لاجئ على مر الزمان

إذا أراد العرب أن يبتعد ويتخلى عن واجبه تجاه فلسطين، فعليه إذن أن يتعامل مع الفلسطينيين بكل احترام، ويقدم لهم الغالي والنفيس؛ لأنهم هم رأس الحربة لحماية أوطانهم، هم من يدفعون الضريبة إذن، هم كبش الفداء لهذه الأمة العربية التي تُعلن المسجد الأقصى أولى القِبلتين، ولا تدافع عن ذرة تراب فيه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/09 الساعة 00:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/09 الساعة 00:05 بتوقيت غرينتش

"العرب هربوا من البلاد، وكانت البلاد فارغة من أصحابها الأصليين، لم يكن من الممكن لاسرائيل في فترة ما قبل قيام الدولة أن يتصور حدوث شيء كهذا". هذا تعليق ديفيد بن غوريون، رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي أثناء الحرب التي شنتها إسرائيل على فلسطين عام 1948.

بالإشارة هنا إلى أن الفلسطينيين خرجوا من بلادهم هاربين غير متمسكين بأرضهم، وهذا ما روّجوا له ليثبتوا أن الحق لهم في هذه الأرض، ولم يروّج حينها أن أكثر من مليون فلسطيني خرج عنوة نتيجة الحرب الشرسة التي شنها الإسرائيليون في تلك الفترة.

في حين أن الفلسطينيين الذين خرجوا حينها تلقوا أوامر من الأنظمة العربية للخروج من منازلهم ووعوداً بالعودة إلى منازلهم وقراهم بعد فترة وجيزة، ولكن فشل العرب بمهمتهم بالتصدي لإسرائيل العاتية حال دون تحقيق هذا الوعد.

وحديثنا اليوم هو عن الظروف التي خرج بها أولئك الفلسطينيون الذين توزعوا على البلدان الحدودية مع فلسطين والأردن ومصر ولبنان وسوريا وأيضاً العراق.

أكثر من مليون فلسطيني عاشوا ظروفاً قاسية دفعتهم للخروج تحت وطأة المذياع الإسرائيلي المنادي: "أنقذوا أرواحكم أيها المؤمنون.. اهربوا لتنجوا"… خرجوا مذعورين من بيوتهم، خرجوا ليهربوا حاملين أطفالهم من حملة التطهير العرقي التي طالتهم حينها.

فالفلسطينيون اللاجئون خرجوا من ديارهم "عنوة"، انتقلوا ليعيشوا في خيام نصبت لهم على مشارف بلدهم؛ ليعاصروا الظلم والنكبة التي وُلدت من رحم "وعد بلفور المشؤوم"، ذلك الوعد الذي حققه البريطانيون لإحلال دولة لاسرائيل، بدلاً عن فلسطين؛ ليبدأ مشوار دولة الاحتلال، ويبدأ معه مشوار اللاجئين أيضاً.

مشوار معبّدٌ بالويلات والقهر والظلم، عاشوا في الخيام التي رفضوا وجودهم بها بداية، ولكن سرعان ما تأقلموا عليها، وتم تحديد شكل الإقامة أخيراً، وهو السكن في "المخيم"، والمخيم حسب تعريف الأونروا هو: "قطعة من الأرض، إما حكومية أو في أغلب الحالات استأجرتها الحكومات المستضيفة من الملاك المحليين، وضعت تحت تصرف الأونروا كمساعدة للاجئين الفلسطينيين في تسهيل احتياجاتهم الأساسية، ولا يمكن لسكان المخيمات تملك هذه الأراضي، ولكن لهم الحق في الاستفادة منها للسكنى"، فطوَّروا بها حتى صارت المخيمات اليوم عبارة عن أبنية شاهقة.

والجدير بالذكر أنه عندما لجأ الفلسطينيون إلى لبنان، وبعد أن حطت الحرب العربية – الإسرائيلية أوزارها عام 1949 ورفضوا عودة اللاجئين بدأ معها مشوار التنكيل والتمييز بحق اللاجئين، ويعود هذا السبب إلى أن لبنان رفض فكرة أن يتوطن الفلسطيني في دياره، ويذكر أنه عندما أعيد توزيع اللاجئين بين لبنان وسوريا والأردن كانت هناك شاحنات تقل لاجئين للحدود السورية، ويتم رفضهم من قِبل الدولة السورية حينها، حتى باتوا معلَّقين على الحدود، مما استدعى أن يبنوا مخيمات في شمال وشرق لبنان، مثل البقاع وبعلبك ونهر البارد والبداوي، فضلاً عن النظرة السائدة التي حولت الفلسطينيين من لاجئين وجب استقبالهم واستضافتهم لجنود احتلوا البلاد المُستضيفة.
ويعتبر فؤاد البستاني، المؤرخ وعضو "الجبهة اللبنانية"، أن لبنان لم يكن موافقاً على استقبال اللاجئين، ولكن رضخ لضغوط مورست عليه من الجانب البريطاني لاستقبالهم، ولكن لم يكن بالحسبان أن يتدفق هذا العدد الكبير منهم إلى لبنان.

ويعتبر لبنان بلداً قائماً على التوازن الطائفي، وكون الفلسطينيين من المسلمين السنة، فإنهم يشكلون خطورة على هذا التوازن، بوجودهم على أرض لبنان، ولكن على المقلب الآخر فقد خرجت أصوات لبنانية ترفض التعامل السيئ مع الفلسطينيين اللاجئين، أو كما كان يطلق عليهم وقتها بالـ"الغرباء"، وتحميلهم مسؤولية الحرب القائمة.

وهذا كله ورغم الظروف التي عاشها الفلسطيني في النكبة، مروراً بالنكسة حتى الحروب التي عاشها في بلاد اللجوء، فإنها جعلت منه إنساناً يبحث عن التميز في كل بلد حل عليه، فقد ساهم الفلسطينيون في تطور البلدان التي لجأوا إليها على الصعيد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.

ولأجل العيش تم استغلال الأوضاع الاقتصادية التي عاشها اللاجئون؛ ليكونوا يداً عاملة رخيصة، حتى يؤمنوا الطعام والشراب ويعيلوا عائلاتهم، وهذا لا يزال ساري المفعول حتى يومنا هذا، ولكن يوجد فرق شاسع بين لاجئي سوريا والأردن ولاجئي لبنان، فاللاجئون في الأردن وسوريا يعتبرون مواطنين حاصلين على كل الحقوق، ويترتب عليهم واجبات تجاه الوطن الثاني، أما في لبنان فقد حُرم الفلسطيني من أدنى حقوقه المدنية والاقتصادية والسياسية، وهو بنظر الحكومة كائن يخلّ بأمن الدولة اللبنانية، ولكن يشترك اللاجئون جميعاً في كل البلدان المذكورة في أنهم من سكان المخيمات، فهذه الصفة لن يتم انتزاعها أبداً، فنحن "الغرباء" حتى نعود لوطننا فلسطين.

العرب تبنوا قضية فلسطين واعتبروها جزءاً منهم، ولكن السؤال: لماذا أبناء فلسطين هم فقط من يحاربون لأجلها وحدهم؟ لماذا يتم التعامل مع اللاجئين على أنهم هؤلاء "الغرباء" رغم وجودهم في البلاد منذ 68 عاماً؟ لماذا يسعى كل بلد عربي حدودي مع فلسطين لحماية حدوده فقط دون المبادرة لمساندة ومساعدة فلسطينيي الداخل في الضفة الغربية وغزة والداخل الفلسطيني للقضاء على هذا الكيان الذي قضى علينا وأتعبهم بوجودنا على أراضيهم؟

إذا أراد العرب أن يبتعد ويتخلى عن واجبه تجاه فلسطين، فعليه إذن أن يتعامل مع الفلسطينيين بكل احترام، ويقدم لهم الغالي والنفيس؛ لأنهم هم رأس الحربة لحماية أوطانهم، هم من يدفعون الضريبة إذن، هم كبش الفداء لهذه الأمة العربية التي تُعلن المسجد الأقصى أولى القِبلتين، ولا تدافع عن ذرة تراب فيه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد