من بين العديد من المدربين الذين ظهروا بقوة كمرشحين أوائل لتدريب ريال مدريد بعد استقالة المدرب الفرنسي زين الدين زيدان المفاجئة للمرة الثانية، لم يكُن اسم المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي حاضراً بقوة في وسائل الإعلام أو حتى في تفكير المشجعين والمتابعين كمرشح بارز للحلول بديلاً للمدرب الفرنسي المستقيل.
لكن فجأة وفي خلال 72 ساعة فقط، تم الأمر وأصبح أنشيلوتي المعروف باسم "بطل العاشرة" مدرباً للفريق للمرة الثانية ولمدة ثلاثة سنوات بأمر الرئيس فلورنتينو بيريز في مفاجأة للكثيرين ربما بنفس مفاجأة استقالة المدرب زيدان نفسه.
فلماذا اختار رئيس ريال مدريد بيريز المدرب كارلو أنشيلوتي بالتحديد بدلاً من المرشحين الأبرز الإيطالي أنطونيو كونتي أو الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو أو حتى الألماني يواكيم لوف مدرب المنتخب الألماني ليحل محل زيدان؟
بطل محبوب لامتصاص غضب المشجعين
بحصوله على لقب دوري أبطال أوروبا للمرة العاشرة في موسم 2014-2015 بعد انتظار دام 12 عاماً، أصبح للمدرب الإيطالي مكانة خاصة لدى مشجعي ريال مدريد، خاصة أن فترته في تدريب الفريق كانت هادئة للغاية ولم يصطدم بالرئيس كثيراً، وعودته مرة أخرى تعني أن الرئيس عاد إلى منطقة الراحة والأمان، كيف ذلك؟
في نظر الرئيس فإن تعيين وجه جديد يعني مشروعاً مختلفاً ومطالبات أكثر ولاعبين جُدداً قادمين؛ وهذا يعني المزيد من الصرف المالي في عام صعب يواجه فيه الرئيس الكثير من التحديات الشخصية والمالية، شخصياً يبدو بيريز أكثر تركيزاً في تأهيل ملعب "سانتياغو برنابيو" الذي يعتبر بحلته الجديدة إرثه الذي سيرتبط به للأبد في ذاكرة وتاريخ الفريق الملكي.
ومالياً فإن جائحة كورونا قد ضربت الأندية في مقتل وبالتحديد الأندية الجماهيرية مثل ريال مدريد، فلا جماهير في الملعب محلياً وأوروبياً أو حتى متحف النادي؛ وهذا يعني أن مورداً مالياً هاماً قد تأثر به الفريق حتى إشعار آخر؛ وهذا بدوره سيؤدي إلى التأثير في انتداب اللاعبين خاصة اللاعبين السوبر ستار.
إذاً، لماذا فضل بيريز المدرب كارلو أنشيلوتي على الأسماء البارزة التي ظهرت بقوة في الفترة الأخيرة؟
حسناً، بالعودة إلى الوراء قليلاً وبالتحديد بعد إقالة المدرب الإيطالي في فترته الأولى، يبدو أن الرئيس نفسه كان يعلم في قرارة نفسه أنه كان قاسياً ومتسرعاً في إقالة المدرب، في الواقع عندما سئل في تلك الفترة عما إذا كانت إقالة أنشيلوتي هو القرار الصحيح، أجاب بلا مواربة: "لا أعرف".
ومن ثم نجد أن عودة بيريز للتوقيع مرة أخرى مع بطل العاشرة يعني أنه لم يرد بصراحة تكرار التجربة المريرة التي مر بها بعد مغادرة زين الدين زين في الفترة الأولى، فوجود بينيتيز آخر، أو لوبيتيغي آخر، أو سولاري آخر يمكن أن يؤثر كثيراً على طموحاته الشخصية وطموحات نادي ليس لديه رفاهية تجربة المدربين بعد موسم صفري أو حرق أموال في مشروع جديد مع مدرب مثل: أنطونيو كونتي الذي يُمثل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار تحت أي ظرف وفي أي لحظة، أو مدرب شاب مثل ماوريسيو بوكيتينو المعروف عنه صناعة اللاعبين أكثر من إحراز الألقاب.
أنشيلوتي.. مدرب يعرف قواعد اللعبة جيداً
مع سنواته الممتدة في عالم التدريب الذي يصل إلى أكثر من 26 عاماً يدرك المدرب الإيطالي تأثير رؤساء الأندية على مجريات الأمور بشكل كبير، عكس المدربين الشباب، مثل: زيدان أو بوكتينيو أو حتى كونتي، فخلال فترته الأولى لم يصطدم كثيراً مع الرئيس، وخلافه مع الرئيس والذي تم تناوله بشكل كبير في وسائل الإعلام هو إصراره على إراحة لاعبيه بعكس رغبة الرئيس بيريز الذي طالب بالمزيد من التدريبات بعد أن أظهرت إحصائيات الاتحاد الأوروبي أن الفرق الأخرى تقضي وقتاً أطول في العمل من ريال مدريد.
ومع ذلك، في نظر بيريز فإن المدرب الإيطالي يعتبر موثوقاً جداً ومطيعاً إلى حد ما، كما أنه يفهم أين تكمن القوة في نادي ريال مدريد ويعرف قواعد اللعبة جيداً، حتى إنه لم يثِر ضجة عندما تمت إقالته سابقاً.
لاعبون حول المدرب بأمرٍ من الرئيس!
كارلو أنشيلوتي سيلعب مع كل لاعبي الرئيس بيريز الذين يمكن أن يخفضوا الكثير من التكاليف المالية بحسب منهجه الواضح الذي أبداه في الموسم الماضي؛ وهو التقشُف لأقصى حد، فلاعب مثل جاريث بيل الذي يُكلف النادي الكثير من الأموال في حالة عودته من الإعارة يمكن أن يولد من جديد تحت قيادته مع بقاء عام آخر على عقده؛ وهذا يعني انتقاله بمبلغ جيد مستقبلاً.
كما أن لاعبين آخرين مثل: سيرجيو راموس وإيسكو ومارسيلو قد يعيدون النظر قليلاً في أمر انتقالهم بعد قدوم الإيطالي، فعامل التهميش كان واضحاً من المدرب زيدان لهم في الموسم السابق باستثناء راموس، ومن ثم عودة الإيطالي مرة أخرى قد تشجعهم على البقاء موسماً آخر على الأقل للتألق من جديد ومن ثم مغادرة النادي مرفوعي الرأس؛ وهو ما يريده الرئيس بيريز بالتأكيد، فتألق لاعب يعني أموالاً أكثر ومرونة أكبر عند التفاوض على خروجه مع الأندية التي تريد استقطابهم، ولكن هذا قد يطرح سؤالاً في غاية الأهمية وهو:
هل تعيين أنشيلوتي عودة للوراء؟
حسناً، واقع الأمر يقول إن المدرب الإيطالي بالتأكيد لم يكن من بين أفضل المدربين منذ فترة، مما يجعله اختياراً مخيباً للآمال ومتخلفاً في نظر بعض مشجعي ريال مدريد، لكن زين الدين زيدان لم يكن عبقرياً تكتيكياً، ومع ذلك حقق نجاحاً كبيراً في النادي بسبب إدارته الرائعة لغرفة الملابس، ومن ثم يمكن أن يُكرر أنشيلوتي ذلك أيضاً.
ولكن قلق المشجعين هو أن أنشيلوتي قد يبطئ عملية التجديد الضرورية في نادي ريال مدريد، إذا اعتمد بشكل مفرط على بعض اللاعبين الذين تألقوا بشكل كبير في فترته الأولى، مثل: راموس وإيسكو ومارسيلو، ومن ثم لا يكون أمامنا حتى الآن سوى الوقت ليخبرنا هل هذه الحركة المفاجئة من الرئيس بيريز أمر جيد أم لا، ولكن الشيء المؤكد أن مشروع الإحلال والإبدال في نادي ريال مدريد قد تم تأجيله إلى حين بأمر الرئيس.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.