تنتهي السنة الحالية في لبنان على تعطيل لجلسات الحكومة، معطوف عليها غياب لمجلس النواب مع انتهاء دورة انعقاده العادية بسبب أن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يبادر إلى فتح دورة انعقاد استثنائي لمجلس النواب، ما يعني أنّ لبنان سيدخل في شلل مزدوج حكومي ودستوري، ويبدو أنّه سيكون طويل الأمد، مع الانسداد الكامل أمام الحكومة، وتفاعل الأسباب السياسية والقضائية (قضية القاضي طارق بيطار) المانعة من انعقادها.
تبدو الانتخابات أمراً واقعاً، وإذا ما قدّر لصناديق الاقتراع أن تُفتح أمام الناخبين وفق المواعيد المحددة في مرسوم دعوة الهيئات الناخبة أي بعد رمضان القادم في 15 مايو/أيار القادم، فستكون القوى السياسية على اختلاف توجهاتها، أمام اختبار مصيري تواجهه في تاريخها السياسي عقب ثورة 17 تشرين.
حيث تعيش الأحزاب تحدياً مصيرياً من شأنه أن يقلب المشهد رأساً على عقب، إذا ما نجحت الضغوط الدولية في تثبيت المواعيد الواردة في المرسوم والذي ألحِق بتوقيعَي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ما يجعله نافذاً، بانتظار معالجة إشكاليتيْ تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات ورصد الاعتمادات المالية اللازمة، واللتين تحتاجان إلى قرارين يصدران عن حكومة ميقاتي المعطلة.
إقليمياً لا يمكن فصل سياق الموقف السعودي من لبنان وسوريا عن بعضهما البعض، إذ يأتي كشف التحالف العربي بقيادة السعودية، نهاية الأسبوع المنصرم، عن تورُّط حزب الله في حرب اليمن ليس بالأمر الجديد، لكنّه عرض هذه المرة أدلّة تثبت هذا التورُّط وتحميل الحزب مسؤولية ضرب الأمن القومي السعودي، ما يعني أن المملكة وضعت لبنان على رأس أولويات سياساتها الإقليمية ومحفّزاً للحضور السعودي مجدداً في الساحة اللبنانية، خصوصاً على المستوى السياسي.
والأكيد أن ما حكي عنه "مبادرة ماكرون" لم تحقق أي تقدم باستثناء الخرق الفرنسي الوحيد هو إنشاء آلية سعودية-فرنسية للمساعدة الإنسانية في لبنان بعد رفض السعودية دعم المؤسسات الحكومية اللبنانية، وذلك عبر إنشاء صندوق ائتماني تشترك فيه الدولتان، وأيضاً الشركاء الخليجيون الآخرون وتحديداً قطر، لتمويل مشاريع تساعد الشعب اللبناني مباشرةً، والقطاعات التي ستشملها هذه المساعدات، فستكون مبدئياً الصحة والتربية والمياه أما عملية دفع سياسي ودعم مباشر للدولة وإعادة العلاقات، فيبدو صعباً قبيل الاتفاق الإيراني- الأمريكي والتوصل لخلاصات في الحوار السعودي- الإيراني.
سوريّاً هناك اهتمام سعودي- قطري بالتنسيق مع تركيا لإعادة تفعيل الملف السوري، حيث عادت سوريا لدى السعوديين ملفاً استراتيجياً لأي مشروع عربي، وفي سياق الاهتمام السعودي الإقليمي الجديد مع رؤية محمد بن سلمان الجديدة لبلاده وسياساتها الخارجية.
لذا تطرح الرياض رؤية جديدة وموحدة لسوريا، في ظل الرفض السعودي المطلق للتطبيع مع النظام وكذلك بالنسبة إلى قطر، حيث من المفترض أن يُعقد مؤتمر لتوحيد المعارضة السورية في شهر فبراير/شباط في الدوحة، وهذا بحد ذاته تطور لافت لا بد من التوقف عنده بالكثير من الاهتمام، ولديه فرصة في أن يشكل عنواناً لتحول جديد في المسار السياسي داخل سوريا.
فيما العودة السعودية للبنان غير واضحة المعالم فالمملكة كان وكيلها الحصري آل الحريري من الراحل الرئيس رفيق الحريري وصولاً إلى سعد الحريري والذي يبدو أنه في أزمة مفتوحة مع الإدارة السعودية منذ سيطرة الأمير محمد بن سلمان على الحكم في السعودية.
والحريري المعتكف في الإمارات منذ اعتذاره عن تشكيل الحكومة في يوليو/تموز الماضي كثرت حوله الأقاويل أنه ينوي الخروج من المشهد واعتزال السياسة والتوجه لعالم الأعمال المالية، لكن المنطق السياسي يقول إنه لا بيت سياسي يقفل في لبنان فكيف إذا كان بيت رفيق الحريري وارثه السياسي المتعثر مع سعد.
وكل ما قيل سابقاً عن توجه الرجل للاعتزال والانكفاء بددته حركته الأسبوع المنصرم مع الرئيس فؤاد السنيورة والذي يقود مساعي ذات طابع "سني" لإعادة الحريري للمشهدية السياسية، يضاف إلى أن الحريري استدعى كل الحرس القديم في تياره السياسي إلى الإمارات كسليم دياب ونادر الحريري والاستدعاءات ستشمل أحمد الحريري وأحمد هاشمية بعد أن وصلت خلافاتهما إلى العلن وبات لزاماً عودة استطلاعية أول العام الجديد، وهو كان قد أبلغ "الأحمدين" عدم إجراء أي اتصالات أو اجتماعات لتأليف أية لائحة في أية منطقة.
دبلوماسي عربي من الطراز الرفيع، لم يخفِ خيبةَ أمله من أداء الرئيس نجيب ميقاتي وتحديداً عقب مؤتمره الأخير منذ يومين، والذي انطلق من محاولة مساعيه ودعوته إلى جلسة حوار للبحث في تعزيز علاقات لبنان العربية واستعادتها، وحرصه على عدم استفزاز حزب الله، واعتباره حزباً سياسياً، مع عدم موافقته على وجود نفوذ إيراني في لبنان.
يرى الدبلوماسي العربي أن الركاكة السياسية التي يشهدها لبنان هي نتيجة أن فريقاً سياسياً يمثله مثلاً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يمارس سياسة إمساك العصا من المنتصف، وهو يسعى لإرضاء كل المتناقضات في الوقت نفسه حزب الله وعون بري وباسيل السعودية وإيران فرنسا والولايات المتحدة، وهذا الأسلوب لم يعد ينطلي على أحد في العام 2021، فلبنان ليس سلطنة عمان أو سويسرا، لبنان جزء من الصراع ومنصة هجوم على مشروع آخر، والمطلوب الوضوح إما أن القوى مع حزب الله أو في مواجهة هذه السياسة المشوهة.
يعتقد الدبلوماسي المخضرم أن ميقاتي لا يمكنه أن يحلّ مكان الحريري سنياً ووطنياً، وبعد مواقفه الأخيرة من حزب الله عادت الأمور لنقطة الصفر مع المملكة، ويؤكد أن الرجل لم يقدم أي جديد في المشهد الذي غاب عنه الحريري، حكومته معطلة ولم يستطِع اجتذاب أي شخصية سُنية وازنة والعلاقة بينه وبين زملائه في نادي الرؤساء ليست على ما يرام.
يعتقد المرجع الدبلوماسي أن عودة الحريري للساحة السياسية حتمية وغير قابلة للنقاش، وهو كان يدرس خياراته مع الدولة المستضيفة، أي الإمارات، وأن هناك شبه إجماع عربي على إعادته للمشهد السياسي، كي لا تبقى الأبواب مشرعة سنياً للاختراق من حزب الله أو جماعات وشخصيات متطرفة سياسياً ودينياً، فالاعتدال هو سمة سنة المنطقة ولا يمكن جعلهم يعيشون فراغاً، وأن الذي يريد تبديل الحريري كان عليه تحضير بدلاء، لأن كل المطروحين في المشهد لا يمكنهم إدارة هكذا جماعة لبنانية بحجم السُّنة في البلاد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.