يمر هذه الأيام على ثورة الخامس والعشرين من يناير أحد عشر عاماً كاملة، مرت فيها ثورة يناير بثلاث محطات تقريباً، بين فترة حكم المجلس العسكري وفترة حكم الرئيس محمد مرسي، ثم الانقلاب العسكري، في يوليو/تموز 2013 إلى يومنا هذا.
كان العامان ونصف العام بعد ثورة يناير إلى نهاية عهد الرئيس مرسي في تدافع مستمر وأحداث متلاحقة، وفي خضم الصراع بين الثورة ومَن قاموا بها وبين من أرادوا إسقاطها وإسكات صوتها لم يُتح للثوار أن يرووا حكايتهم ويشرحوا تفاصيلها ويعلنوا عن خبايا الأحداث أو ما غمض منها، لأنهم لم يكونوا يدركون أنه بعد شهور قليلة سوف يتم الانقضاض عليها وقتل أحلامها، ومن ملأوا ميدان التحرير بالأمس سوف يملأون السجون في القريب العاجل، فلم يكن يشغلهم سوى نجاحها في ذلك الوقت.
وارتفع صوت الصراع واشتدت أحداثه خلال عام حكم الرئيس مرسي، حتى أُسدل على الفصل الأول من ثورة يناير الستار، يوم 3 يوليو/تموز 2013، وبدأت الثورة المضادة في هدم صورة 25 يناير/كانون الثاني شيئاً فشيئاً، وبث الروايات عنها من هنا ومن هناك، والإتيان بكل ما يشوب هذه الثورة ويمحو صدقها ونبل أهدافها من عقول ووجدان الشعب المصري.
تولى النظام في مصر مهمة إسقاط صورة 25 يناير التي لم ينسها يوماً كما أعلن السيسي، ويرى أن هدفه الأول منع حدوث مثلها في أي وقت لاحق، كما أعلن ذلك أيضاً في وقت سابق، بأنه لن يسمح بتكرار هذا الأمر مرة أخرى، وحتى يستقر له الأمر عمِل على شقين، أحدهما يتعلق بتحسين صورته والآخر يتعلق بتشويه الثورة.
حاول النظام عبر أذرعه المتعددة من سينما وإعلام وكُتاب أن يقنع الملايين من الشعب المصري بأن مَن صنع هذه الثورة هم مجموعة من المجرمين، أو مجموعة من "المغفلين" عندما يحسنون الظن بهم، فيتم تصويرهم على أنهم كانت لديهم نوايا طيبة وتم التلاعب بهم من قوى خارجية تآمرت على مصر، وبهذه الصورة يتم غلق الأبواب أمام أي دفاع عن ثورة يناير لدى من تبقّى من أبنائها المستضعفين حالياً.
وعلى مدار ثماني سنوات من القمع والتخويف تم إلصاق كل نقيصة بثورة يناير، من قبل النظام وأذرعه الإعلامية، فلم يكن للثورة قلمٌ ولا منبر، في حين كان للنظام أقلام ومنابر وصحف سُخّرت لكل من يريد أن ينتقص من ثورة يناير، حتى يتم الترويج للجمهورية الجديدة التي قامت على أنقاض من قاموا بهذه الثورة.
ومؤخراً بدأ خط جديد من الكتابة وهو الكتابة الموسعة حول أحداث الثورة، أو ما يمكن تسميته "التأريخ للثورة" من خلال روايات نظامية تتم على أعين النظام، تُحكى فيها قصة الثورة "المقهورة" وهي غائبة عن المشهد لا تشارك في كتابة قصتها ولا يُتاح لها أن تحكي حكايتها، إلا من خلال من انقض عليها وسرق أهدافها وزوّر تاريخها.
ورغم مرور 11 عاماً على ثورة يناير مازالت في ذكراها حاضرة وتتصدر الصفحات الأولى من الصحف المصرية والفقرات الأولى من البرامج الإعلامية، وقد تناولها في هذه الذكرى عدد ضخم من الكتاب والصحفيين والمفكرين في مصر، وبغض النظر عن مدى موضوعية هذا التناول الذي في أغلبه يكون تشويهاً لصورتها، إلا أن في ذلك دلالة على حضورها في الأذهان وتأثيرها القوي الذي لم ينته حتى اللحظة.
وختاماً فإن محاولة تقليص وتحجيم ثورة يناير من قبل بعض الكتاب واختصارها في "جماعة الإخوان المسلمين" حتى يكون النيل منهم أسهل من النيل من الثورة التي ارتبط بها كل المصريين، هي محاولة بائسة كذلك، على كل الأحوال فإن كل ما يتصدر الشاشات والصحف من حديث حول الثورة ليس هو كل الحقيقة، وليس معبراً عن الثورة، فما زالت للثورة حكاية لم تُحكَ بعد.
ويبقى السؤال: أين رواية الثوار، ومتى يروونها؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.