لم يلفت نظري في مسلسل "الطاووس" المذاع خلال بداية شهر رمضان شيء يذكر، ربما قصة شعر الممثلة سهر الصايغ المميزة، وذلك الظهور الطيب أخيراً لسيدة الشاشة العربية سميحة أيوب عقب مأساة العام الماضي في مسلسل "سكر زيادة". وقلت لنفسي ربما لو كان يعرض وحده خارج السباق الرمضاني، لحظي ببعض من الاهتمام والمتابعة، لكن بعرضه في الموسم الرمضاني حظوظه صارت محدودة، فلا صورته مبهرة كما هو الحال في مسلسل "موسى"، ولا الحالة التمثيلية فيه خارقة الجودة كـ"لعبة نيوتن"، ولا حبكته مبهجة كما في "خلي بالك من زيزي"، كما أنه لا يحتوي على مبالغات عنيفة ومستفزة للمشاهد كما في "نسل الأغراب".
باختصار مسلسل "الطاووس" مسلسل عادي، متوسط المستوى، لم يكن ليتصدر قوائم الأكثر مشاهدة بأي حال من الأحوال، لكنْ بيان واحد من المجلس الأعلى للإعلام المصري دفع الجمهور إلى البحث الحثيث عنه سواء عبر القنوات التلفزيونية، أو يوتيوب، أو بقية المواقع للتعرف عن قرب على ذلك المسلسل الذي أثار حفيظة مسؤولين بالدولة إلى هذه الدرجة!
تحقيق عاجل
ظلت أمور مسلسل "الطاووس" عادية، حتى عقب عرض مشهد الاغتصاب الذي لم يتضمن أية شكل من أشكال المبالغة أو خدش الحياء أو حتى لفت الانتباه، إلى أن ظهر بيان عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بشأن تحقيق عاجل مع المسؤولين عن مسلسل الطاووس، قالوا فيه: "قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام التحقيق فوراً مع المسؤولين عن إنتاج مسلسل "الطاووس"، ومسؤولي القنوات التي تقوم بعرضه، بعد أن تلقى شكاوى عديدة، حول استخدام لغة لا تتفق مع الأكواد التي أصدرها المجلس، وتؤكد على ضرورة إعلاء القيم وعدم المساس بالأسر المصرية أو الحط من شأنها، أو إظهارها في صورة تسيء إليها".. هنا سرت حالة عامة من التعجب خالطها شعور بالاستفزاز "لماذا الطاووس بالذات!".
على سبيل المثال لا الحصر يحتوي مسلسل "ولاد ناس"، على قصة لطفلة عمرها 16 عام حامل، أما مسلسل "ضل راجل" فحبكته الأساسية حول حمل طفلة قاصر، تعترف لوالدها، وتتعرض للعنف وعديد المخاطر في رحلة البحث عن حقها.
المخالفات لأكواد الأسرة المصرية في المسلسلات هذا العام بالجملة، يحيى الفخراني في دور نجيب زاهي زركش لا يترك كأس الخمر من يده طوال حلقات المسلسل المعروض في شهر رمضان الكريم، يظهر وقد عاش طوال 30 عاماً مع هالة فاخر بدون زواج، بل وتنجب خلال حياتها معه ثلاثة ذكور منهم واحد فقط ابنه، ولن أتحدث عن مشهد غرفة النوم في مسلسل موسى، ولكني سأقف عند أغرب طلب سمعته في حياتي بمسلسل "ملوك الجدعنة"، من ياسمين رئيس لعمرو سعد: "يا خويا يا ريت تتحرش بيا".
ناهيك عن كم المشاهد التي تؤصل لفكرة البلطجة والخروج على القانون، مع وضع قواعد للتحرش باعتباره أحد مظاهر الجدعنة والتميز لدى الذكور الذين لا يخشون أحداً أو شيئاً!
زمن الاغتصاب الجميل
بدا مشهد الاغتصاب في مسلسل "الطاووس" ملغزاً، البطلة التي كانت ترتدي اللون الأسود من رقبتها حتى أخمص قدميها، لم تبد أي انحراف يذكر، أما مشهد الاغتصاب نفسه في الواقع لم يكن سوى لقطة أظهرت وجه الشباب ولقطة تالية للممثلة في غرفتها مغطاة بالكامل لا يظهر منها حتى ظفر من يديها، ما أثار التساؤلات بشكل حقيقي حول الكود الذي جرى خرقه بالفعل، مع مسلسل يمكننا اعتباره الوحيد الذي يمكن لأفراد الأسرة أن يشاهدوه دون أن يباغتهم مشهد واحد خادش أو جملة جارحة!
تقول بطلة المسلسل، سهر الصايغ، عن ذلك المشهد بالذات "رؤية المخرج كانت الفيصل في هذا الأمر، الاغتصاب كمشهد تم تناوله بطرق عدة سواء في الدراما التلفزيونية أو السينما، كل مخرج له وجهة نظر في تناول تلك المشاهد، وكان هناك حرص على عدم تجاوز الحد الأدنى من الأخلاق وقيم المجتمع، وألا يشاهد المتفرج شيئاً غير مقبول أو غير راضٍ عنه أو يخجل منه".
الأمر الأغرب أن ذلك لم يكن مشهد الاغتصاب الأول الذي تبنى عليه أحداث مسلسل كامل، سبقه إلى ذلك مسلسل "قضية رأي عام"، عام 2007، بطولة يسرا ولقاء الخميسي، لكن مصر كلها لا تزال تذكر مدى بشاعة مشهد الاغتصاب في ذلك المسلسل بالذات، والذي عرض وقائع حادث اغتصاب لثلاث سيدات منهن سيدة حامل، بطريقة أثارت حفيظة الكثيرين لكن الإشادات بالمسلسل وأبطاله كانت الغالبة.
في الواقع حوادث الاغتصاب في الدراما المصرية قديمة للغاية، كانت تظهر على استحياء في الأفلام القديمة، على طريقة ظواهر طبيعية كالرعد والبرق والسيول، أما في السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات صارت أوضح وأعنف، لا أحد ينسى مشهد اغتصاب سعاد حسني في فيلم "الكرنك"، أو اغتصاب ليلى علوي في فيلم "المغتصبون" على خلفية حادثة فتاة المعادي، أو "في التخشيبة" مع نبيلة عبيد.
حتى إن بعض الفنانين اشتهروا بأداء أدوار التحرش والاغتصاب كما هو الحال مع الفنان حمدي الوزير والذي أكد خلال لقاء سابق له أنه لا توجد فنانة لم يقم باغتصابها في أعمال فنية، منهن يسرا، و نبيلة عبيد، وإلهام شاهين، وليلى علوي مرتين في المغتصبون وقبضة الهلالي.
دعاية مجانية
لم يكد بيان المجلس الأعلى للإعلام يظهر حتى انطلق على إثره هاشتاغ بعنوان "ادعم مسلسل الطاووس" تضمن أكثر من 10 آلاف مشاركة وتعليق، أما مشهد الاغتصاب نفسه فقد تصدر محركات البحث، وتخطت مشاهداته المليون مشاهدة في أقل من 24 ساعة عقب صدور البيان، حتى إن شبكة "سي إن إن" العالمية نقلت خبر تحول مشهد الاغتصاب إلى "الأعلى مشاهدة".
وأكثر أصدقائي الذين سبق لهم أن أعلنوا قوائم مشاهدتهم في رمضان، صار الطاووس على قائمة مفضلاتهم.
كشف التضامن مع المسلسل من عدمه الكثير من الممثلين والشخصيات العامة، فأضاف إلى أرصدة البعض كما هو الحال مع منى زكي وهشام ماجد وخالد سرحان، وخصم من أرصدة آخرين سبق لهم التضامن مع مسلسل "أحمس" الذي سبق وقفه بالفعل بسبب أخطاء تاريخية، ولم يبد منهم أي تضامن أو محاولة لإصلاح هذه المرة ومن بينهم المخرج عمرو سلامة.
هل يجسد الطاووس قضية الفيرمونت؟
تكهنات عديدة ربطت بين أحداث المسلسل وأحداث قضية فتاة الفيرمونت، وهي قصة فتاة تعرضت للاغتصاب في عام 2014 داخل فندق فيرمونت نايل سيتي بالقاهرة الشهير، تحت تأثير المخدر على يد 7 متهمين من أبناء شخصيات عامة ورجال أعمال.
تشابهت عدة تفاصيل مثل تعدد الفاعلين في فعل الاغتصاب، أربعة في المسلسل وسبعة في الحقيقة، فعل التخدير، وكون أكثرهم من أبناء الأثرياء وذوي النفوذ، وفي الوقت الذي تم الربط فيه بين تحرك الأعلى للإعلام ووجود ضغوط فعلية من أصحاب القضية الأصليين، فالواقع أن هذا الادعاء –إن صح- فقد ساهم في إعادة نشر القضية وكذلك إعادة الإشارة إلى المتهمين وذويهم بطرق عدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تارة بصورهم وتارة أخرى بأسمائهم وعائلاتهم، فيما عادت الحياة إلى هاشتاغ "قضية الفيرمونت" بعد أن كفّ المعلقون عن الإضافة له.
على كل حال صناع المسلسل لم يدعوا فرصة إلا وأكدوا فيها أن المسلسل ليس له علاقة بالقضية من قريب أو بعيد، مخرج المسلسل رؤوف عبد العزيز أكد أن المسلسل لا يجسد قصة الفيرمونت بعينها، لكنه يتناول كافة قضايا التحرش والاغتصاب والعنف ضد المرأة. سهر الصايغ نفسها تحدثت أيضاً عن أن المسلسل لا يتناول قضية الفيرمونت مؤكدة: "كان لديّ علم بتلك القضية لكني لم أعتمد عليها في تكوين تاريخ الشخصية لأن القصة بعيدة عنها ولا نتصدى لها على الإطلاق، نعم نحاكي الواقع لأنها حادث تكرر أكثر من مرة وبعدة صور، ولكن ليس قضية بعينها".
قرر "الأعلى للإعلام" في النهاية حفظ الشكاوى المقدمة ضد المسلسل، بعد أن تبين حصوله على الموافقات اللازمة من الرقابة على المصنفات الفنية، كما أنه لم يتم وقف عرض المسلسل قبل أو أثناء التحقيق، لكن الأكيد أن المسلسل حظي باهتمام مضاعف وتحولت محنته إلى منحة عقب تحول أنظار المصريين إليه في انتظار العدالة من مرتكبي الحادث سواء كانوا في الواقع أو المسلسل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.