قضايا الشرق الأوسط من أكثر القضايا والمناطق التي تتأثر بتوجهات القيادة السياسية الأمريكية، ما يجعل منطقة الشرق الأوسط مترقبة دائماً للتوجهات الأمريكية، الرئيس الجديد الذي يجلس في البيت الأبيض؛ وذلك للدور الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ولسبب آخر أن معظم الأنظمة في هذه المنطقة تدين بالولاء الكامل للإدارة الأمريكية، لأنها أتت برغبة منها، لتحقيق مصالحها في المنطقة.
ويُنظر إلى بايدن على أنه شخصية مألوفة على المسرح العالمي، منذ عمله في الكونغرس، وتوليه منصب نائب الرئيس باراك أوباما، كما أنه يُعتبر شخصية وسطية، لا تميل إلى الانحراف والتطرف، ويُرجّح أنه سيعود إلى استخدام الأساليب التقليدية للقوة الأمريكية في الخارج.
ونادراً ما يبتعد الرؤساء الأمريكيون عن المبادئ التوجيهية التي تمليها المصالح القومية الأمريكية والتي توصي بها الوكالات المتخصصة في التعامل مع دول العالم. وفي العموم نجد أن السياسة الأمريكية تتسم بالبرجماتية، لذلك لا تعرف الثبات أو الرهان على تكرارها.
ويمكن القول إن طبيعة الشخصية الرئاسية ومزاجها وميولاتها الأيديولوجية والدينية تحدد بشكل كبير طريقة تنفيذ السياسات، وحماية المصالح القومية الأمريكية، وتحدد شكل التفاعل معها، وشخصية الرئيس وإدراكه يحددان الطريق الذي تسلكه عملية وضع المخططات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، وتنفيذ هذه المخططات.
بايدن والقضية الفلسطينية
القضية الفلسطينية لا تعني كثيراً ساكن البيت الأبيض على مر العصور، وكل ما يعني الإدارة الأمريكية الحفاظ على أمن واستقرار (إسرائيل)، والحرص على تفوقها العسكري في المنطقة. ودونالد ترامب هو الرئيس الذي منح (إسرائيل) أفضل ما تتمنّى في تاريخ علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وسياسة بايدن تتلخص في حل الدولتين، طبقاً لبرنامجه الانتخابي، وما أعلنه من تصريحات، بحيث تكونان متجاورتين قابلتين للحياة، وتعيشان معاً في سلام وأمن واعتراف متبادل. كما أنه يعارض أي خطواتٍ أحادية الجانب من أي جانب تقوض حل الدولتين، وكذلك يعارض الضم والتوسع الاستيطاني. ويشدّد على أنه سيتخذ خطوات فورية، لاستعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك مساعدة اللاجئين الفلسطينيين. وإنه سيعمل على معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة، وسيعمل على إعادة فتح القنصلية الأمريكية المغلقة في القدس الشرقية، ومكتب بعثة منظمة التحرير المغلق في واشنطن.
وأخيراً، يقول بايدن إنه يدين الدعوات القائمة لإقرار مشاريع قوانين في الولايات المتحدة تدعو إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، وذلك لأنه لا يدعم أي جهود لتجريم حرية التعبير.
كما أكد على أن الدعم الأمريكي المالي والعسكري لـ(إسرائيل) سيستمر بغض النظر عما سيؤول إليه مسار التسوية. ومن ثمّ يجب عدم رفع سقف التوقعات بالنسبة لإدارة بايدن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ وعلى الفلسطينيين أن يكون لهم مشروع يتفقون عليه للتأثير في سياسة بايدن، بكل الوسائل والطرق الدبلوماسية.
وفي ذات السياق لا يجب أن ننسى العقيدة السياسية التي بنى عليها بايدن سياساته تجاه (إسرائيل) في فترات سابقة، فخلال عضويته في مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي في الفترة 1973 – 2009، كان بايدن يُعدّ من المؤيدين لإسرائيل داخل الحزب، فقد حرص بشكل متكرر على زيارة فلسطين المحتلة من أجل الالتقاء بمسؤولين إسرائيليين للتعبير عن دفاعه الشرس عن (إسرائيل)، وكانت نقطة البدء بالنسبة له زيارته الأولى للقاء رئيسة الوزراء الإسرائيلية، "غولدا مائير" عقب انتخابه عضواً في مجلس الشيوخ عام 1973.
كما حرص بايدن خلال مسيرته السياسية في مجلس الشيوخ التي توّجها برئاسته لجنة العلاقات الخارجية في المجلس في الفترة 2007 – 2009، على التشديد بشكل متكرّر على أهمية وجود (إسرائيل) في المنطقة العربية، من أجل حماية المصالح الأمريكية وحماية أمن اليهود في العالم، بوصفها وطناً قومياً آمناً ليهود العالم.
وأثناء عمله نائباً لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق، باراك أوباما، في الفترة 2009 – 2017، حاول أن يمسك العصا من المنتصف في تعامله مع (إسرائيل)، فانتقد استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، ومن جهة ثانية، يُعدّ بايدن من أبرز مؤيدي (إسرائيل) في إدارة أوباما، فقام بحلقة الوصل بين الإدارتين، الأمريكية والإسرائيلية، بعد توتر العلاقات بين الطرفين إثر توقيع الولايات المتحدة ومجموعة القوى الكبرى اتفاقاً مع إيران حول برنامجها النووي عام 2015، حيث لعب بايدن دوراً مهماً في تقديم إدارة أوباما أكبر هدية في تاريخ العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، عندما حصلت (إسرائيل) على قرابة 38 مليار دولار من الدعم العسكري على مدار عشر سنوات، وبارتفاع ملحوظ عن الحزمة التي سبقتها، والتي بلغت نحو 30 مليار دولار.
السياسة الأمريكية الجديدة تجاه دول الخليج وأزمة اليمن
تمثل دول الخليج العربي بالنسبة للإدارة الأمريكية مصدراً مهماً للطاقة، وللاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية بمئات المليارات من الدولارات. ولذلك تحرص الإدارات المتعاقبة على الاستفادة الكبيرة من تلك الدول. ولعل ترامب من أكثر الرؤساء الأمريكان الذين حاولوا بكل الطرق أخذ الأموال المباشرة من بعض الدول، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي حصل منها على أكثر من 450 مليار دولار.
كما أن منطقة الخليج تعتبر من أكثر الدول استيراداً للسلاح، والمعدات العسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية، كما يوجد العديد من القواعد العسكرية في مناطق مختلفة من الخليج، لضمان أمن إسرائيل، ولردع إيران في أي وقت بشكل سريع.
ومن ثمّ ستسعى إدارة بايدن على نفس الطريقة، مع بعض التجميل، وإحداث حالة من التوازن السياسي والدبلوماسي، ومن نتيجة ذلك مراجعة القرارات التي اتخذها ترامب تجاه إدراج الحوثيين على اللائحة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، لأن ذلك يهدد إيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق واسعة يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
كما أعلنت وزارة الخارجية تجميد الأسلحة الدقيقة للسعودية، حيث ترى الإدارة الجديدة أن السعودية أضرت بشكل كبير بالملف اليمني، ولم تحسمه بالشكل المطلوب، مما أدى إلى كوارث إنسانية، وارتكبت العديد من الأخطاء الفادحة ضد المدنيين اليمنيين، وهذا ما عبّر عنه وزير الخارجية "بلينكن" بوقف الدعم العسكري للتحالف السعودي الإماراتي، بقوله: "إن هذا التحالف ساهم في كثير من الأحيان بأسوأ أزمة إنسانية في العالم اليوم". مع الحرص على دعم السعودية لضمان أمنها، سعياً لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن.
وعلى الأرجح ستسعى إدارة بايدن لتسوية النزاع في اليمن بين المتنازعين (الحوثيين والسعودية)، باستخدام ورقة طهران للضغط على الحوثيين، وتنتهي المسألة إلى تقاسم السلطة بين الحوثيين وحكومة هادي، والمتضرر في النهاية هو الشعب اليمني.
وفي ملف حقوق الإنسان؛ ربما يتم فتح قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي مرة أخرى، بعد عزم الإدارة الجديدة رفع السرية عن تقرير استخباراتي أمريكي عن الجريمة التي قالت وكالة المخابرات المركزية "سي.آي.إيه" إنها تمت بموافقة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وربما أمر بها.
ومن ثمّ أتوقع من المملكة العربية السعودية تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان بما في ذلك إطلاق سراح السجناء السياسيين، مثل المدافعات عن حقوق المرأة من السجون السعودية.
وعلى صعيد صفقة المقاتلات من طراز إف-35 للإمارات العربية المتحدة، فقد أعلنت واشنطن تجميد تلك الصفقة التي أقرّها من قبل ترامب. ومع ذلك من المرجح أن تستمر الشراكة القوية بين الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة في عهد بايدن.
وفي ذات الوقت رحبت الإدارة الأمريكية الجديدة بالتطبيع مع (إسرائيل) من بعض الدول كـ(الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان)، الذي انتزعه ترامب قبل رحيله. وسيسعى بايدن للاستمرار في هذا المسار، وسيشجع العواصم العربية على إقامة علاقات طبيعية مع الدولة العبرية، لأن هذا بنظر الرئيس المنتخب وإدارته الديمقراطية يصب في مصلحة عملية السلام ويشجع (إسرائيل) على تقديم تنازلات للفلسطينيين.
والخلاصة: أن مصالح دول الخليج مع الولايات المتحدة لا تقل أهمية عن مصالح أمريكا مع تلك الدول، فهناك مصالح حيوية استراتيجية أساسية؛ منها أمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى التنافس الكبير على هذه البقعة من الشرق الأوسط، في مقابل ردع أية محاولات لتهديد أمن الخليج، وضمان سلامة وأمن (إسرائيل).
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.