ما سر هذه الحملة التي يقودها "العهد" وتياره السياسي بمشاركة لافتة من قوات التدخل السريع القضائية التابعة له ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟ وهل حاكم مصرف لبنان بريء ومن ثم يتعرض لحملة ظالمة أم أنه مشتبه فيه بالفعل؟
من الثابت أن بلوغ لبنان مرحلة الدولة الفاشلة وما رافقها من انهيار على مختلف الأصعدة المالية والنقدية والاقتصادية ما هو إلا ثمرة الزواج الناجح بين الطغمة المالية والطغمة السياسية الحاكمة، وهما وجهان لعملة واحدة: الفساد والإفساد. وهنا يبرز حاكم مصرف لبنان الذي لعب دور الدينامو في هذا الزواج، حيث كانت سياسة المصرف المركزي في عهدته تهدف إلى تأمين الحصص وتوزيعها على الطغمتين السياسية والمالية من خلال روزنامة زمنية أعدَّها خبير محترف هو الأستاذ سلامة نفسه.
أي وبكل وضوح، كان دور حاكم مصرف لبنان في العملية هو الإفساد، من خلال تثبيت سعر صرف العملة دون احترام المعايير المالية والاقتصادية ذات الصلة، واعتماده سياسات وهندسات مالية خلقت حالة من الشعور بالبحبوحة لدى المواطن تبين اليوم أنها كانت وهمية وقصيرة المفعول، وفي الوقت نفسه امتلأت جيوب أصحاب المصارف وتجار السياسة والسلع بالأموال، خصوصاً أن الأستاذ سلامة كان مبدعاً في اجتراح مبررات وذرائع تحمي الطغمتين من مخالفة القانون بالتعاون مع مؤسسات السلطة الأخرى.
أي وبكل بساطة، تهمة الإفساد ثابتة وبأدلة دامغة على رياض سلامة، أما تهمة الفساد فلا تطاله بالقدر نفسه، لأن ما أراده من ممارسته الإفساد ربما لم يكن هدفه زيادة ثروته المالية بقدر تحقيق طموحه السياسي بالوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية.
لكن الغريب أن من يشنُّ الحملة على رياض سلامة حاكم مصرف لبنان هو الآخر ضالع حتى العظم في الفساد.
الهدف واضح، إذ يريد "العهد" أن يستغل ما تبقى من وقت في تحريك ملف التعيينات؛ للحصول على حصة وازنة في إدارة مؤسسات الدولة بعد رحيله؛ لتكبيل العهد القادم بمراكز قوى تتحرك بالريموت كنترول، ومن ضمن هذه التعيينات إيصال أحد الموالين له إلى منصب حاكم مصرف لبنان.
لكن دون ذلك عقبات كثيرة، منها موقف رئيس الحكومة الرافض للتخلي عن الضباط في زمن الحرب حسب قوله، بالإضافة إلى العرف السائد بأن أمراء الطوائف ينقلبون على الرئيس في نهاية عهده بعرقلة حصوله على أي مكافأة. وبالتالي قد تكون مناسبة لتطيير الانتخابات بعد انتهاء الحكومة لهذه الأسباب.
أما الحديث عن مظلة أمريكية أو غربية تحمي حاكم مصرف لبنان من الشطب لا أراه صحيحاً، وما كان يجري من حراك دبلوماسي سابقاً باتجاه رياض سلامة كان سببه عدم ثقة الدول بالطبقة السياسية الحاكمة، لذلك اعتمدته كمصدر معلومات موثوقة لتقدير حالة لبنان الحقيقية ظناً منهم أنه رجل مال محترف نال الكثير من الجوائز الدولية خلال مسيرته، لكنه أضاعها كلها بعد أن خدع الشعب اللبناني بأن الاستقرار النقدي مضمون في الوقت الذي كانت الطغمتان تهربان الأموال إلى الخارج إضافة إلى تصريحاته آنَذاك، التي غلفت الحقيقة بالضباب الذي أدى في النهاية إلى سطو المصارف على أموال المودعين.
فمن سيحاكم من؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.