في الواقع نجد أن العناوين الرئيسية كثيراً ما تتحدث عن تحرك الدولار نحو الهبوط في الأشهر الأخيرة، حيث هبطت قيمته بكل تأكيد من مارس/آذار 2020 إلى الآن. ولكن بينما انخفض الدولار عن ذروته الأخيرة، فإنه لا يزال أعلى من المستويات التي شهدناها خلال معظم عام 2019، لذا هل نحن بحاجة إلى القلق بشأن مخاطر انهياره؟
عاملان هامان
إن الانهيار يمكن "حسابياً" أن يحدث حين تنخفض قيمة الدولار الأمريكي إلى مستويات متدنية للغاية، لكن يجب أن يتوافر شرطان قبل أن ينهار الدولار، يجب أن يكون هناك ضعف أساسي في قيمة الدولار الأمريكي، ويجب أن يكون هناك بديل قابل للتطبيق. بعبارة أخرى، يجب أن يكون هناك سبب لفرار الناس من الدولار، ويجب أن يكون هناك مكان يذهبون إليه.
وإلا سيظل الدولار هو العملة العالمية، إذ تتطلب غالبية العقود الدولية دفعاً بالدولار، وهذا يزيد أيضاً من استقرارها.
الضعف الكامن
لا يظهر الدولار ضعفاً أساسياً، بين يناير/كانون الثاني 2008 و2020، تعزز الدولار بنسبة 30% من 89.2 إلى 115. كما أدت جائحة فيروس كورونا إلى تعزيزه بنسبة 10% أخرى، حيث ارتفع بنسبة 126.4 في الثالث والعشرين من مارس/آذار 2020.
لماذا؟ لا يزال يُنظر إلى الاقتصاد الأمريكي على أنه الأقوى في العالم، يثق المستثمرون بأن الحكومة الأمريكية سوف تدعم عملتها. تعتمد قوة الدولار على استخدامه كعملة احتياطية للعالم. فقد أصبح الدولار العملة الاحتياطية في عام 1971، عندما تخلى الرئيس ريتشارد نيكسون عن معيار الذهب.
كعملة عالمية، يتم استخدام الدولار في نصف جميع المعاملات عبر الحدود. وهذا يتطلب من البنوك المركزية الاحتفاظ بالدولار في احتياطياتها لدفع ثمن هذه المعاملات، ونتيجة لذلك فإن 61% من احتياطيات العملات الأجنبية هذه بالدولار.
بديل عملة قابلة للتطبيق
لا يوجد بديل عملة قابلة للتطبيق للجميع للشراء، العملة التالية الأكثر شعبية بعد الدولار هي اليورو، ولكنها لا تشكل سوى 21% من احتياطيات البنك المركزي.
تزعم الصين وغيرها ضرورة إنشاء عملة جديدة واستخدامها كعملة عالمية، وتريد الصين أن تكون عملتها اليوان. من شأن ذلك أن يعزز النمو الاقتصادي للصين. ولم تتخذ الصين خطوات كافية لجعل عملتها متداولة على نطاق واسع، إنها فقط 2% من احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية.
كما أنه من غير المحتمل أن تحل عملة البيتكوين محل الدولار كعملة عالمية جديدة، فإن قيمة البيتكوين متقلبة للغاية، لأنه لا يوجد بنك مركزي لإدارتها، كما أصبحت العملة المفضلة للاقتصاد الأسود، وهذا يجعلها عرضة للتلاعب من جانب قوى مجهولة.
ملكية أكثر من 6 تريليونات دولار من الديون الأمريكية
لا يمكن أن يحدث الانهيار دون حدث مُثير يدمر الثقة في الدولار، وإجمالاً تمتلك الدول الأجنبية أكثر من 6 تريليونات دولار من الديون الأمريكية. وأكبر دولتين هما الصين واليابان، إذا تخلّصتا من ممتلكاتهما من سندات الخزانة فقد تتسبب في حالة من الذعر تؤدي إلى الانهيار. تمتلك الصين ما يقرب من تريليون دولار من الخزينة الأمريكية. فالصين تربط اليوان بالدولار. وهذا يجعل أسعار صادراتها إلى الولايات المتحدة رخيصة نسبياً.
كما تمتلك اليابان بدورها أكثر من 1.2 تريليون دولار في الخزانة، كما أنها تريد إبقاء الين منخفضاً لتحفيز الصادرات إلى الولايات المتحدة. فاليابان تخرج من دورة انكماشية دامت خمسة عشر عاماً.
لماذا لا تبيع الصين واليابان الدولار؟
هل ستتخلص الصين أو اليابان من دولاراتهما حقاً؟ فقط إذا رأتا ممتلكاتهما تتراجع في قيمتها بسرعة كبيرة. يعتمد اقتصاد اليابان والصين على المستهلكين الأمريكيين، وهما تعرفان أنهما إذا باعتا دولاراتهما فإن أفعالهما ستزيد من انخفاض قيمة الدولار. وبالتالي فإن منتجاتهما، التي لا تزال مسعرة باليوان والين، ستكلف أكثر نسبياً في الولايات المتحدة، وستعاني اقتصاداتهما. وبالتالي ففي الوقت الحالي لا يزال من مصلحتهما الاحتفاظ باحتياطياتهما من الدولار.
والواقع أن الصين واليابان تدركان مدى ضعفهما من هذه الناحية، بل إنهما تبيعان أكثر لدول آسيوية أخرى، أصبحت بالتدريج أكثر ثراءً، ولكن الولايات المتحدة لا تزال السوق الأفضل على مستوى العالم.
هل تريد الدول المتقدمة انهيار الدولار الآن؟
من غير المحتمل أن ينهار الدولار الأمريكي على الإطلاق، فالبلدان التي لديها القدرة على تحقيق ذلك مثل الصين واليابان والدول الأجنبية الأخرى الحائزة للدولار، لا تريد أن يحدث ذلك، هذا ليس في مصلحتها، لماذا تفلس أفضل عميل لديك؟ بدلاً من ذلك، سيستأنف الدولار في نهاية المطاف انخفاضه التدريجي حيث تجد هذه البلدان أسواقاً أخرى.
آثار انهيار الدولار
إن الانهيار المفاجئ للدولار من شأنه أن يخلق اضطرابات اقتصادية عالمية. وسوف يندفع المستثمرون إلى عملات أخرى مثل اليورو، أو الأصول الأخرى، مثل الذهب والفضة وغيرها. وسوف ينخفض الطلب على الخزانة إلى مستويات متدنية للغاية، وسوف ترتفع أسعار الفائدة. وسوف ترتفع أسعار الواردات الأمريكية إلى عنان السماء، ما يؤدي إلى التضخم. وسوف تكون الصادرات الأمريكية رخيصة للغاية. هذا من شأنه أن يعطي الاقتصاد دفعة وجيزة، ولكن على المدى الطويل فإن التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة والتقلبات من شأنها أن تخنق نمو الأعمال المحتمل. وسوف تتفاقم البطالة، وهو ما يعيد الولايات المتحدة إلى الركود أو حتى الكساد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.