نار تحت الجليد، هي الوصف الحقيقي لطاولة الرئيس الأمريكي المصنوعة من خشب سفينة بريطانية كانت تقوم باستكشاف المناطق القطبية، ثلاثة ملفات ملتهبة تقف اليوم عليها، طبول الحرب التي تقرعها روسيا في أوكرانيا والتي تقرعها الصين في تايوان، وحرب عض الأصابع مع الإيرانيين في ملفهم النووي، الأبرز اليوم أن الطبول التي تقرع في مشارق الأرض ومغاربها، تأتي تحت ضغط مزاحمة روسيا والصين للولايات المتحدة الأمريكية على أحاديتها التي حكمت بها الأرض منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، والسؤال الأبرز اليوم ما هو موقف إيران من كل ما يحدث؟ احتمالية الغزو الروسي لأوكرانيا؟ احتمالية الغزو الصيني لتايوان؟ التقارب التركي مع السعودية وإسرائيل؟
إيران وموسم الحصاد
تجري إيران والقوى المنضوية في اتفاق عام 2015 وهي روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا مباحثات لإحياء الاتفاق الذي انسحبت منه أحاديّاً الولايات المتحدة الأمريكية في فترة ترامب عام 2018. وتشارك واشنطن اليوم في المباحثات بشكل غير مباشر.
ويشكل تأخر الوصول إلى اتفاق قريب في هذا الملف ضغطاً على إدارة بايدن، فعامل الوقت ليس من مصلحتها في الوقت الحالي، فعملياً الوعود التي قطعها بايدن للشعب الأمريكي في فترة ترشحه للرئاسة المتعلقة بإيران، وظهور ملفين مهمين على الساحة الدبلوماسية يؤدي إلى بهتان الاستثمار السياسي للملف النووي في حال الوصول إليه بشكل متأخر، إضافة إلى أن نوعية الخصوم في الملف الأوكراني والتايواني، تضغط أكثر على الولايات المتحدة الأمريكية للإسراع في العودة إلى اتفاق مع إيران من أجل التركيز أكثر مع عودة شبح الاتحاد السوفييتي المتمثل بروسيا وطموحاتها، ومزاحمة التنين الصيني.
وهو يعني في حال حصوله على المدى القريب، حصول إيران على الجزء الأكير من مطالبها، وإيران بدورها تستثمر الضغوطات التي تمر بها إدارة بايدن لتحصيل أكبر قدر مما تطمح إليه، إضافة لأنها تدرك أن ارتفاع منسوب التصعيد بين روسيا والصين من الجهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، يصب هو الآخر في مصلحتها.
الوقوف على ضفة النهر
كان من الطبيعي أن تتحول روسيا العدو التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية، إلى أبرز أصدقاء إيران، فعلى الرغم من التاريخ الأسود بين البلدين، وتضارب المصالح بينهما في أكثر من ملف، فإنهما استطاعا أن يروضا خلافاتهما مع وجود عدو مشترك لهما، وقد أثبت هذا الأمر في الملف السوري، فعلى الرغم من الأطماع الروسية الاقتصادية الكبيرة في سوريا، وأهداف إيران المتضادة معها، ووصول الأمر أحياناً إلى اشتباكات مسلحة، فسرعان ما تنتهي كما بدأت دون ضجيج في كواليس السياسة.
واليوم مع تصاعد صوت طبول الحرب في أوكرانيا، تقف إيران على ضفة النهر تراقب، تعلم بأنها ستنعكس نتائجها إيجاباً عليها، فالصراع بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
أولاً: سيخفف الأنظار والضغط الدولي على إيران وخاصة في موضوع برنامجها النووي.
ثانياً: الصراع في أوكرانيا سيشكل ضغطاً على إدارة بايدن للإسراع في الوصول إلى نتائج في مفاوضات فيينا، للتركيز على الملف الأوكراني.
وثالثاً: تحتاج روسيا كما الولايات المتحدة إلى حشد حلفاء دوليين وإقليميين في الموضوع الأوكراني، وهو الأمر الذي قد يدفع موسكو إلى تقديم تنازلات في بعض الملفات لطهران، لضمان تأييدها وبالمقابل قد تحاول الولايات المتحدة تقديم عروض لإثناء إيران على الأقل عن دعم روسيا.
وهو الأمر الذي سبق أن أعلن عنه وزير خارجية إيران السابق جواد ظريف في تسريب له، نشرته النيويورك تايمز يتحدث عن مخاوف روسية لتقارب بين إيران والغرب في حال نجاح المفاوضات النووية في فيينا، وقد سبق لروسيا أن استثمرت المفاوضات النووية من أجل مصلحتها على حساب مصلحة إيران، فأيدت بعض العقوبات والقرارات ضد إيران مقابل حصولها على مكتسبات من الغرب في ملفات أخرى.
الصين وإيران وطريق الحرير
يعود الفضل التاريخي لازدهار الحضارة الفارسية وكل الإمبراطوريات التي سكنت الهضبة الإيرانية إلى مرور طريقين من طرق التجارة التاريخين في بلادهم، واللذين كان منهما طريق الحرير التاريخي الذي ينطلق من الصين.
لذلك تدرك إيران أهمية طريق الحرير الذي تحلم الصين بإعادة إحيائه، وجاءت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية السلبية ضد الصين وإيران لتساهم في الدفع بين البلدين للتعاون أكثر حتى أصبحت إيران اليوم تشكل بوابة الصين نحو الشرق الأوسط.
ويؤكد على ذلك توقيعُ الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية، التي وقعها كل من وزيري خارجية إيران والصين في 27 مارس/آذار 2021، ومن المقرر أن تستثمر الصين بموجبها 400 مليار دولار أمريكي في الاقتصاد الإيراني خلال الفترة الزمنية للاتفاقية المقدرة بـ25 سنة، مقابل أن تمد إيران الصين بإمدادات ثابتة وبأسعار منخفضة للغاية من النفط، إضافة إلى حدث تاريخي بسماح إيران للصين بنشر قوات أمن صينية يصل عددها إلى 5000 فرد، ليكون ذلك دليلاً ساطعاً على المستوى العميق من العلاقة بين البلدين، والذي يجعل تأييد إيران لموقف الصين من قضية تايوان أمراً طبيعياً.
تركيا والسياسة البراغماتية
تعتبر إيران وتركيا والمحتل الإسرائيلي أكبر ثلاث قوى إقليمية في المنطقة اليوم، مع محاولات مصرية للعودة، ومحاولات خليجية جدية لترجمة تفوقهم الاقتصادي في بناء نمط سياسي يخدم مصلحتهم.
ويدرك صناع السياسة في منطقة الشرق الأوسط عامة وفي تركيا بشكل خاص، أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها الغرب، قاب قوسين أو أدنى من تقديم تنازلات تصب في مصلحة إيران في مفاوضات فيينا، وفي الوقت ذاته تمر العلاقات التركية الأمريكية الغربية بوضع سيئ، أضف إليه العلاقات السيئة التي تجمع تركيا مع السعودية ومصر والإمارات والاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يعني أنه في حال استمرت تركيا في نفس السياسة فإنها تعزل نفسها بنفسها، ومن هنا جاء التقارب التركي الإمارتي ثم إعلان الرئيس التركي عن نوايا لتحسين العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، ومن قبلها المباحثات السرية والتحركات العلنية التي تجري مع مصر، وفي الوقت ذاته لا تهمل تركيا علاقتها مع شريكها الاقتصادي الأهم وهي جارتها إيران.
وعليه، يبدو أن الشرق الأوسط على موعد جديد لتغيرات كبيرة في المنطقة، التغييرات في الحلفاء وخلط الأوراق على وقع توجه أنظار الولايات المتحدة الأمريكية والغرب نحو قضية تايوان والقضية الأوكرانية، والمشروع النووي الإيراني يعطي الشرق الأوسط الهدوء الذي يسبق العاصفة، الكل يعيد ترتيب أولوياته، وتأتي المصلحة الاقتصادية على رأس السلم، الصراع على المرافئ، الصراع على طرق التجارة البرية والجوية والبحرية، والصراع الأكبر على احتياطيات الغاز في شرق البحر المتوسط.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.