اليوم ذكرى أول انتصار استطاعت ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني تحقيقه، تلك الثورة التي ننتظر إتمام انتصاراتها إلى وقت كتابة هذه السطور، وكان أول انتصار تنجح ثورة يناير المباركة في تحقيقه هو وهب محمد حسني مبارك لقب المخلوع، وإجباره على التنحي عن حكم مصر.
ولكي تدرك مدى الفرحة التي أحس بها جل أهل مصر في لحظة إعلان خلع مبارك، عليك أن تنظر إلى ميادين مصر في هذه الليلة، بل عليك أن تدعو كل مصري للتفتيش في حنايا ذاكرته عن المشاعر التي اعتملت في نفسه في ليلة الخلع.
فقد علمتني تلك اللحظة أن كل شيء في هذه الدنيا ممكن الحدوث، وأن أي طاغية إلى زوال مهما تصور أن أركان عرشه ثابتة، وزادتني يقيناً في قول الله تعالى -الذي نردده باستمرار عندما نتحدث عن تداول السلطة-: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير".
قد تبتسم وتهز رأسك هزة العليم ببواطن الأمور، وتتهمني بالسذاجة وتقول: وأي ملك هذا الذي زال من مبارك، ألا ترى أنه قد برّئ من كل ما نسب إليه من اتهامات، ألا ترى النعيم الذي كان يعيش فيه بعد أن خرج مما قيل إنه سجن، ألا تنظر وتسمع إلى غسيل سمعته عن طريق الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؟
ثم تغرقني في التفاصيل التي أدت إلى خلع مبارك وتقول إنه أمر مرتب انبعث من داخل النظام، لأن جزءاً من هذا النظام كان يرفض بشدة تولي جمال مبارك الحكم بعد أبيه، وتفاصيل كثيرة أظن أنه حتى الطفل الصغير بات يحفظها عن ظهر قلب.
أحب أن أؤكد لك أيها الصديق أنني أعرف كل هذا، ولكنني أنظر إلى حدث خلع مبارك من وجهة نظر مبارك نفسه، فهذا الرجل الذي كان له مُلك مصر لمدة 30 عاماً، ويرعب بنظرة واحدة منه أقوى الأقوياء، يقف وراء القضبان، بعد أن يفقد كل هذا الملك في أيام معدودة، هل تتصور أن هذا العقاب سهل أو بسيط على نفس أي إنسان؟
المضحك المبكي أن البعض يترحم على أيام مبارك، بل إنهم يتأسفون له عما بدر من الشعب تجاه سيادته، وهذا راجع إلى أن آفة قريتنا النسيان، والناس الذين يترحمون على مبارك نسوا أو تناسوا أن كل البلايا التي نعيشها الآن إنما هي أثر مترتب على المصائب التي زرعها نظام مبارك.
فلقد جثم مبارك على عرش مصر فقط لمدة 30 عاماً، حتى إن شعر رأسه لم يجد الوقت ليشيب خلال هذه الثلاثين عاماً، لذلك فنحن آسفون يا ريس على أننا عطلنا هذه "المسيرة القصيرة"، والتي لم تستطِع خلالها إكمال كل المشروعات التخريبية أقصد "التنموية" التي كانت ستجعل مصر في مصاف الدول العظمى في العالم الثالث.
آسفون يا ريس أننا لم نُتِح الفرصة لنجلكم الكريم لكي يجرب حظه في حكم بلدنا، وحرمناك وحرمك المصون من الفرحة برؤيته جالساً على كرسي حكم مصر، كما فرحتم به وأنتم تنظرون إليه جالساً بجوار عروسه على كرسي الزفاف "الكوشة"، وكما فرحتم به وهو يتصدر جلسات لجنة السياسات بالحزب الوطني، وينظّر على المتحلقين حوله من المنتفعين والمنتفعات، وهم فاغرو أفواههم من كم العبقرية التي تشع من عقل ابن الرئيس، وهو يتحدث بصفته القائم بأعمال الرئيس الحالي، والرئيس القادم، عن النهضة التي ستشهدها البلاد على يديه.
آسفون يا ريس على أننا لم نكن شعباً لائقاً صحياً بحكم سيادتكم، حيث إننا أصبنا في عهدكم الزاهر بأرقام قياسية من السرطانات والأوبئة الكبدية، وأصبح مئات الألوف من شعبنا من مرتادي مراكز الغسيل الكلوي.
آسفون يا ريس على المستوى الذي وصل إليه التعليم في عهدك، والتخلف الذي صار عنواناً لمنظومة التعليم المصرية تحت رعايتك، والذي كانت الثورة أولى ضحاياه، بعدما سلطت الثورات المضادة سيف الإعلام الفاسد الذي تربى في أروقة نظامك، وتدرب على التلاعب بوعي الشعب ضعيف التعليم.
أنا لست آسفاً يا مبارك، وإذا كنت آسفاً على شيء، فإنني آسف على تعثر انتصارات الثورة الذي دفع الناس للترحم على أيام طاغية مثلك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.