وما ينتج عن ذلك من خطر قد يصل إلى تبادل الضربات بأسلحة الدمار الشامل.
بالعودة إلى التضخم الذي يجتاح أمريكا؛ يبدو أن الإدارة الحالية تمادت أكثر من اللازم في الخضوع لرغبات ومصالح المجمع العسكري الصناعي على حساب الاقتصاد الفعلي؛ حيث قفزت أسهم الشركات العسكرية الأمريكية بشكل حاد منذ بدء العملية الروسية في أوكرانيا.
وتصدرت القائمة شركة "لوكهيد مارتن" التي ارتفعت أسهمها بنسبة 30% من شهر يناير/كانون الثاني إلى شهر مارس/آذار، تلتها شركة "نورثروب غرومان" و"جنرال دايناميكس" التي سجلت زيادة بنسبة 20%، بينما ارتفعت أسهم رايثيون بنسبة 10%.
وهذا ما يؤكد أن الرئيس بايدن يمثل مصالح رأس مال المجمع العسكري الذي يسيطر على جزء كبير من قرار الولايات المتحدة السياسي حالياً، إضافة إلى قيادته أوركسترا تضخيم الهستيريا حول تصرفات الصين بما يشبه حملة الاتهامات ضد روسيا، التي سبقت غزو الأخيرة لأوكرانيا.
وعن التضخم الذي يجتاح أوروبا، ورد في تقرير صدر عن بنك Credit Suisse أن أزمة السلع العالمية التي سببتها الأزمة الأوكرانية تضعف نظام اليورو-دولار، ما يسرع من التضخم في الغرب، وفي أعقاب هذه الأزمة، سيضعف الدولار ويتعزز اليوان، وسيؤدي هذا إلى ركود في الاقتصادات الغربية، وتدمير هيمنة اليورو – دولار.
وبعد أن ورطت الولايات المتحدة أوروبا في أزمة طاقة، بدأت تتنصل من مسؤوليتها عن ذلك؛ حيث أكدت صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن الولايات المتحدة ليست الآن في الوضع الذي يمكنها من تعويض الغاز الروسي على وجه السرعة. وفي هذا الصدد، قال جاك فوسكو، الذي يرأس شركة Cheniere للغاز : "أتمنى لو أقدِّم للأوروبيين أخباراً سارة، ولكن سيتعين عليهم الانتظار خمس سنوات على الأقل قبل أن نتمكن من تقديم كميات كبيرة حقاً".
وهناك مخاوف جدية من لجوء المملكة العربية السعودية إلى تحديد أسعار النفط الخام الذي تبيع جزءاً منه للصين باليوان الصيني. حسبما ورد في صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإذا ما توقفت السعودية عن تسعير النفط بالدولار الأمريكي، فقد تحذو دول أخرى حذو الصين في شراء النفط من السعوديين بعملاتها الوطنية، ما يضر بدور الدولار الأمريكي بوصفه عملة دولية وبمكانته بوصفه عملة احتياطية؛ ما يشكّل تهديداً للاقتصاد الأمريكي بأكمله وللنظام السياسي.
مجرد وجود هذه المخاوف يعد جرس إنذار مبكر؛ لأنه من المؤكد أن خطوطاً حمراء تحكم العلاقات السعودية الأمريكية، ولا تجرؤ الرياض على تجاوزها، لكن من المؤكد أن حرب أوكرانيا خلطت أوراق التكوين العالمي للسلطة والثروة، والاتجاه الحالي للأحداث يؤشر إلى زعزعة الهيمنة الأمريكية، خصوصاً مع غرق واشنطن في بحر 26 تريليون من الديون.
بالتالي تشكل الحرب الاقتصادية مع روسيا عبئاً ثقيلاً على حكومة أمريكا، وكذلك دول أوروبا الغربية، وكان لها تأثير ملحوظ في شعبية رؤساء الحكومات هناك؛ فقد انخفضت نسبة تأييد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى 32% مقابل ارتفاع نسبة غير الراضين عن أدائه إلى 62%. وكذلك سجلت شعبية المستشار النمساوي كارل نيهامر أرقاماً مشابهة 62% ضده، والهولندي مارك روت والإسباني بيدرو سانشيز، كلاهما يتمتع بنسبة تأييد 35%، ومعارضة تفوق نسبة 59%، وكذلك المستشار الألماني أولاف شولتز الذي بات يعارضه نصف الألمان تقريباً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.