تُجبر الحرب الروسية الأوكرانية إسرائيل على السير على حبل مشدود. وأوكرانيا هي شريك اقتصادي مهم لإسرائيل في قطاعَي الزراعة والتكنولوجيا، كما أنها موطن لعشرات الآلاف من اليهود، كلا البلدين عضو في المجال الاجتماعي والسياسي الغربي، وأشارت أوكرانيا إلى استعدادها للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، على الرغم من حقيقة أن المدينة تتمتع بوضع محتل وفقاً للأمم المتحدة.
ويعلم الجميع أن روسيا كانت شريكاً محورياً لإسرائيل في سوريا، فيما يتعلق بالضربات الجوية الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية والحليفة. وعلى مدى سنوات كانت إسرائيل تتغازل مع روسيا فلاديمير بوتين، حيث أقامت علاقات وثيقة للغاية مع الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع أهم متبرع لها: الولايات المتحدة.
الآن تجد إسرائيل نفسها محاصرةً بين المصالح والمواقف العالمية المتناقضة، مترددة في اتخاذ خيار واضح.
وفي محاولة أخيرة لتجنب النزول بطريقة أو بأخرى، حيث تحتشد الغالبية العظمى من الرأي العام العالمي وراء القضية الأوكرانية، حاولت إسرائيل تصوير نفسها على أنها وسيط نزيه بين موسكو وكييف، مدعية أن لديها مصالح خاصة واحتياجات فريدة.
وفي الآونة الأخيرة، اتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بكل من نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وبوتين، لكنها كانت مهزلة، وكان بينيت يعلم جيداً أنه ليست هناك حاجة لأن يكون وسيطاً، لأن بوتين غير مهتم بأي حل معقول لإنهاء الحرب، ولن يرضيه سوى استسلام أوكرانيا الكامل.
وأن المؤسسة العسكرية والأمنية والدبلوماسية الإسرائيلية تخشى من أنه إذا انضمت البلاد إلى العالم في إدانة العدوان الروسي، وتتبع الغرب في فرض عقوبات على الشركات والبنوك والقلة الروسية، فسوف تجلب على نفسها حنق بوتين في سوريا وخارجها.
ومنذ أن تدخلت روسيا في سوريا عام 2015 لإنقاذ حكومة بشار الأسد، لعبت موسكو لعبة مزدوجة، فمن ناحية تعاون جيش بوتين مع الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية المتحالفة معه لهزيمة الفصائل المتمردة، وإلى حد ما جماعة تنظيم الدولة الإسلامية. ومن ناحية أخرى، غضت روسيا الطرف عن أكثر من 1000 غارة جوية إسرائيلية ضد أهداف إيرانية وحزب الله في سوريا، وفي بعض الحالات، كضرر جانبي، قُتل جنود سوريون ودُمرت معداتهم.
ومع ذلك فقد منع بوتين الجيش السوري من استخدام بطاريات الدفاع الجوي إس-300 ضد الطائرات الإسرائيلية، وهي أنظمة باعتها موسكو نفسها إلى دمشق. وعلاوة على ذلك، فإن القوات الروسية المتمركزة في سوريا محمية بواسطة أنظمة إس-400 الأكثر تقدماً، والتي ظلت كامنة حيث ضربت الطائرات الإسرائيلية شركاء روسيا على الأرض. ويعتقد أن أنظمة الدفاع الجوي هذه، إذا تم تفعيلها، ستحد بشكل كبير من حرية إسرائيل في العمل. وفي مناسبات قليلة شجعت روسيا إسرائيل على توجيه ضربة قوية إلى الإيرانيين، عندما شعرت موسكو بأن وجود طهران ونفوذها في سوريا قد أصبحا عميقَي الجذور.
والشخص الذي لديه علاقات وثيقة مع بوتين كان رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، والتقى مراراً مع الزعيم الروسي خلال العقد الماضي، وكان بوتين يزور القدس من حين لآخر.
وكان نتنياهو متجاوباً مع طلبات بوتين بمنح روسيا ممتلكات تابعة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، مثل الكنائس والأديرة، التي تعقدت ملكيتها بسبب الثورة الروسية والانقسامات الدينية، ولم يكن بوتين هو القومي اليميني الوحيد والزعيم الشعبوي الذي تحالف نتنياهو معه.
كما أقام زعيم الليكود علاقات وثيقة مع دونالد ترامب، والبرازيلي جاير بولسونارو، والمجري فيكتور أوربان، وماتيوس موراويكي من بولندا.
وخلال الحملات الانتخابية الأربع التي خاضها من 2019 إلى 2021، عرض نتنياهو بفخر ملصقات ضخمة له بصحبة بوتين، مع تسمية توضيحية تقول "الدوري المختلف".
ومما لا شك فيه أن بوتين سوف يغضب إذا فرضت إسرائيل عقوبات على روسيا، بل إنه قد يرد بجهود للحد من العمل العسكري الإسرائيلي في سوريا.
وفي الواقع، يمكن القول إنه في حين تحتاج إسرائيل إلى بوتين لعملياتها المستمرة ضد إيران في سوريا، فإن الرئيس الروسي يحتاج إلى إسرائيل أيضاً.
وإن العلاقة بين إسرائيل وروسيا بعد الحرب الأوكرانية لن تكون لعبة محصلتها صفر.
والجدير بالذكر أن السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد أعربت عن استيائها، عندما رفضت إسرائيل أن تكون من بين مقدمي مشروع قرار يدين روسيا في الجمعية العامة.
كما حذرت وزارة الخزانة الأمريكية إسرائيل من مساعدة القلة الروسية الذين يقومون بغسل الأموال في البنوك الإسرائيلية، والتي كانت في الماضي بمثابة ملاذات ضريبية.
ومع كل الصعوبات والشعوذة لا يمكن لإسرائيل تجنب الخيار الاستراتيجي الذي اتخذته قبل عقود؛ كانت رقائقها دائماً على الجانب الأمريكي من طاولة الروليت.
وبالنسبة لمعظم الإسرائيليين وقادتهم، في نهاية المطاف، فإن القرار الذي يجب اتخاذه بين غضب بوتين واستعداد بايدن واضح.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.