لا صوت في القاهرة يعلو على كأس العالم
ربما تعيش القاهرة أجواءً صعبة وظروفاً اقتصادية تؤثر بجميع طبقات المجتمع المصري، فيفتقد الجميع الفرح والابتسامة، لكن رغم ذلك كله إذا حضر الفَرح في مصر فلا بد أن تتكلم عن كرة القدم، البعض سيقول أفيون الشعوب وتغييب العقول وتستخدمها الأنظمة، إلا أنه أياً كانت النتائج فالمبدأ واحد، الشعب الذي افتقد الفرح لوقت طويل ينتظر مباراة الجيل للتأهل لكأس العالم 2022 في قطر، ليكتب رابع مشاركات منتخب مصر في كأس العالم ويكتب ثاني تأهل على التوالي لأول مرة في التاريخ، بعدما نجح جيل "محمد صلاح" في التأهل لروسيا 2018.
هذه المرة ليست بسهولة المرة الماضية، فدور المجموعات يعطيك بشكل أو بآخر الكثير من الفرص، ولكن الآن هما مباراتان فقط أمام بطل إفريقيا على حسابك، وهو أكثر فريقٍ في إفريقيا في الوقت الحالي من حيث الجاهزية.
استطاع الفراعنة المرور من الشوط الأول والفوز في مباراة الذهاب، ويتمنى الجميع الآن أن يغمضوا أعينهم ولا يستيقظوا إلا على صافرة الحكم، تتبعها احتفالات في الشوارع المصرية بعد التأهل من العاصمة السنغالية داكار، فما يهمك الآن ليس الأداء ولا محاولة لعب التيكي تاكا، وإنما المهم هو أنك حققت فوزاً في الذهاب ولم تستقبل أهدافاً، وما ينتظرونه أن تكتب قصة جديدة من قصص المنتخب المصري في كأس العالم.
لماذا السنغال هي الجانب الأقوى؟
على مر التاريخ، وخصوصاً في العصر الذهبي للكرة المصرية، كانت تواجه منتخب مصر مشكلة كبيرة في تصفيات كأس العالم، بعكس الأداء الذي كان يقدم في كأس أمم إفريقيا والبطولات المجمعة، وذلك لأنه في خلال التجمعات الطويلة يتمكن المنتخب المصري من الوصول لـ"فورمة" اللعب والتجانس بمرور الوقت والمباريات، حتى يبدأ في الوصول لأعلى قمة له في نهاية البطولة، وهذا ما رأيناه قبل شهر ونصف الشهر في أمم إفريقيا، حيث بدأ المنتخب البطولة في دور المجموعات بأداء لم يكن مقنعاً بشكل كافٍ، قبل أن يبدأ في العودة للأداء الجيد بدءاً بمباراة ساحل العاج وحتى النهائي.
ولكن في لقاء السنغال، مساء الجمعة، على عكس التوقعات، بدأ المنتخب المباراة بأداء فوق الخيالي، ولكنه بدأ في التراجع بشكل أو بآخر مع الوقت وحتى نهاية المباراة.
وليست لدينا تلك الرفاهية في مباراة داكار، وهذا ما أشارت إليه مصادر صحفية أن محمد صلاح قائد منتخب مصر الحالي أكد عليه مع اللاعبين قبل المعسكر، حيث أشاد بالأداء الذي قدموه في نهاية البطولة الماضية، ولكن أكد على أن المباراة القادمة تحتاج إلى البدء بقوة منذ البداية وحتى النهاية.
أيضاً ستلعب الغيابات في الجانب الدفاعي دوراً صعباً، خصوصاً بعد إصابة محمد عبد المنعم بكسر في الأنف، وخطورة عدم لحاقه بالمباراة القادمة، مع إيقاف الونش بسبب تراكم الإنذارات، فبدأنا في مسلسل جديد ومناقشة في الشارع المصري عن الأحق في مجاورة ياسر إبراهيم في التشكيل الأساسي.
لماذا مصر ليست الأقرب لكأس العالم؟
استكمالاً لما أشرنا إليه فمنتخب مصر ليس له حظ جيد في المباريات من ذلك النوع، فلم يكن الحظ حليفه في مباريات مشابهة، وآخرها مباراة الحسم التي أقيمت بين مصر والجزائر في 2009 في السودان، وحسم بها الخضر بطاقة التأهل لكأس العالم، حتى في التصفيات الماضية، عندما احتاج المنتخب الفوز على الكونغو في القاهرة لضمان التأهل لم يكن الأمر سهلاً، واحتاج المنتخب المصري حتى الدقيقة الأخيرة ليحرز محمد صلاح ركلة الجزاء الأخيرة.
بالطبع أيضاً لا يمكننا أن ننسى تشكيل وقائمة المنتخب السنغالي الحالية، والتي تتميز بالمحترفين بشكل قوي جداً، بل وبأسماء مميزة مثل ميندي، أفضل حارس في العالم، وساديو ماني، وكوليبالي، وغيرهم من الأسماء التي تمتاز بها كتيبة المدرب أليو سيسيه، وأيضاً يمتاز الفريق بالتجانس والثبات على التشكيل، خصوصاً بعد ثقة السنغاليين في سيسيه في الأعوام الماضية وثقة اللاعبين به.
وهذا ما ظهر بقوة في مباراة الذهاب، وبالرغم أيضاً من البداية المخيبة للمنتخب السنغالي والخسارة بهدف واحد فإن خبرات اللاعبين وثقة مشجعيهم فيهم ما زالت قد تحسم المباراة الأخيرة.
والآن نحن أما تحدٍّ قوي بين مدرب في الجهاز الفني للسنغال منذ عام 2012 وحتى الآن، في مشروع بدأ منذ سنوات يجني ثماره في الوقت الحالي، أمام مشروع حديث العهد لكارلوس كيروش.
هل يستطيع منتخب مصر الفوز والتأهل؟
بكل بساطة الإجابة نعم، ورغم كل نقاط القوة للمنتخب السنغالي، ورغم كل الأسماء الكبيرة، ورغم المشروع طويل الأمد، ورغم لمعان نجوم السنغال في الوقت الحالي، لكن جودة اللاعبين ليست هي المقياس دائماً، وتلك الأرقام والأوراق ليست هي العاكس الوحيد، وإلا لفاز الجميع برهانات كرة القدم.
وبلا شك يريد الجميع تأهل مصر لكأس العالم، خصوصاً بعد مشروع كارلوس كيروش، المدير الفني الذي بدأنا رؤية ما يريد تقديمه، وأن بنك الأفكار للبرتغالي مليء بالإبداع، ولكن يحتاج الوقت لظهور تلك الأفكار بشكل أفضل.
ما يضع كيروش في المنافسة أيضاً هو أنه مدرب يستطيع إفساد خطط الخصم بشكل جيد، يعرف كيف يمكنه أن يغلق مفاتيح اللعب لدى المنافس، ويبدأ في فرض قواعده الخاصة للعب، خصوصاً عندما تواجه فريقاً يعد أفضل منك في جودة العناصر، فكيروش قد يكون أفضل خيار لك في مباراة مثل المباراة القادمة، وأصعب منافس للسنغال ومدربها أليو سيسيه، وشئت أم أبيت فهوية المنتخب المصري في الوقت الحالي هي المرتدات والأسلوب الدفاعي، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي أهلت المنتخب لكأس العالم الماضية مع هيكتور كوبر.
ولكن يظل السبب الأول والأقوى الذي قد يعطي منتخب مصر الأمل في تلك المباراة هو الروح لدى الفريق، فمنتخب مصر والفرق المصرية بشكل عام تقدم دائماً أفضل أداء لها عندما تعطيهم كرة القدم فرصة للانتقام، فهذه هي الطريقة المثالية لشحن اللاعبين المصريين وتحفيزهم قبل المواجهات الحاسمة.
فبعد ضياع حلم كأس إفريقيا بركلات الترجيح ظهرت على اللاعبين فكرة الحسم في مباراة تصفيات كأس العالم، خصوصاً بعد ظهور محمد صلاح في كلمة وجهها لوزير الرياضة بعد المباراة في أول تعليق بعد الخسارة: "هنقدر ناخد حقنا منهم بعد شهر".
وتعد كأس العالم القادمة مميزة بشكل ما لمحمد صلاح، إذا تحقق حلم الصعود، لعدم استطاعته المشاركة في كأس العالم روسيا بشكل جيد لتأثره بالإصابة.
فكأس العالم الحالية تأتي في أفضل أداء للفرعون المصري، الذي يريد تقديم التأهل لمنتخبه مرة أخرى، خصوصاً أن كأس العالم القادمة ستأتي وهو بعمر الثالثة والثلاثين، وبالطبع قد يكون العمر بدأ في التأثير على صلاح في هذا الوقت.
لذلك لاحظ الجميع في مباراة الذهاب، وخصوصاً في بداية المباراة كمّ المجهود الخرافي الذي قام به صلاح، سواء في الجانب الدفاعي أو الهجومي، ليحاول أن يحمل المنتخب على كتفيه ويحقق حلم كأس العالم.
سيناريوهات ما بعد المباراة
قد تكتب لمصر الفوز وبطاقة المونديال، وفي تلك الحالة أراهن الجميع أن هذا الجيل سيكون مختلفاً بشكل كبير عن كل الأجيال الماضية، حتى الجيل الذهبي، وأن مشروع كيروش إن استمر بعدها سيكون من النماذج المثالية في تاريخ الكرة المصرية، خصوصاً للسن الصغيرة لهؤلاء اللاعبين.
ولكن ماذا إذا لم يستطع منتخب مصر التأهل وخسر؟ في هذا الوقت ما أتمناه هو ألّا تتدخل العواطف وتهدئة الشارع المصري في قرارات ما بعد تلك المباراة، فأتمنى ألا أرى خبر إهداء الشكر لكيروش، والبحث عن مدير فني جديد. فيجب الثقة في مشروع البرتغالي مهما كانت النتيجة في تصفيات كأس العالم الحالية، فكُرة القدم تحتاج دائماً إلى الوقت قبل النتائج، وتحتاج إلى الصبر، فلا بد من تجديد الثقة في كارلوس مهما حدث.
بدأنا في العد التنازلي لمباراة داكار، ويحمل اللاعبون ثقة الشعب المصري والشعوب العربية المساندة، خصوصاً بعد ما قدمته منتخبات إفريقيا، وقطعت شوطاً في التأهل، وضمان تأهل المنتخب السعودي، وعسى أن نرى العلم المصري في قطر، ونستمتع بمنتخب مصر في أول كأس عالم بأجواءٍ عربية قد تمنح المنتخب مشاركة للتاريخ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.