قد يراها البعض فترة تألق وصل فيها الإعلامي المصري محمود سعد إلى قمة نجاحه مقدماً للبرامج التلفزيونية، تلك الفترة التي سبقت قيام ثورة ٢٥ يناير التي أطاحت بالرئيس الراحل محمد حسني مبارك من سدة الحكم. وحينها كان سعد نجماً لبرنامج "البيت بيتك"، وقت أن كان البرنامج يحتل مكانة متميزة بين برامج "التوك شو" التي كان لها تأثير كبير على حياة المواطنين.
وجود محمود سعد على رأس مذيعي "البيت بيتك" بتقاضيه الأجر الأعلى بينهم وقدرته على التحكم في بعض زمام الأمور جعل البعض يرى تلك المرحلة هي الأنجح في مسيرته التلفزيونية، في حين أراها الفجوة التي وقع فيها الإعلامي -أو أوقع فيها نفسه- بتقديمه لبرنامج تم تصنيفه برنامجاً سياسياً متحيزاً للنظام الحاكم.
وهو المذيع الذي أطل على الجمهور في بدايته بكونه مذيعاً فنياً يقدم برنامجاً خفيفاً لا يخلو من عنصر المشاغبة والمشاكسة لضيوفه بطرحه لأسئلة جريئة وأحياناً محرجة، من مذيع له قدرة كبيرة على المراوغة وممارسة الضغوط على ضيوفه حتى (يعترفوا) بأخطائهم مثلما فعل الممثل أحمد آدم بعد سقوط فيلم "هو في إيه" الذي قدمه مع المطرب محمد فؤاد عام 2002 ولم يحقق نجاحاً يُذكر بسبب تدخل محمد فؤاد في سيناريو الفيلم، بحسب اعترافات آدم التي أدلى بها بعد محاصرة محمود سعد له.
محمود سعد ورحلة "التوك شو" الطويلة
وعلى الرغم من قيام ثورة ٢٥ يناير وسقوط حسني مبارك رسمياً يوم ١١ فبراير ٢٠١١ ومعه برنامج البيت بيتك (أو مصر النهاردة) في وقتٍ لاحق، فإن محمود سعد ظل واقفاً على قدميه خصوصاً بعد معركته الهاتفية الشهيرة في برنامج "مصر النهاردة" مع أنس الفقي، وزير الإعلام في عصر مبارك.
ومع حالة الحراك السياسي التي شهدتها مصر بعد ثورة ٢٥ يناير ومساحة الحرية التي وصلت إلى فوضى إعلامية جعلت كل البرامج -بما فيها البرامج الرياضية- تتحول إلى السياسة، لم يكن أمام محمود سعد سوى التوغل أكثر في الإعلام السياسي فقدم برنامج "في الميدان" على قناة التحرير لفترة قصيرة قبل أن ينتقل إلى قناة النهار الفضائية ويقدم برنامج "آخر النهار".
وتجاوز حدوده كمقدم برامج يحاور ضيوفه ويدير مناقشاتهم إلى إبداء آراء صريحة كرفضه لوصول أحمد شفيق إلى كرسي الحكم في مصر وتأييده لوصول الرئيس الراحل محمد مرسي، وهو الموقف الذي ورطه في مشاحنة تليفونية عنيفة مع صديقه الكاتب الراحل وحيد حامد.
تقديم محمود سعد لبرامج تناقش موضوعات سياسية لم يُفقده فقط جزءاً كبيراً من جمهوره المختلف مع توجهاته السياسية، بل جعله يفقد تميزه بعدما أصبح مجرد واحد ضمن المذيعين الذين يحتلون الشاشات وبعدما كان يغرد بمحتوى فني أو ترفيهي بأسلوب مميز اكتسبه من تخصصه في الصحافة الفنية.
وكان السؤال الذي فرض نفسه: ما الذي جعل محمود سعد يحيد عن طريق البرامج الترفيهية ويسير في درب السياسة المشبوه؟
في اعتقادي أن رجال نظام حسني مبارك أرادوا استغلال شعبية محمود سعد وحُب الناس له في إنجاح برنامج "البيت بيتك" الذي كان يمثل النظام الحاكم، فما كان من هؤلاء وعلى رأسهم أنس الفقي إلا أن قدموا له عرضاً مالياً كبيراً يصعب رفضه من صحفي اقترض في يوم من الأيام مبلغاً مالياً من الكاتب وحيد حامد لكي يشتري سيارة، بحسب ما حكى الإعلامي بنفسه في برنامج "ونَس" الذي يقدمه على موقع الفيديوهات يوتيوب.
استمر محمود سعد في مناقشة الأمور السياسية حتى أصبحت تلك البرامج مرفوضة لدرجة أن توجهت الإعلامية المشهورة منى الشاذلي لتقديم برامج ترفيهية تلعب حالياً على التريند بكل تفاهاته.
التغريد خارج التريند
وحين لم يكن أمام محمود سعد طريق آخر اتجه لتقديم برنامج باب الخلق الذي استعاد به جزءاً من جاذبيته وتميزه بتقديمه لبعض الحلقات المميزة إلى أن قررت القناة الاستغناء عن خدماته وقرر هو استغلال شعبيته والتوجه بكامل طاقته إلى موقع يوتيوب بعد أن ظل حبيس القنوات الفضائية.
ويبدو أن تخلي قناة النهار عن محمود سعد عاد بفائدة كبيرة على الإعلامي المحبوب فعاد إليه جزءٌ من جمهوره الذي كان قد فقده، وعاد هو أقرب إلى جمهوره فقدم حلقات متميزة من برنامجه اليوتيوبي الجديد وحقق مشاهدات مرتفعة.
توجه محمود سعد إلى الشوارع والحواري والقرى وقدم حلقات عن أناس يستحقون تسليط الضوء عليهم، ومارس دوره الإعلامي كما يجب أن يمارسه بتقديم بعض المعلومات للجمهور ودعوته للتفكير والبحث والابتعاد عن الأمور السطحية والتوغل أحياناً في كتب التاريخ وأحياناً أخرى في الواقع المدفون الذي لا يجد من يسلط الضوء عليه.
عاد محمود سعد إلى جمهوره الذي افتقده لسنوات ورحب بعودته لنرى المكانة الكبيرة التي يحظى بها لدى مختلف طبقات الشعب المصري، وليثبت لنا أن الإعلام الحقيقي له جمهور عريض يبحث عنه بعيداً عن ثقافة "التريند" السطحية التي غزت حياتنا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.