مثل كل عام يحتفل المسلمون بذكرى المولود الشريف محمد خير خلق الله -عليه الصلاة والسلام- الذي يصادف الثاني عشر من ربيع الأول.
ومثل كل عام تصاحب الذكرى جدلية الاحتفال بمولد الرسول الحبيب خير الأنام من عدمه، ولكن المغزى ليس كونها مجرّد عادة ألفناها، وكبرنا عليها للتعبير عن الفرحة والمحبة لحبيبنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ومناسبة دينية لها قيمة في عقيدتنا الإسلامية.
لقد كان مولده الشريف سبباً في عتق جارية، وهذا كان أسلوب عمه أبي لهب في التعبير عن فرحه، إنه دافع كافٍ لنعبر عن فرحتنا كما قال تعالى: "إنه كان في أهله مسروراً" (الانشقاق: الآية 13).
فالجوهر والخلاصة ليس في الابتهاج، ولكن علينا بالانتهاج الذي بناه، والمعتقد الذي حرص عليه في القرآن والسّنة، وعلينا أن نجدد العهد في كل ذكرى.
فأين نحن من رسول الله؟ هل نحب لغيرنا كما نحب لأنفسنا؟ هي معادلة صعبة نوعاً ما في زمن أصبح معامله يشتق من الفتنة.
فعلينا أن نجدد العهد في كل ذكرى، ونسلك نهجه في مواقفه النبيلة، بأن نعيشها مع أجيالنا في وسط مجتمعنا، أن نحاكي سيرته مع أولادنا، ونستحضرها في يومياتنا فهي تنمية بشرية وأخلاقية.
علينا أن نجدد العهد في كل ذكرى، ونزكي أنفسنا في استنباط الأسس من السيّر المحمدية، واقتفاء الأثر؛ لأنها تساعدنا في سعة الأفق وبعد النظر.
هو مدرسة بأكملها في جميع التخصصات، وهو الملقب بالصادق الأمين الذي كان يحفظ الأمانات لأهلها، وعمل على تسويق رسالة الإسلام بالترغيب وغرس المبادئ والقيّم في مجال التجارة والتأمين على الصدق، والأمان، والشفافية، والرضا وعمل على مفهوم التكامل الاقتصادي والتحوّط في زمن الشدة، تحت فضيلة الإحسان والصدقة وفريضة الزكاة، فهو يعدّ بذلك المنظمة، وهو المؤسسة، وهو التكتل، كل هذا أصبح علماً ونظريات مطوّرة ومطبّقة، ولكن كان من الأجدر بنا نحن كعرب ومسلمين العمل بها قبل غيرنا، ولكن نحن ما زلنا في غفلة طويلة الأمد.
علينا أن نجدد العهد في كل ذكرى ونعلم أجيالنا مفاهيم الأخلاق والإحسان ومبادئ السلام، وكرامة الإنسان وحقوق الجار والمسكين، ومعاملة الأسير، وعدم انتهاك حرمة الطفل والكبير، فكل شيء خُلق بقدر.
قيمتنا المضافة محصورة بين الحياة والموت، فلم نخلق من أجل العدم؛ بل خُلقنا من أجل صناعة الأمم، فلنجدد العهد كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله".
فمصيرنا واحد، ونعاني من مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية متشابهة، فهو رهان وتحدٍّ.
علينا أن نجدد العهد بهذه الذكرى الشريفة، ونغوص في السيرة المحمدية، فبعد التمجيد للذكرى يليه تجسيد ذو جدوى، فذكّر إنما أنت مُذكِّر.
فأكبر محبة من الله لعباده أنه بعث فينا محمداً رسولاً ونذيراً؛ ليتمم مكارم الأخلاق، وشفيعاً لنا في الآخرة.
عسى أن يكون الملتقى مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الحوض الشريف أجمعين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.