انتشرت خلال رمضان العام الجاري ظاهرة إفطار بعض اللاعبين المسلمين خلال مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، ما جلب اهتمام متتبعي الرياضة العالمية، وفتح أمام الكثير ممن لاحظ ذلك الموقف مجالاً واسعاً للتأمل والتساؤل، ومن ثم البحث عن السبب.
وكان اللاعب الدولي الجزائري سعيد بن رحمة آخر أبطال الظاهرة الجديدة، لما أوقف حكم مباراة بيرنلي ووست هام المواجهة التي جرت الإثنين الماضي، في دقيقتها الـ35 قصد السماح للنجم الجزائري بالإفطار، أو بالأصح "كسر صيامه" عند أذان المغرب.
بن رحمة يكسر صيامه أثناء المباريات
وأظهرت اللقطات التلفزيونية بن رحمة وهو يتناول، في أقل من 30 ثانية، حبة تمر وجرعات قليلة من الماء والعصير، فيما رفض أخد حبة موز منحها إياه أحد أعضاء الجهاز الطبي لفريقه وست هام، ويكون قد أجل أكلها إلى فترة ما بين شوطي المباراة بغرفة تغيير الملابس.
وانتهت المباراة بفوز وست هام بنتيجة (2-1)، حيث منح بن رحمة تمريرة الهدف الثاني في الدقيقة الـ29 من اللقاء، كما أدى ابن مدينة "عين تموشنت" إحدى أفضل مبارياته منذ انطلاق الموسم الكروي الجاري، ما يؤكد أنّ الصيام لا يؤثر سلبياً على أداء الرياضي حتى ولو كان ينشط في مسابقة من المستوى العالي كالدوري الإنجليزي الممتاز.
المهم وبغض النظر عن المستوى المميز الذي ظهر به بن رحمة في يوم رمضاني، فإنّ الأمر الذي لفت الانتباه، كما قلت في بداية المقال، هو توقيف اللقاء قصد السماح للاعب بكسر صيامه أمام أعين الملايين من مشاهدي المباراة في بريطانيا وفي بلدان أخرى من العالم من أنصار الناديين أو من عشاق كرة القدم.
ومن المؤكد أنّ من بين هؤلاء المشاهدين يوجد المسلمون الذين استحسنوا تلك "الومضة" المقدمة من طرف بن رحمة، مثلما استحسنوا أيضاً اللفتة الطيبة من حكم المباراة ومن منظمي مسابقة "البريميرليغ" لاحترامهم شعيرة من شعائر الإسلام. ولكن من المؤكد أيضاً أنّ عدداً كبيراً من مشاهدي تلك اللحظات المميزة لم يكونوا من المسلمين، وأنّ معرفتهم بالدين الحنيف محدودة جداً أو مُشوهة، ما يكون قد دفع بالبعض منهم للتساؤل عما قام به بن رحمة وقام به لاعبون آخرون في بعض مباريات شهر رمضان الجاري.
وقد يكون فضول البعض من مشاهدي اللقطة، من غير المسلمين، قد دفعهم للبحث أكثر عن الإسلام، وبالتالي اكتشافه على حقيقته ونزع الصورة المُشوهة التي كانوا يحملونها في ذاكرتهم بأنه دين العنف والإرهاب والكراهية، والتي يُروّج لها الحاقدون إلى جانب عدد كبير من المسلمين المزيفين.
مواقف كانوتيه وماني وبنزيمة
ما قام به اللاعبون المسلمون الصائمون، خلال مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز، يعتبر واحداً من مواقف عديدة تميز بها لاعبون آخرون يكونون قد ساهموا بها، وبدون قصد، في التعريف بالإسلام ونشره في العالم.
وأستعرض فيما يلي البعض من تلك المواقف، وأفضل أن تكون البداية بتقديم مثال آخر عن إصرار اللاعبين على صيام شهر رمضان، فقد قرر اللاعبون المغاربة حكيم زياش ونصير مزراوي وزكريا لبيض صيام اليوم الثالث من شهر رمضان لسنة هجري 1440 والمتزامن مع شهر مايو لعام 2019، والذي جاء في موعد مباراة حاسمة لفريقهما أياكس أمستردام الهولندي مع نادي توتنهام الإنجليزي لحساب مواجهة الإياب للدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا لكرة القدم.
وقام اللاعبان زياش ومزراوي بالإفطار عند المغرب في الدقيقة الـ21 من المباراة، وذلك بتناول كيس صغير من المشروبات، فيما لم يلعب لبيض المباراة.
وعندما كان اللاعب الدولي المالي السابق فريدريك كانوتيه ينشط ضمن نادي إشبيلية الإسباني في الفترة من 2005 إلى 2012، أجبر إدارة فريقه على احترامه واحترام معتقداته الدينية.
فإضافة لحادثة رفض ارتداء قميص الفريق بشعار أحد الممولين الكبار للنادي، المتمثل في شركة للمراهنات، أي القمار، والسماح له بحمل قميص بدون هذا الشعار، فإنّ كانوتيه أجبر أيضاً ناديه على نزع شعار "الصليب" من القمصان التي يرتديها خلال المباريات.
كما قام كانوتيه بمنع إزالة مسجد بمدينة إشبيلية في سنة 2007، عندما اشترى الأرض التي كان مبنياً عليها بمبلغ نصف مليون يورو، وذلك بعد انتهاء فترة إعارة الأرض للجمعية الإسلامية من طرف الشركة المالكة.
ومن جهته اعتاد اللاعب الدولي السنغالي ساديو ماني، نجم نادي ليفربول الإنجليزي، على التواجد في مساجد مدينة ليفربول، وقد ظهر في أحد الفيديوهات وهو يشارك في تنظيف دورات المياه لمسجد "الرحمة".
وأكد ماني، في أحد تصريحاته السابقة، أنه مواظب على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، ما دفع نادي ليفربول لبناء مُصلى للجماهير وآخر للاعبين في ملعب "أنفيلد"، احتراماً لمشجعي الفريق المسلمين.
أما كريم بن زيمة، نجم نادي ريال مدريد الإسباني، وعلى الرغم من التهم التي تلتصق به من حين لآخر حول فضائح أخلاقية مزعومة، والتي نفاها شخصياً، فإنّه كثيراً ما يُظهر جهراً تمسكه بالدين الإسلامي.
وإضافة لقيامه بمناسك العمرة في عام 2016، فإنّ اللاعب ذا الأصول الجزائرية، قام في سنة 2013 بالتبرع بمبلغ 3 ملايين يورو لبناء مسجد في مسقط رأسه بمدينة ليون الفرنسية، كما أنّه كثيراً ما ينشر على حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً له بالقميص الإسلامي خلال شهر رمضان المبارك مع كتابة عبارة "صحّ فطوركم" بالحروف اللاتينية، ما يدفع الملايين من معجبيه ومتابعيه للتساؤل والبحث عن معنى هاتين الكلمتين.
صلاح موضوع دراسة أمريكية حول "الإسلاموفوبيا"
وعلى الرغم من أنّ عدداً كبيراً من اللاعبين يقومون بسجود الشكر بعد تسجيلهم للأهداف، فإنّ المصري محمد صلاح هو من اشتهر أكثر بهذه الحركة أو هذا التصرف، ربما لكثرة تسجيله للأهداف أو لنشاطه ضمن نادٍ كبيرٍ كليفربول الإنجليزي.
وقد فضلت أن يكون صلاح النموذج الأخير؛ لأنه كان لوحده بطلاً لبعض الدراسات حول تأثير رياضة كرة القدم على "الإسلاموفوبيا".
فقد كشفت دراسة صدرت عن "مختبر سياسة الهجرة" في جامعة ستانفورد الأمريكية، في يونيو/حزيران 2019، أنّ شهرة محمد صلاح في ليفربول قد قللت بشكل كبير جرائم الكراهية و"الإسلاموفوبيا" في منطقة "ميرسيسايد" الإنجليزية.
وقد كشفت الدراسة أن جرائم الكراهية قد انخفضت بنسبة 18.9% منذ انضمام النجم المصري لنادي ليفربول في يونيو/حزيران 2017.
وقالت الدراسة: "إنّ المشجعين يتلقون معلومات غنية عن حياة صلاح في الملعب وخارجه… ربما المرة الأولى يرى المشاهدون كيف تبدو الصلاة المسلمة عندما يسجل صلاح".
في الأخير، وبصفتي مسلماً، فإنني أحيي الحكام الإنجليز الدين يوقفون المباريات قصد السماح للاعبين المسلمين بتكسير صيامهم، مثلما أحيِّي أيضاً بريطانيا العظمى التي تعترف فعلياً بحرية الأديان والمعتقدات، بخلاف دول أخرى عديدة ما فتئت في السنوات القليلة الماضية تصدر القوانين الصارمة المقيدة لهذه الحرية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.