هل لاحظتم العناق الطويل بين زيدان ورئيس النادي عقب المباراة الأخيرة؟ ما هو السبب الحقيقي لرحيل زيدان؟

عدد القراءات
11,200
عربي بوست
تم النشر: 2018/06/01 الساعة 16:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/29 الساعة 08:25 بتوقيت غرينتش

الكُل كان يتحدث عن رحيل كريم بنزيما وغاريث بيل بصورة متكررة وبشكل شبه مؤكد، مع ترقُّب الجميع موقف النجم الأول كريستيانو رونالدو لتحديد موقفه، وهو الذي لطالما شغل الصحف بتصريحاته الغامضة، كل هذه الملفات كانت تدور في البيت الأبيض الملكي بعد إحراز اللقب الأوروبي لموسم 2017-2018 والاحتفاظ به للعام الثالث على التوالي، ولكن ماذا حدث؟!

خبر صادم لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين ولن يراهن أحدٌ على حدوثه؛ إنه استقالة المدير الفني لريال مدريد، زين الدين زيدان، في مؤتمر صحفي مفاجئ، وأراهن على أن حتى من دُعوا لحضور هذا المؤتمر الصحفي من الصحفيين ومراسلي القنوات التلفزيونية لم يكونوا يتوقعون هذا السيناريو من المدرب الفرنسي.

حسناً وقع الخبر وأصبح حقيقة ماثلة أمام الجميع وأولهم اللاعبون والمشجعون، والأهم رئيس النادى فلينتيرو بيريز، الذي وإن لم يُرِدْ ذلك فإن تكرار مسيرة فيرغسون مع مانشستر يونايتد كانت ماثلة وممهِّدة لها بقوة في شخص زيدان، ولكن فلنعُد للبداية ونسأل سؤال المليون دولار:

ماذا لو رحل زيدان وهو يحمل ميدالية المركز الثاني في دوري الأبطال؟!

بالتأكيد، كمية التعاطف الذي وجده الآن وهو يغادر بطلاً ما كان سيجدها وإن وجدها فستكون بصورة أقل؛ لأن النادي الملكي وإدارته في شخصية بيريز لا يحتملان خروج النادي الملكي خالي الوفاض من الموسم ومن دون أي لقب، وسيكون الطريق ممهَّداً للرئيس لإقالة المدرب وهو الذي عودنا على إقالة مدربين في ظروف لم تكن متوقعة لكثير من المتابعين.

لذلك، أتى الخبر صادماً للمشجعين واللاعبين وحتى رئيس النادى نفسه، الذي تم إبلاغه القرار من المدرب قبل فترة قليلة فقط من دون وجود مؤشرات -سواء منه أو المدرب- على حصول هذا الأمر. وبالعودة لمنصة التتويج في نهائي دوري الأبطال، هل لاحظتم العناق الحار الذي حصل بين الرجلين وكمية الرضا والسرور الذي ظهر على وجه الرئيس؟ كانت نتيجته معانقته المدرب فترة أطول من باقي جميع عناصر ريال مدريد، وهذا وحده كفيل بإخبارنا بأن لا مشاكل لا يمكن تجاوزها موجودة بين الرجلين حتى وإن قالت الصحف عكس ذلك.

فالجميع لديه فكرة مسبقة عن طريقة إدارة الرئيس للنادي الملكي في حقبتيه بالصفقات الخيالية التي تستهدف الإعلام أكثر من الحاجات الفنية والتكتيكية لكل مدرب، ولكن زيدان بعد النجاحات التي حققها مع الملكي كان باستطاعته "ليّ" ذراع الرئيس لتحقيق رغباته الفنية وإدارة ملف الانتقالات بالطريقة التي يريدها؛ فهو يقف في موقف قوة، وشعب ريال مدريد كله وراءه، وهذا يقودنا للسؤال الثاني:

ماذا حدث في غرفة إدارة ريال مدريد؟!

غرفة اللاعبين لا حاجة للحديث عنها؛ فالمدرب فرض سيطرته واحترامه الكاملين على اللاعبين، وأهمهم نجم الفريق السوبر ستار كريستيانو رونالدو، ولكن غرفة الإدارة ممثَّلة في الرئيس بيريز تبدو "محلك سِرْ" في اتخاذ المدرب هذا القرار المفاجئ.

وبالعودة لاستعراض مسيرة المدرب خلال السنوات الثلاث التي تولى فيها تدريب ريال مدريد، نجد أن منهجية المدرب هي الهدوء ثم الهدوء في تعامله مع الأمور ولا يحب الصدامات الإعلامية، سواء مع الرئيس أو اللاعبين؛ بل دائماً يعطي لغرفة اللاعبين أهميتها، باحتواء كل ما يمكن أن تتم مناقشته، وهذا يرجع لخلفيته كلاعب مميز وقائد محنَّك في ماضيه الرياضي.

لذلك، نجد أن هنالك مستجداتٍ ما، طرأت بينه وبين الرئيس، قادته إلى هذا القرار المفاجئ والصادم في الوقت نفسه، وبالعودة أيضاً لأحد تصريحات المدرب في مطلع الموسم، وتحديداً في شهر مارس/آذار 2018، من هذا الموسم قبل إحدى المباريات في الدوري، عندما سُئل عن مستقبله مع الفريق فإجابته التي يمكن تلخيصها هي حبه للنادي وعشقه للتدريب وتمسُّكه بالبقاء ضمن أسوار النادى أطول فترة ممكنة "نموذج فيرغسون"، مع تأكيده أن هذا القرار لا يعود له بشكل "كُلّي"، وضَعْ تحت هذه الكلمة ألف خط.

إذن، هنالك شيء ما استجدَّ في العلاقة بين المدرب ورئيس النادي، فرئيس النادي منذ ابتعاد الفريق عن المنافسة على الدوري والخروج من بطولة الكأس أصبح يبحث عن سبب ما لإقالة المدرب، ولكن المسيرة الناجحة التي سار عليها المدرب مع فريقه في أهم بطولة قارية للأندية منعته من زعزعة استقرار الفريق، وهذا يقودنا للسؤال أيضاً:

هل زيدان أناني أم واقعي؟!

مَن تابع المدرب في مسيرته مع فريق مدريد الثاني "الكاستيا" يجد أن الرجل وجد صعوبات كبيرة في تحقيق الانتصارات والعروض التي ترضي طموحات الإدارة، ولكن لم يتم تسليط الضوء عليه؛ لأن الأضواء كلها منصبَّة على الفريق الأول، وحتى بعد قدومه مساعداً لأنشيلوتي عرف الجميع أن هذا المدرب سيكون مدرباً للريال في يوم ما، وبعد ما حصل في حقبة رافائيل بينتيز والمشاكل التي رافقته، اتجهت الأعين نحوه، ولكن ليس بتلك القوة.

لذلك، قرار تعيينه لإدارة الفريق الأول كان مثل "خطة الطوارئ" التي يمكن أن يمر بها أي نادٍ مع مدربيه الفنيِّين الذين تتم إقالتهم، ولكنه تخطى المعقول وحقَّق ما لم يستطع الكثيرون ممن مروا على الدكة الفنية تحقيقه، 9 بطولات خلال 3 سنوات، وجميع البطولات كان مرفوقاً معها رقم قياسي بالفوز بدوري أبطال أوروبا 3 مرات.

ماذا يريد أي مدرب بعد تحقيقه هذه النجاحات؟ هل يغادر بطلاً متوَّجاً أم ينتظر ليرى ماذا سيحدث في المستقبل، وهو بكل تأكيد ليس مضموناً، ومع فريق مثل ريال مدريد فإن كل شيء وارد، والأمثلة على هذا كثيرة؟

وهذا يقودنا إلى أن هذا المدرب واقعي جداً في النظر إلى مسيرته الرياضية منذ أن كان لاعباً وحتى دخوله مجال التدريب، فجميعنا نتذكر اعتزاله في القمة، والآن يغادر أكبر نادٍ بأوروبا في القمة أيضاً، فهنالك فاصل دقيق بين الغرور والأنانية والواقعية، وتفكير المدرب الفرنسي يقع في الخانة الثانية؛ لأن هذا الخروج المفاجئ لا يمكن تفسيره -إذا استبعدنا وجود مشاكل إدارية- سوى أن المدرب قد وصل لحد الإشباع ولا يوجد جديد -في قرارة نفسه- ليقدِّمه؛ بل الضغوط هي التي ستكون مرافقة له في قادم السنوات مع نادي مثل ريال مدريد، وأراد تجنُّب هذا الأمر في توقيت لا يمكن إلا أن نطلق عليه "توقيتاً ذهبياً-Golden Time"، وهذا يقودنا للسؤال:

ماذا سيحصل له؟!

فِكرة استبعاد اعتزاله التدريب لا يمكن التفكير فيها، وإن عوَّدنا المدرب على المفاجآت، ولكن بحسب حديثه في المؤتمر الصحفي، فإننا ربما لن نسمع عنه مدة موسم كامل؛ لأنه يريد الراحة بعد هذه المسيرة القصيرة نسيباً والعامرة بالألقاب والتشكيك في قدراته التدريبية، خاصة من أنصار نادي برشلونة، وبعض اللاعبين الذين رافقوه في مسيرته الرياضية، وهذا يقودنا أيضاً إلى السؤال التالي: ماذا سيحصل للاعبي الفريق الملكي؟!

بالتأكيد، جميعهم علموا بالقرار مسبقاً قبل المؤتمر الصحفي بساعات حسب كلام المدرب نفسه، وبما أن كأس العالم على الأبواب وجميع لاعبي الريال لاعبون دوليون، فإن هذا الأمر -ربما- لا يشغل تفكيرهم حالياً، وسيكون لما بعد المونديال الكثير مما يمكن قوله وتحليله، مما يجعلنا نتساءل:

من هو الخاسر: زيدان أم النادي؟!

لا يوجد خاسر بكل تأكيد، النادي عزَّز مكانته في سباق دوري الأبطال وأحرز ثلاثية تاريخية، فرغم مسيرته المخيبة في الدوري وبطولة الكأس، فإن إحراز اللقب الأوروبي والخروج من الموسم بهذه الجائزة الرفيعة والغالية بإمكانهما محو أي خيبات محلية في انتظار سوق الانتقالات وصافرة انطلاق الموسم القادم.

أما عن المدرب، فهو أكبر الرابحين، بالخروج مرفوع الرأس بطلاً متوَّجاً بثلاثية تاريخية وبطولات كثيرة في فترة زمنية قصيرة جداً يحلم بها أي مدرب كرة قدم، وتعزيز سيرته الذاتية كمدرب لا يُشَقُّ له غبار وأفضل المدربين الذين مروا على النادي طوال تاريخه الكبير، ويجب ألا ننسى الصفة التي ستكون ملازمة له بصفته مدرباً قادراً على التعامل مع كل الظروف، وأهمها التعامل مع النجوم وإخضاعهم تحت جناحه مهما كان اسم النجم، وستكون الأبواب مفتوحة أمامه لتدريب أي نادٍ أو منتخب، مما يقودنا إلى التساؤل: ما هي خططه المستقبلية: تدريب نادٍ أم منتخب؟!

حقيقة الأمر، مهما اجتهدنا فإن هذا القرار لا يمكن أن نسمعه سوى من المدرب نفسه، خصوصاً مع اتخاذه قرار الراحة موسماً كاملاً، وفي هذا لا يمكننا سوى الانتظار على الرغم من أن المفاجآت واردة مع نهاية كأس العالم القادم وانطلاق الموسم الكروي القادم، ولهْث الكثير من الأندية والمنتخبات لتغيير إطاراتها الفنية بناءً على ما ستسفر عنه نتائج هذه المنتخبات بالمونديال أو طموحات الأندية نفسها في البطولات المحلية والأوروبية، وهذا يقودنا ليس إلى السؤال، ولكن لذكر:

أن زين الدين زيدان سطَّر اسمه من ذهب في تاريخ ريال مدريد، واستطاع أن يتجاوز الكثير من المعضلات لتحقيق إنجازات ستتم كتابتها بمداد من ذهب في تاريخ كرة القدم الأوروبية ونادي ريال مدريد بشكل خاص، وسيظل اسمه مقروناً بالبطولات، وأهمها ثلاثية دوري الأبطال المتتالية، التي ستظل العلامة الفارقة في تاريخه وتاريخ فريق ريال مدريد، وأن كل هذا لم يأتِ نتيجة حظ أو شعوذةٍ ما؛ بل بالاجتهاد والمثابرة والثبات على المبادئ وفرض الاحترام على الجميع، وسيذكر التاريخ أن هنالك لاعباً ومدرباً فرنسياً من أصول جزائرية قد مر من بوابة النادي الملكي وصنع المعجزات وحقق الألقاب، في حين كان خصومه يسخرون منه، ولكن التاريخ دائماً يذكر أصحاب المراكز الأولى والأبطال وصانعي المعجزات، أما عبارات السخرية وتقليل الإنجازات، فمصيرها النسيان بكل تأكيد.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
مدثر النور أحمد
كاتب سوادني
مدثر النور أحمد هو كاتب سوداني مهتم بالرياضة والتكنولوجيا والخصوصية على الإنترنت. لديه حُب وعِشق مختلفان للرياضة وخاصة كرة القدم.
تحميل المزيد