الداعم الوحيد لك بلا مصلحة هي "الأم"، ولأن أوطاننا هي أمهاتنا ينتظر لاعبو العالم أن يدعمهم أبناء بلادهم، خصوصاً عند احترافهم في الخارج، فقد يهاجمك مشجعو الفريق إذا لم تؤدِّ بشكل جيد، ولكن سيحميك بالطبع الذين يعدونك فخراً لهم، ورافعاً لعلمهم في كل المحافل، ونموذجاً للنجاح بالنسبة لهم.
هكذا يعامل الأفارقة والعرب خاصةً محترفيهم؛ نظراً لقلة النماذج الناجحة، ولكن النتيجة التي تنتظر هؤلاء اللاعبين عند انضمامهم لمنتخباتهم الوطنية هي أن يحملوا منتخبات بلادهم فوق أكتافهم إلى النجاح والبطولات، وخصوصاً في ظل النجاحات مع الأندية، ففي حالة لم يظهر بنفس الأداء مع منتخبه الوطني سيتهم بالتخاذل وتركيزه مع ناديه والخوف على "قدمه" وعدم تقديم نفس الشغف، ذلك النموذج ظهر كثيراً في الساحة الكروية في الفترة الأخيرة، ونستعرض معكم عدداً من تلك النماذج.
المتخاذل الأعظم
يعد أكثر من اتهم بلقب المتخاذل هو نفسه الهداف التاريخي لمنتخب الأرجنتين ليونيل ميسي، والذي اتهم بعدم تقديمه نفس الأداء الذي يقدمه مع برشلونة في منتخب التانغو الأرجنتيني، وعلى الرغم مما يقدمه مع المنتخب فبعد خسارته نهائيين متتاليين ظهرت بعض الأصوات تنتقد ميسي بشدة وتتهمه بالتخاذل، بل وطالبوا بهدم تماثيل ميسي في العاصمة بيونس آيريس، حتى أعلن ميسي اعتزاله دولياً، قبل تدخل رئيس الأرجنتين ليعيده عن قراره.
فهو إن سجل فلماذا لم يصنع لزملائه، وإن ظهر صانعاً للألعاب كان عدم تسجيله علامة استفهام لدى المشجعين، وكان دائماً تخاذله هو سبب عدم تحقيق الأرجنتين بطولات على الرغم من أن الأرجنتين لم تحقق بطولة منذ عام 1993، وهذا يسبق الانضمام الأول لليونيل مع المنتخب باثني عشر عاماً!
ولكن أسطورة مارادونا كانت دائماً تطارد ميسي، ولعنة مارادونا الذي حقق كأس العالم وحده، ولكن استطاع ميسي في الصيف الماضي وأخيراً تحقيق اللقب الأول له مع الأرجنتين، بعد الفوز بكوبا أميركا على حساب البرازيل وفي أرضها، وظهر ميسي فيها بشكل الشبح الذي يفعل كل شيء، فهداف البطولة ميسي، وأكثر من صنع ميسي، وأكثر المراوغات ميسي، وأي إحصائية في البطولة ستجد ميسي هو أكثر من حققها بنجاح، فظهر الشغف الذي شكك فيه الجميع بقوة بعد صافرة نهاية النهائي، عندما جلس ميسي باكياً من شدة الفرحة.
ساديو ماني المتخاذل
قبل كأس العالم بروسيا، وفي التصفيات ظهر ساديو ماني بشكل لم يعجب مشجعي السنغال، خصوصاً بعد إضاعته ركلة جزاء، فشنَّت الجماهير هجوماً قوياً على ساديو، ظهر عليه بعد مباراة غينيا الاستوائية في تصفيات كأس أمم إفريقيا 2019، عندما سقط على الأرض باكياً بعد نهاية المباراة وإضاعته للفرص.
خرج بعدها شقيق ساديو ماني على تطبيق الإنستغرام منتقداً تعامل السنغاليين مع شقيقه، قائلاً "انظروا إلى المصريين وتعاملهم مع محمد صلاح، مصر كلها تدعمه، سواء أكان جيداً أم سيئاً مع منتخب مصر".
النسر البولندي المتخاذل
في كأس الأمم الأوروبية لم يظهر منتخب بولندا بالشكل المنتظر له، وفشل في التأهل من دور المجموعات، ورغم تسجيله هدفين أمام السويد، وهدفاً أمام إسبانيا، لم يسلم روبيرت من الاتهامات بالتخاذل، شبح في الملعب لا يظهر بمستواه الحقيقي، تلك الاتهامات التي تطارد البولندي دائماً في مشاركاته مع منتخبه الوطني.
وظهرت تلك الاتهامات لأول مرة بعد كأس العالم 2018، عندما شاركت بولندا في مجموعة السنغال واليابان وكولومبيا، وعدّها الجميع مجموعة في المتناول، إلا أن الفريق البولندي خسر مباراتين أمام السنغال وكولومبيا، قبل أن يغادر البطولة بفوز شرفي أمام اليابان.
ولم يظهر ليفاندوفيسكي بشكله المعتاد، فلم يسجل أو يصنع أي أهداف في بطولة كأس العالم تلك، فكان دائماً الخيار السهل هو اتهامه بالتخاذل، ويتناسى الجميع سجله التهديفي كأكثر من سجل وأكثر من خاض مباريات مع الفريق، حينها يجب أن نعلم أن هناك خطاً ما، لكن سيبقى في النهاية ليفاندوفيسكي هو الهداف التاريخي، حتى لو لم يستطع تحقيق أي بطولة مع منتخب بولندا.
محمد صلاح من فخر العرب إلى المتخاذل
أهدر محمد صلاح ركلة ترجيح أمام السنغال، في المباراة التي انتهت بخسارة مصر وعدم تأهلها لكأس العالم، وفور انتهاء المباراة كانت السوشيال ميديا تنفجر بوصف صلاح بـ"المتخاذل"، والهجوم عليه وعلى أدائه في تلك المباراة، وفي تلك اللحظات في كرة القدم دائماً ما نتذكر كلمات فابريغاس، رداً على هجوم جمهور باريس على ميسي ونيمار: "لا تمتلك كرة القدم ذاكرة".
فبعد أن كان فخر العرب على الأعناق منذ أربعة أعوام، بعد قيادته مصر للتأهل إلى كأس العالم روسيا، ورفضهم وضع أي أحد في تاريخ إفريقيا أو مصر في أي مقارنات معه، ورفضهم لعدم حصوله على الكرة الذهبية، حدث عكس هذا تماماً بعد مطالباتهم باعتزاله الدولي، وتركه المنتخب المصري، وأنه "عالة" على المنتخب وليس له فائدة!
يمكننا التحدث كثيراً بالفعل عن أداء محمد صلاح ووضع علامات الاستفهام حول الكثير من النقاط، خصوصاً في الالتحامات والتدخلات والركض و"القتال" على الكرة، الذي غاب عن صلاح في مباراة العودة في داكار، ولكن قبل هذا يجب علينا أن نجيب عن سؤالٍ مهم، فـ"الفيراري" لماذا أصبحت "دراجة" في المنتخب المصري؟
فليس من المنطقي البتة أن محمد صلاح لا يرغب في التأهل لكأس العالم، أو أنه سيتخاذل عن الظهور بشكل مؤثر قاصداً ذلك، فبغض النظر عن الأسباب الوطنية والعاطفية، كان من أقوى المؤثرات لترشح صلاح للكرة الذهبية هذا العام، هو عدم حصوله على أي لقب مع منتخبه الوطني، أو حتى تأهيله لكأس العالم القادمة، خصوصاً بعد تقديمه عاماً رائعاً ومميزاً مع ليفربول، ولكن مع المنتخب الوطني ظهر صلاح كدراجة قديمة، خصوصاً في مباراة العودة، حيث لم يكن له أي تواجد في الجانب الهجومي للمنتخب المصري.
ولكن لا يمكننا السؤال أين كان صلاح؟ ولكن الأصح أن نسأل أين كان الجانب الهجومي للمنتخب المصري في المباراة، بل وأين كان في مباراة الذهاب أيضاً، حيث كانت اللمحة الهجومية الوحيدة خلال المباراتين هي هدف "صلاح" في مباراة الذهاب وبعدها اختفى.
ولكن يدفع صلاح الآن ثمن ما قدمه له المصريون من دعم، فلن يتذكر أحد ضربة جزاء زيزو ولا مصطفى محمد، ولكن سيتذكر الجميع ركلة صلاح، وهذا ما يُذكرنا بميسي عندما أضاع الركلة الأولى أيضاً مع منتخبه الأرجنتين في نهائي كوبا أميركا، بالطبع جميع من شارك بالمباراة يستحق الانتقاد، نظراً للمستوى الذي ظهر به المنتخب، ولكن يجب الانتقاد الفني على قدر المباراة، ولكن التقليل من صلاح الذي سجل 45 هدفاً مع المنتخب الوطني وصنع 25 هدفاً، واتهامه بالتخاذل وإضعاف المنتخب المصري هو ما يستحق السخرية.
فحتى في أسوأ أحوال المنتخب المصري كانت الكرة في قدم صلاح دائماً مختلفة تماماً عن باقي اللاعبين، وتمريره للكرات وتسلمه لها، ورفع الضغط عن المنتخب أثناء فترات قوة السنغال، كل هذا كان مما قدمه صلاح، ففي حالة إن كان ما ورد في بعض التقارير عن تفكير صلاح بالاعتزال الدولي صحيحاً فسيكون هذا ضربة قوية للجيل القادم من المنتخب المصري، الذي يجب أن يُبنى للمستقبل، ولكن بوجود قوة ضاربة مثل صلاح.
ولنا في منتخب الأرجنتين الحالي قدوة، فبوجود ميسي ظهر الآن الكثير من اللاعبين المتميزين ليحملوا القميص مع البرغوث، وعليه، فيجب أن يكون هذا الحال مع صلاح أيضاً فيما هو قادم، ويجب أن نتذكر دائماً: "كرة القدم لا ذاكرة لها، فاليوم أنت فوق الأعناق وغداً أنت تحت الأقدام"، فلا يجب أن نكون نحن من عناصر هذه الذاكرة العاطفية سريعة النسيان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.