تمر البلاد هذه الأيام بمخاض عسير، ويُختبر الشعب بكافة طوائفه وألوانه في قناعاته عما هو الوطن الذي يصبون إليه، وما يمكن أن يكون مقبولاً أو مرفوضاً عنده من خيارات. في هذه الفترة العصيبة اختبرنا جميعاً في قدراتنا التي كنا نظن أنها من المسلّمات، كقدرتنا مثلاً على الصبر وتحمل الضغوط أو في إقناع الآخرين بآرائنا أو الاقتناع بالرأي الآخر.
لكن الأهم أن مركز الحدث أصبح الوطن وهمه وأهلنا، وقمة دهشتنا كانت في قدرة أبنائنا وأهلنا على الصمود أمام آلة بطش جبارة لا ترحم، مدعومة بأطراف عديدة تستثمر في تدميرنا وفي إفساد حلمنا، لكي تغني شعوبها على حساب شعبنا، لنزداد نحن بؤساً وشقاءً ويزدادوا هم ثراءً.
تعلَّمنا أن الباطل يأتينا بألف وجه؛ مرة بالضعف ومرة بالتخوين ومرة بالخوف ومرات بالانهزام والنصر المزيف، وأن الحق له وجه واحد فيه ما صبونا إليه في الماضي ونجاهد من أجله الآن ونحلم به لأبنائنا والأجيال القادمة.
المعركة كشفت لنا أن خير الأجيال هو هذا الجيل، ليس لبطولته وصموده ووقوفه في وجه الطغيان والجبروت وعزيمته التي لا تلين، لا تحت الضغوط ولا التهديد والوعيد، ولكن لأنه قد أخرج منّا أفضل ما فينا، وجعل الوطن هم كل سوداني وهم كل العالم.
الآن يجب أن نقولها بكل أمانة وتجرد أن الثورة ثورتهم، وأن الحلم حلمهم، وأن المستقبل مستقبلهم، وهم أولى بقيادة السودان من كل الأجيال التي سبقتهم، وهذا حق مستحق لا يجادل فيه إلا مغتر بسلطة هو مغتصبها، أو بجاه حزبي أو نخبوي لا يملك خيالهم ولا يدرك حجم حلمهم، ويظن أنها نفس لعبة السلطة التي عاشوها منذ الاستقلال.
رسالتي هذي لكل الحريصين على مصلحة الوطن، المؤمنين بالتغيير المستدام والتحول المدني الديمقراطي؛ لندعم مسيرة هذا الجيل، وندعم خطواتهم بأن يكون رئيس الوزراء القادم من جيلهم، وأن نفسح لهم المجال ليكونوا اللاعبين الأساسيين في منظومة إدارة الدولة في كل مؤسساتها، وفي برلمان الفترة الانتقالية، ولندفع بهم ليلعبوا دوراً أساسياً ومحورياً في الأحزاب السياسية وفي منظمات المجتمع المدني، مدعومين بكل طاقات وخبرات الوطنيين المخلصين لهذا الحلم.
مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فلنبدأ المسيرة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.