حالة من الجدل أثارها فيلم "أصحاب ولا أعز" بعد ساعات من عرضه على منصة "نتفليكس"، بسبب مشهد للممثلة المصرية منى زكي، وصفه البعض بالجرأة والابتذال، وظهور الممثل فؤاد يمين في شخصية شاذ جنسياً، بالإضافة إلى استخدام بعض الألفاظ الخادشة في حوار الفيلم.
احتل الفيلم واحتلت الممثلة منى زكي -باعتبارها أشهر نجوم العمل- صدارة الترند على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، الذي ازدحم بتغريدات بعضها يدافع عن الفيلم ونجمته المصرية، وبعضها يهاجمهما ويصفهما بـ"اللاأخلاقية".
تدور أحداث فيلم "أصحاب ولا أعز" في لبنان حول مجموعة من الأصدقاء (ثلاثة أزواج وزوجاتهم، وصديق لهم يدعى ربيع) يجتمعون على العشاء ويقررون لعب لعبة مثيرة بأن يتركوا جميعاً هواتفهم على مائدة الطعام ويردون على الرسائل والمكالمات التي يتلقونها أمام الجميع دون محاولة لإخفاء أي أسرار عن المتواجدين.
وتبدأ اللعبة بمواقف فكاهية خفيفة، ثم تتطور عندما يطلب شريف (إياد نصار) من ربيع (فؤاد يمين) استبدال هواتفهما المتشابهة لكي يهرب شريف من مشكلة مع زوجته، وهو الذي كان ينتظر صديقته لكي ترسل له صوراً عارية، ويُفلت شريف من المشكلة ويتورط في مشكلة أكبر، عندما يتلقى رسائل على هاتف ربيع يتضح منها ميوله -ربيع- الجنسية الشاذة، فتُصدم مريم (منى زكي)، زوجة شريف، وتتشاجر مع زوجها وتُفصح أمام الجميع عن أسرار حياتهما الجنسية وما يعتريها من فتور.
وتتطور الأحداث لنكتشف خيانة زياد (عادل كرم) لزوجته مع زوجة صديقه التي قامت بدورها نادين لبكي. وفي النهاية نكتشف أن أحداث الفيلم وكأنها حلم، وأنهم لم يلعبوا تلك اللعبة، فاستمرت حياتهم كما هي دون حدوث مشاكل.
تم تقديم الفيلم بطريقة الـone location، حيث تدور معظم الأحداث في "أصحاب ولا أعز" على مائدة العشاء في مشاهد طويلة اعتمدت بشكلٍ كبير على الحوار أكثر من الصورة، وهو ما يتنافى مع طبيعة الفيلم السينمائي، وإن كان مقبولاً بعد أن فرضت تلك النوعية الاستثنائية نفسها بتقديم أفلام جيدة بنفس الطريقة.
ولا شك أن تلك النوعية من الأفلام تحتاج لبذل مجهود أكبر من فريق عمل الفيلم حتى تظهر بشكلٍ مقبول للجمهور، بدءاً من طريقة كتابة القصة والسيناريو والحوار، مروراً بإخراج الفيلم وتصويره وطريقة تأدية الممثلين لأدوارهم وحتى مرحلة الـpost production أو المونتاج وتلوين الفيلم والموسيقى التصويرية.
قصة فيلم "أصحاب ولا أعز"
من المعروف أن فيلم "أصحاب ولا أعز" مقتبس من فيلم إيطالي يحمل اسم "PERFETTI SCONOSCIUTI"، ومن يشاهد الفيلم دون أن يعرف هذه المعلومة فمن المؤكد أنه سيشعر بذلك، لأن الفيلم تم اقتباسه دون حرفية، فلم يراعِ صُناعه تغيير بعض التفاصيل مراعاة لاختلاف الثقافة الشرقية عن الغربية، حتى وإن كانت أحداث الفيلم العربي تدور في دولة منفتحة مثل لبنان.
السيناريو
كما أوضحت فإن الفيلم اعتمد على طريقة الـone location، وبالتالي فإن التباين في المشاهد سيكون محدوداً جداً، ولكن كتاب سيناريو فيلم "أصحاب ولا أعز" كان يمكن أن يزيدوا من جرعة التباين بتقديم مشاهد أقصر مع تغيير الأماكن بين داخل المنزل المقام به مأدبة العشاء وخارجه، أو حتى تباين داخل المنزل بالقطع بين حجرة الطعام والمطبخ وغرف المنزل، وذلك لكي لا يشعر المُشاهد بالملل من تلك المشاهد الطويلة.
لجأ كتاب سيناريو الفيلم إلى إحداث هذا التباين للمحافظة على تكنيك سيناريو الفيلم السينمائي، إلا أن جرعة التباين –في رأيي- لم تكن كافية، فقد كانت بحاجة إلى زيادتها.
الحوار
حوار فيلم "أصحاب ولا أعز" كان عادياً يمكن أن نصفه بالثرثرة غير المدروسة، فبمشاهدة الفيلم كاملاً لن نخرج بجملة من تلك الجمل القوية المميزة التي تُسمى quotes، هو مجرد ثرثرة تحمل ألفاظاً خادشةً للحياء لم تضف أي قيمة للفيلم، هي فقط جعلته منفراً للمشاهدين المحافظين.
قد يرى البعض أن تلك الألفاظ أكسبت الفيلم واقعية أكثر، وهؤلاء يحتاجون إلى مشاهدة أفلام المخرج الراحل عاطف الطيب لكي يفهموا معنى الواقعية.
التمثيل
أداء الممثلين -باستثناء منى زكي- اتسم بالتلقائية، فكان اختيارهم في الأدوار موفقاً بشكلٍ كبير. أما عن منى زكي، نجمة العمل، فأداؤها في المشاهد التي تحمل طابعاً فكاهياً خفيفاً كان أداءً مفتعلاً، ربما عوّضته بمشاهد الانفعال والبكاء في آخر الفيلم، والتي قدمتها باحترافية لم تشفع لحالة ثقل الظل التي أضفتها على الفيلم وهي تحاول مجاراة باقي الممثلين الذين نجحوا في إظهار موهبتهم بشكل كبير.
الإخراج
اعتمد مخرج الفيلم على الـclose shots (اللقطات الضيقة)، التي تناسب فيلماً من أفلام التشويق والإثارة، مع حركة الكاميرا والقطعات السريعة لكي يكون إيقاع الفيلم سريعاً ولا يشعر المُشاهد بالملل وهو يشاهد فيلماً تدور معظم أحداثه في مكانٍ واحد، ويعتمد بشكلٍ كبير على الحوار أكثر من الصورة.
وإن كان مخرج فيلم "أصحاب ولا أعز" نجح في اختيار أسلوب مناسب للفيلم، فإنه وقع في بعض الأخطاء الإخراجية، وقام بتصوير بعض اللقطات من زوايا خاطئة، ولم يراعِ اتجاهات نظر الممثلين، وهو خطأ كان يمكن لمونتيرة الفيلم معالجته، إلا أن ذلك لم يحدث.
التصوير
اعتمد مدير التصوير، سفيان الفاني، على الـfull light، أي الإضاءة الكاملة للمكان ولوجوه شخصيات الفيلم، وهي صورة أشبه بصورة الإعلانات التجارية، والتي لم تكن مناسبة لفيلم من أفلام التشويق والإثارة.
هذا عن العناصر الفنية لفيلم "أصحاب ولا أعز"، أما الفكر الذي يطرحه الفيلم فهو أن هناك بعض الأمور التي من المفضل أن تظل في الخفاء، فالأسرار يجب أن تظل أسراراً، وكل منا له أسراره، وكل منا يجب أن يتقبل وجود أسرار في حياة الآخرين حتى وإن كانوا أقرب الناس إليه.
فعلى سبيل المثال، إذا كان يعتقد أحد الأشخاص أن زوجته تخونه فلا يحاول أن يتأكد من الأمر ولا يبحث فيه، بل يتركها تفعل ما تشاء ويترك الأمر معلقاً ويتقبل الوضع مهما كان، ويستمر في حياته كما هي، دون أن يحاول التخلص من عيوبه أو معرفة حقيقة ما يحمله له الآخرون، والأمر ينطبق أيضاً على الزوجة التي تشك في خيانة زوجها لها.
تلك هي الفكرة الأساسية التي يطرحها فيلم "أصحاب ولا أعز"، بالإضافة إلى فكرة المثلية الجنسية، فكما هو شائع حالياً تم تقديم شخصية المثلي جنسياً كضحية تدعو إلى التعاطف، بدلاً من طرح فكرة أن المثلي جنسياً هو إنسان شاذ، يجب أن يبحث عن علاج. وهي بالطبع فكرة خبيثة اعتدنا من بعض صناع الأفلام والمسلسلات في السنوات الأخيرة على طرحها، وحصل بسببها النجم الأمريكي توم هانكس على جائزة الأوسكار كأحسن ممثل، عندما شارك في طرحها في فيلم فيلادلفيا عام 1993.
أزمة منى زكي
أما بخصوص الأزمة التي تتعرض لها الممثلة منى زكي بسبب دورها في فيلم "أصحاب ولا أعز"، والهجوم الشديد عليها من بعض من شاهدوا الفيلم أو سمعوا عنه، فلا أملك إلا أن ألوم منى زكي نفسها على هذه الأزمة، لأنها هي من وضعت نفسها فيها، فبعدما كانت من الفنانات اللاتي رفعن شعار "السينما النظيفة" قبل أكثر من 20 عاماً، وكسبت جمهوراً عريضاً من أصحاب الفكر المحافظ، ها هي تخذل هذا الجمهور وتتخلى عنه، وتصدمه وتُشعره بأنها خدعته.
أعتقد أن الهجوم الشديد على منى زكي ليس بسبب تقديمها لمشاهد غير لائقة أو تلفظها بألفاظ خارجة، بل لأنها خذلت الجمهور الذي دعمها في بدايتها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.