في إحدى حلقات الموسم الرابع من مسلسل الكبير للفنان أحمد مكي قام هو وأبطال العمل بمحاكاة الفيلم المصري الشهير "شمس الزناتي"، الذي جسَّد خلاله الفنان عادل إمام شخصية شاب مصري يترك حياة "العربدة" في القاهرة ويشكل فريقاً من أصدقائه القدامى، ليُلبي نداء قبيلته بالدفاع عنهم وتخليصهم من ذل جنرال إنجليزي يستولي على خيرات القبيلة بصورة دورية دون وجه حق.
وفي النسخة الحديثة من العمل في مسلسل الكبير، وبعد حلقتين من المعارك العبثية التي لم تضر سوى أهل القبيلة، تفاجأ "الكبير أوي" الذي جسد شخصيته الفنان أحمد مكي باختفاء قوات العدو من أمامهم، ورغم أن تصرف تلك القوات غير مفهوم إذا ما كان استراحة محارب على سبيل المثال أو انسحاباً، إلا أن مكي قرَّر بحنكة مصرية خالصة أن يستغل هذا الاختفاء لصالحه، قائلاً عبارته الشهيرة لزملائه: "يللا نظيطوا"َ.
كان يعلم الكبير أوي أهمية الـ"بروبجاندا" في تأكيد الانتصار في أي معركة عسكرية أو سياسية، لذلك حرص على أن "يظيط" بنصر وهمي أمام أبناء القبيلة، بعد أن امتص ثرواتهم شيئاً فشيئاً من أجل الإعداد للمعركة.
لكن العبثية هنا تتمثل في جزئيتين رئيسيتين؛ الأولى هي أن الكبير أوي لم يحقق الانتصار الذي يحتاج لتأكيده بالبروبجاندا؛ والثانية أن الكبير مجرد مسلسل كوميدي الهدف منه الضحك، حتى وإن كان ضحكاً بلا هدف كما يقول الفنان طلعت زكريا رحمه الله. ولذلك فإن استنساخ تجربة الكبير أوي في الواقع لا يُنتظر منه سوى أن يقدم الكثير والكثير من الضحك بلا أي هدف.
وهذا ما حدث تحديداً في احتفالية جماعة الإخوان المسلمين، فرع ما بات يُعرف بـ"مكتب محمود حسين" في إسطنبول، بالذكرى الـ94 لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين، حيث تجمع العشرات، وفي أقصى تقدير المئات من العائلات التي تنتمي لهذا المكتب داخل إحدى القاعات الفارهة، ليقدموا لنا الكثير من الضحك على مدار ساعات، لكن المختلف هنا أن العبثية لا تقتصر على جزئيتين صغيرتين مثلما حدث في مسلسل الكبير، بل في الكثير من الأشياء.
ومنها على سبيل المثال إطلاق مسمى احتفالية على هذا التجمع، فإن كان الأمر كذلك فبأي شيء يحتفلون؟ هل يحتفل السيد محمود حسين ورفاقه بمرور 9 سنوات على الانقلاب العسكري على الرئيس الراحل محمد مرسي -رحمه الله- والذي تبعه تنكيل هو الأقوى ضد الجماعة، دون أن يحرز هو أو رفاقه أي إنجاز حقيقي للمساعدة في رفع هذا البلاء عن إخوانه من قيادات الإخوان في السجون؟
أم يحتفل مثلاً بالشرخ الذي مزَّق جسد الإخوان المسلمين وجعلها في أضعف صورة ممكنة على مدار تلك الأعوام الـ94، والذي تسبب فيه هو ومن حوله بصورة مباشرة، أم يحتفل محمود حسين وجماعته بالتدني الأخلاقي الكبير الذي وصل إليه فريقهم في تعاملهم مع منافسيهم داخل الجماعة، والذي وصل للخوض في سيرة رفاقهم الذين ودعوا عالمنا ورحلوا، تاركين لهم الجمل بما حمل، كما وصل إلى حد الاستهانة بآلام المعتقلين المنتمين لجماعة الإخوان وغيرهم، بالتشكيك مراراً في استغاثاتهم التي ترسل من داخل السجون، على أمل أن تحرك شيئاً في المياه الراكدة، وأن يكف حسين ورفاقه عن التناحر الذي ينخر أجساد هؤلاء المعتقلين قبل أي شخص آخر.
أم ربما يحتفل محمود حسين وجماعته بنجاحهم في الانقلاب على الديمقراطية، التي ثارت لأجلها جماعة الإخوان المسلمين على مدار السنوات الماضية، وتطورهم كثيراً في بعض الألاعيب التي لطالما عانت الجماعة منها، مثل التزييف والتزوير وقلب الحقائق، وهنا أقصد ما حدث في الانتخابات الداخلية لجماعة الإخوان في تركيا، والتي لقي فيها رفاق حسين هزيمة ساحقة.
في النهاية، إن لم يكن أيٌّ من تلك الأمور هي دوافع إقامة تلك الاحتفالية كما هو متوقع، فهناك سبب حقيقي وحيد يقف وراءها في رأيي ورأي الكثيرين غيري، وهو "الظيطة"، على طريقة الكبير أوي، الظيطة التي يحتاجها كل فريق يعلم يقينا من داخله أنه مهزوم، أو أنه على أقصى تقدير ليس منتصراً، ولذلك "يظيط" وينفق الكثير من أمواله على هذا، أملاً في أن يرسمه المال منتصراً، وألا يتساءل الكثيرون عن أسباب الاحتفال أو دوافعه أو مصدر تلك الأموال، أو ما تحقق من انتصار قبله كذلك، أملاً في أن يقتصر مشاهدو هذه الاحتفالية على قيادات أقطار الجماعة المختلفة في الكثير من دول العالم، وأيضاً على الصحافة والسياسيين والحكومات، وألا تمر أمام أعين أهالي المعتقلين أو المعتقلين أنفسهم وكذلك أهالي الشهداء.
هؤلاء الذين ضحَّى ذووهم بأعمارهم وأرواحهم في سبيل الدفاع عن شيء تم الاستيلاء عليهم بالكامل وتدميره وتشويهه على يد هؤلاء الكهول الذين ظهروا في احتفالية جماعة الإخوان "مكتب محمود حسين"، بالذكرى الـ94 لتأسيس الجماعة في إسطنبول، تحت شعار "أصالة واستمرارية".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.