صنعت البوليساريو وتريد خلق “كويت مغاربية”.. قراءة في الموقف الجزائري من الصحراء الغربية

عدد القراءات
2,141
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/23 الساعة 14:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/23 الساعة 14:59 بتوقيت غرينتش
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (صفحة الرئاسة الجزائرية على فيسبوك)

حينما يردد المغاربة، حكومةً وشعباً ونخباً سياسية وثقافية، أن مشكلة "الصحراء الغربية" صناعة جزائرية خالصة، فإن الأمر يعود للإيمان الشعبي بأن جبهة "البوليساريو" هي صنيعة المخابرات الجزائرية التي لم تستسغ قط استرجاع المغرب لصحرائه، بشكل سلمي، من خلال المسيرة الخضراء التي لقنت الخصوم الاستعماريين دروساً بليغة في حكمة وتضحية الشعب المغربي.

ولذلك، كان رد النظام الجزائري سريعاً، ويحمل أكثر من إشارة على التضايق الكبير من الخطوة المغربية الناجحة التي تشكل تحدياً استراتيجياً للحكومة الناشئة في الجزائر العاصمة.

ولعل هذا ما يؤكده الكاتب والصحفي الجزائري "يحيى أبو زكريا" حينما ينقل لنا الحكاية الكاملة للولادة القيصرية لجبهة "البوليساريو" على الأراضي الجزائرية  تحت رعاية كاملة للمخابرات العسكرية، "فقد أوعز الرئيس الجزائري الأسبق "هواري بومدين" إلى مدير المخابرات العسكرية في عهدة "قاصدي مرباح" باحتضان مجموعة من الطلبة الصحراويين الذين كانوا يدرسون في الجامعات الجزائرية- ومنهم الأمين العام لجبهة البوليساريو- ومدّهم بالمال والسلاح ومساعدتهم بتأسيس جبهة تنادي بإقامة دولة في الصحراء الغربية".

الحركات الانفصالية التي تحمل السلاح
مقاتلين من جبهة البوليساريو خلال عرض عسكري في الصحراء الغربية، أرشيفية/ رويترز

ويضيف الكاتب الجزائري موضحاً: "كان هدف بومدين من هذه الاستراتيجية هو إشغال المغرب بقضية الصحراء الغربية؛ حتى لا ينشغل بصحراء تندوف "الجزائرية" التي كان يعتبرها العاهل المغربي الراحل "الحسن الثاني" مغربية أيضاً. كما أن "بومدين" كان يحرص على أن يكون للجزائر مطل على المحيط الأطلسي، ولن يتأتى ذلك للجزائر إلا إذا تولت جبهة البوليساريو إقامة دولتها في الصحراء الغربية". (1)

إن هذه الحقيقة التاريخية التي ينقلها لنا كاتب جزائري، هي نفسها التي ينطلق منها المغرب الرسمي والشعبي كذلك، لأن مسألة الصحراء ليست قضية رسمية وحسب، ولكنها قضية الشعب المغربي ككل بجميع فئاته وتياراته السياسية والفكرية. ومن هذا المنطلق، فإن المغرب على تمام الوعي بالتدخل الجزائري المباشر في صنع كيان وهمي، وإلباسه لبوس المشروعية المزورة عبر شراء ذمم الدول الإفريقية الفقيرة بأموال الشعب الجزائري للاعتراف به، وكذلك عبر تجييش الدبلوماسية الجزائرية أمام المحافل الدولية للدفاع عن الأيديولوجيا والمصالح بأسماء مشبوهة مثل "روح الثورة الجزائرية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها…"!

إن النظام الجزائري، حينما عمل على صنع "البوليساريو"، لم يكن ينطلق من مبادئ مثالية- كما قد يوهمنا الإعلام المخابراتي الجزائري- ولكنه كان مدفوعاً بقوة المصالح الاستراتيجية التي يمكن لكيان صغير ضعيف مثل البوليساريو، أن يحققها له وبأقل تكلفة ممكنة. ولذلك، فإن همَّ جنرالات الجزائر ليس تقرير مصير الشعب الصحراوي، الذي هو، بالمناسبة، شعب مغربي بمعايير التاريخ والجغرافيا، وإنما هو تفكيك المغرب إلى قطع دومينو؛ كي يسهل التلاعب بمصيره لتحقيق الحلم النابليوني لنظام سياسي عسكري توسعي.

ولذلك، فإن الجزائر التي تبنَّت مشروع جبهة البوليساريو وأيدتها، إعلامياً وسياسياً ومالياً ولوجيستياً- يؤكد يحيى أبو زكريا- لا تريد أن ينتهي الصراع المرير حول الصحراء الغربية دون أن تجني ثماراً سياسية واستراتيجية، وعلى رأسها أن يكون لديها منفذ على المحيط الأطلسي، وأن تضع حداً "للأطماع" المغربية القديمة في صحراء تندوف "الجزائرية"، وذلك عبر إقامة دولة صحراوية بينها وبين المغرب. (2)

هكذا، يمكن أن نفهم جيداً الاقتراح الجزائري بتقسيم الصحراء المغربية مع المغرب، حيث يؤكد يحيى أبو زكريا في السياق نفسه، أن الجزائر أبدت استعدادها للتعاطي مع مشروع التقسيم، بل إن المندوب الجزائري الدائم لدى الأمم المتحدة "عبد الله بعلي" وفي رسالة له إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أبدى استعداد الجزائر لمناقشة مشروع تقسيم الصحراء الغربية! (3)

إن الطموح التوسعي الجزائري في الصحراء واضح بجلاء منذ خروج هذا المشكل المفتعل إلى العلن، من خلال الدعم الجزائري اللامحدود لأطروحة الانفصال ليس باعتبارها تجسيداً لحق الصحراويين في تقرير مصيرهم، ولكن باعتبارها أفضل السبل التي تحقق الحلم التوسعي لجنرالات الجزائر على حساب الحقوق المشروعة للمغرب.

موقع ويكيليكس.. الكشف عن المستور 

كشفت الوثائق التي سربها موقع "ويكيليكس" هذه الحقيقة، من خلال تسريبه الحوار الذي دار بين وزير الخارجية الجزائري الأسبق "عبد العزيز بوتفليقة" ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر" والذي تم التركيز فيه على قضية الصحراء. (4)

وهذا الحوار يمثل، إلى أبعد الحدود، السياسة الخارجية الجزائرية بخصوص ملف الصحراء، خصوصاً أن المُحاوِر الجزائري هو "عبد العزيز بوتفليقة" عراب السياسة الخارجية للجزائر خلال الحرب الباردة.

يتردد في الحوار ربط غير منطقي، بل تعسفي بين قضيتين مختلفتين تمام الاختلاف؛ القضية الفلسطينية قضية كل العرب والمسلمين ولا يُسمح لأي أحد منا بأن يزايد عليها وهي قضية استعمار صهيوني للأراضي العربية والقرارات الدولية واضحة في هذا المجال. وقضية الصحراء المغربية التي تعتبر امتداداً ترابياً مغربياً تم استرجاعه من المستعمر الإسباني عبر نضالات شعبية تُوِّجت بحدث المسيرة الخضراء سنة 1975، وقرار المحكمة الدولية في "لاهاي" واضح في هذا الإطار وضوحاً تاماً حتى وإن عملت الجزائر على تحويره لخدمة مصالحها.

لكن، السياسة الخارجية للجزائر تضرب بكل هذه الحقائق عرض الحائط، مُصرَّة على أن القضيتين متشابهتان، وبالتالي يجب التعامل مع المغرب دولياً وإقليمياً كما يتعامل مع إسرائيل! 

الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة في باريس عندما كان وزيراً للخارجية، أرشيفية/ wikimedia commons

يخاطب بوتفليقة نظيره كيسنجر: "أعتقد أننا إذا أردنا أن نعالج الموضوع بطريقة سليمة، يتعين علينا أن نتكلم بطريقة صريحة ومباشرة. مشكلة الصحراء سابقة من نوعها في العالم وهي كذلك مشكلة مهمة بالنسبة للشرق الأوسط". وحينما يستفسر  كيسنجر: "لماذا هي ذات أهمية بالنسبة للشرق الأوسط؟". يجيب بوتفليقة: "هل تعتقد أن العرب سيتخلّون عن الفلسطينيين في حالة ما إذا حصل اتفاق سلام بين مصر وسوريا والأردن وإسرائيل؟ الأمر سيان، لا يمكن التخلي عن الشعب الصحراوي أو حتى الشعب الناميبي. المغرب وموريتانيا جزء من المشكل، وهم يسعون لتسوية القضية، وحالياً لدينا قرار محكمة العدل الدولية". يتردد كيسنجر في قبول وجهة نظر بوتفليقة: "لا أعلم ماذا يعني مفهوم تقرير المصير بالنسبة لمشكل الصحراء، إنني أتفهم الأمر بالنسبة للفلسطينيين لكن الأمر مختلف نوعاً ما".
لكن بوتفليقة يردُّ على تردد كيسنجر بنموذج آخر: "إذن فشعب قطر ليس ذا أهمية". ويضيف بوتفليقة: "لقد عاينتم وضعية احتلال الأرض في منطقة الشرق الأوسط، وسياسة الأمر الواقع والجميع يتحدث عن المفاوضات".

المصالح الاقتصادية الجزائرية في الصحراء

يروج النظام الجزائري، سياسياً وإعلامياً، أنَّ دعمه للانفصال في الصحراء المغربية نابع من دفاعه عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو نابع كذلك من إيمانه الراسخ بروح الثورة الجزائرية.

لكن الوقائع على الأرض تنفي هذه الادعاءات، جملةً وتفصيلاً، وتثبت بالمقابل أن الدعم الجزائري للانفصال في الصحراء ترجمة للمصالح الجزائرية بالمنطقة، والتي تمر عبر كيان ضعيف تابع بشكل كامل للنظام الجزائري.  

يخاطب وزير الخارجية الجزائري الراحل بوتفليقة، هنري كيسنجر: "ثمة "في الصحراء" ثروة كبيرة. في ظرف عشر أو اثنتي عشرة سنة ستصبح "الصحراء" بمثابة كويت المنطقة. يستدعي بوتفليقة نموذج "الكويت" هنا؛ ليوحي لمحاوره بأن الولايات المتحدة ستستفيد اقتصادياً من كيان صحراوي مستقل أكثر مما ستستفيد من دخوله تحت السيادة المغربية، والنموذج واضح في نظر بوتفليقة: أمريكا تستفيد من بترول الكويت أكثر بعدما دعمت استقلالها عن العراق!".

والمصالح الأمريكية، طبعاً، يجب أن تمر عبر القناة الجزائرية، بمعنى أن كويت المنطقة التي يحلم بها "بوتفليقة" ستكون امتداداً طبيعياً للجزائر، لأنها ببساطةٍ صنيعتها الطيعة. 

إن بوتفليقة حينما يقدم الصحراء بمثابة كويت المنطقة، فهو ينطلق من رؤية واضحة تسعى إلى المحافظة على المصالح الجزائرية، خصوصاً أن كثيراً من الدراسات أثبتت أن منطقة الصحراء غنية بالمعادن، لاسيما بعد أن تأكد وجود خام الحديد فيها.

ويبدو هذا من خلال التقرير الذي أعدته إحدى الشركات الفرنسية المكلفة بدراسة استغلال الحديد في المنطقة، والذي مفاده أن نسبة خام الحديد في المنطقة يبلغ 75%، وأن هذا الإنتاج إذا أضيف إلى إنتاج موريتانيا فسيمثل نسبة 50% من احتياجات السوق الأوروبية المشتركة. (5)

هكذا يبدو أن الجزائر لا تتعامل مع أزمة الصحراء من منظور حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، ولكن من منظور المصالح الجزائرية التي لا يمكنها أن تأمن عليها في المنطقة إلا من خلال كيان ضعيف لا يمتلك سيادة على الأرض. 

التأويل الجزائري الخاطئ لقرار محكمة العدل الدولية 

ينطلق النظام الجزائري، ومعه جزء كبير من الصحافة، من مقدمة منطقية يبنون عليها جميع الخلاصات اللاحقة، تقول هذه المقدمة إنه صدر قرار من محكمة العدل الدولية يقر بغياب أية روابط بين المغرب وإقليم الصحراء، ولذلك فهم يستخلصون أخيراً أن أزمة الصحراء تدخل في خانة "تصفية الاستعمار"، ولذلك يجب على الأمم المتحدة أن ترعى خيار تقرير المصير في الصحراء.  لكن، ما مدى صلاحية هذا البناء المنطقي سياسياً؟ هذا هو السؤال الحقيقي.

أولاً، قرار محكمة العدل الدولية يؤكد، بالصريح والمباشر، العلاقات التاريخية والقانونية التي تربط المغرب بامتداده الصحراوي، وذلك من خلال توقف قضاة المحكمة على عنصر البيعة كمعطى أساسي يؤكد سيادة المغرب على صحرائه، وذلك اعتماداً على وثائق تاريخية تثبت ذلك.

والبيعة تعتبر في القانون الإسلامي أساس الشرعية السياسية التي تتمتع بها الدولة؛ في علاقتها بالجماعة أو الجماعات التي تدخل ضمن سيادتها، وذلك لأنها تعاقُد بين الجماعة والسلطة التي تمثلها انطلاقاً من معايير واضحة يقبل بها الطرفان المتعاقدان.  

ومن المؤكد تاريخياً، أن الدولة المغربية منذ تأسيسها مع الأدارسة "788-974م" استلهمت روح القانون الإسلامي الذي يربط أسس الشرعية السياسية بالبيعة باعتبارها معياراً أساسياً يؤكد مشروعية أي نظام سياسي أو ينفيها.

هكذا، يبدو أن قرار المحكمة الدولية واضح في إقراره بسيادة المغرب على صحرائه، وهو الإطار القانوني الذي أعطى مشروعية كاملة للمسيرة الشعبية التي حطمت الحدود الوهمية بين المغرب وصحرائه، وأي تأويل خاطئ لهذا القرار فهو لا يعني المغرب، بل يعبر عن وجهة نظر غير سليمة سواء تعلَّق الأمر باليمين الإسباني أو تعلَّق الأمر بالنظام الجزائري. 

وبناءً على هذه المشروعية القانونية التي تؤكد مغربية الصحراء، يبدو أن شعار "حق تقرير المصير"، المبنيّ على أساس فكرة تصفية الاستعمار، قد أصبح متهالكاً ولا يمتلك أية مشروعية قانونية أو سياسية.

ولعل هذا هو ما وعته الأمم المتحدة، ولو بشكل متأخر، خصوصاً مع المبعوث الأممي السابق إلى منطقة الصحراء "فان والسوم" الذي اقتنع، بعد بحث وتقصٍّ، بأن خيار استقلال الصحراء عن المغرب خيار غير واقعي، داعياً في الوقت نفسه إلى حل توافقي مُستلهم من أرض الواقع، ومؤكداً في الآن ذاته أن الواقع السياسي على الأرض يوجد بين يدي المغرب.

وفي مقال رأي له، نشرته جريدة "إلباييس" الإسبانية، انتقد المبعوث الأممي كل من يراهن على استقلال الصحراء عن المغرب، ويساهم بذلك في إطالة أمد معاناة الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف، وقد وجه نقده إلى اليمين الإسباني، داعياً إياه إلى التساؤل عما إذا كان يفكر بشكل سليم بتشجيعه البوليساريو على الإصرار على الاستقلال التام. والسيد "والسوم" كان في الآن نفسه يوجه انتقاده إلى النظام الجزائري الذي يركب مركب اليمين الإسباني نفسَه. (6)

منطق النظام الجزائري

إن النظام الجزائري بمعاكسته لمنطق التاريخ والجغرافيا والقانون الدولي، بخصوص قضية الصحراء، بناءً على ادعاءات واهية، يقدم الدليل تلو الدليل على أنه نظام لا يعير أي اهتمام للمصالح المشتركة بين الشعبين الجارين، ولا يقدر التضحيات المشتركة التي ساهمت في طرد آخر فلول الاستعمار من المغرب والجزائر.  

إن النظام الجزائري بإصراره اللامعقول على مواجهة المغرب، بمنطق لا يستجيب لأبسط مقومات الواقعية السياسية، يتحمل مسؤولية تاريخية بخصوص المصير المغاربي المجهول الذي لا خيار لشعوب المنطقة غيره، وأي تمادٍ في معاكسة حقوق المغرب التاريخية المشروعة في صحرائه هو إجهاض لطموحات شعوب المنطقة المغاربية التي يجمعها مصير مشترك تفرضه الجغرافيا كما يفرضه التاريخ.

قائمة المراجع

  1. يحيى أبو زكريا، الطريق إلى الصحراء الغربية عبر تل أبيب، ص:7.
  2. المرجع نفسه، ص: 12
  3. المرجع نفسه، ص: 13
  4. محضر محادثات "ويكيليكس"، وثيقة سرية للقاء بين بوتفليقة وكيسنجر حول الصحراء المغربية، انظر جريدة الاتحاد الاشتراكي، 26 أغسطس/آب 2010.
  5. مهابة أحمد، نزاعات الحدود بين بلدان المغرب العربي، مجلة السياسة الدولية، العدد 111، مطابع الأهرام بمصر ـ  ص: 242.
  6. مقال رأي للمبعوث الأممي إلى الصحراء "فان والسوم"، في جريدة "إلباييس" الإسبانية، 28 أغسطس/آب 2008، نقلاً عن وكالة المغرب العربي للأنباء.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إدريس جنداري
كاتب وأكاديمي مغربي
تحميل المزيد