في صغري كنتُ أسمع زميلاتي في المدرسةِ يقلن بعضَ الجملِ التي لا أفهمها، ويغنين بعضَ الأغنياتِ التي لا أعرفها، وإذا سألتهن أخبرنني أنها من فيلمِ كذا أو مسلسلِ كذا، كنت أعود وأحكي لأمي وأرجوها أن أشاهد كل شيءٍ مثلهن، لكنَّ جوابها كان الرفض دائماً، واستمر الوضعُ هكذا سنين بعد ذلك، أصبحتُ خلالها مقتنعةً بصحةِ موقف أمي -خاصةً بعد بعض القراءاتِ الدينية والثقافية- لكنني تيقنت منه بعد زواجي بفترة؛ واطلاعي في بعضِ الأحايين على بعض المقاطعِ المتداولةِ هنا أو هناك، وكانت في كثيرٍ منها تصيبني بالصدمة ويبرزُ السؤال القديم في عقلي: لماذا يُري الأهالي أولادهم مثل هذه الأفلام والمسلسلات؟ رغم ما تحتويه من مشاهد لا تناسب سنهم البتة؟ هل يرجون فائدة تربويةً وأخلاقيةً أو جماليةً تعودُ على أبنائهم بالنفع؟
كنت أسمع في صغري مبررات واهية ترددها كثيرٌ من الأمهات والزميلات وهي أن هذه الأفلام تعلم تجارب الحياة، فهل مشاهد البلطجة والقتل تعلم شيئاً؟
وعن أثرِ العنفِ والبلطجةِ والألفاظ البذيئة فحدث ولا حرج، فقد صارت الأخلاقُ في انحدارٍ غريبٍ وارتفعت أعدادُ الجرائمِ وأعمالُ العنف بشكلٍ مخيفٍ وهذا مما لا يَخفى على أحد، وسأقتبس هنا من مقال كتبه الصحفي "وليد شعبان" على موقع مصراوي، بتاريخ 25 فبراير/شباط 2018، يتحدث عن أثر مشاهد العنف على الصحة العقلية للطفل:
"الأطفال الذين يتعرضون للعنف كثيراً، إما كشهود وإما ضحايا، يسجلون أعلى مستويات التعرض للاكتئاب والغضب والقلق. ووجدت دراسة أُجريت على الأطفال في الصفوف من الثالث إلى الثامن، الذين شاهدوا شخصاً يتعرض للصفع أو اللكم، أن 12% منهم أُصيبوا بالقلق بدرجة قد تتطلب العلاج".
يكمل شعبان: "ويمكن أيضاً أن يكون لمشاهدة العنف آثار أخرى طويلة الأجل، فقد أظهرت الدراسات كيف يصاب الأطفال بالحساسية للعنف، أي أن الأطفال يمكن أن يؤمنوا بأن العنف هو وسيلة مقبولة لحل المشاكل وأنه من دون عواقب، ويمكنهم أيضاً أن يعتقدوا أن العنف قد يحدث في أي مكان ولأي شخص في أي وقت".
خلاصةُ القولِ أن كل أمنياتي، أن يعيش الأطفالُ طفولتهم، أن يروا أشياء تناسب عالمهم، بعيدة كل البعد عن الانحلال والعنف والسباب والنكات السخيفة والتلميحات غير المهذبة، وأن يتوقفَ الناس عن الاقتداءِ بهذا الفنِ الهابط، وترديد كلماته، وتمجيد أهله، وأن يعلموا جيداً أنه صناعة تدر ربحاً، فلا يكونوا رهناً لها، بل يؤدوا دورهم كآباءٍ وأمهاتٍ واعين مسؤولين ويحموا أطفالهم من التأثر بهذا الغثِّ، فالحياة ستعلمهم في معتركها آجلاً أو عاجلاً، لا مشاهد مُمَثلة وكاميرات تصويرٍ خادعة.
كما أتمنى أن تكثر الأبحاثُ المتناولةُ لأثرِ الأفلامِ والمسلسلات والمسرحيات والأغاني على الأطفالِ والمراهقين، وأن تتمَّ التوعية بسبلِ الوقاية من الآثار السلبية الكثيرة، وأن يقومَ التربويون بدورهم في تنبيهِ الآباء والأمهات إلى خطورةِ الأمر، وإيجاد بدائل مفيدة تشغل أوقات الأبناء من أجل صحتهم النفسية والعقلية وأمانهم وأمان المجتمع كله، فهؤلاء الأبناء هم شباب الغد الذي ترتكز عليه أمتهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.