"مصلحتي ومن بعدي الطوفان" عبارة لا تكاد تفارق الكثيرين في كل قرار في الحياة، حتى أولئك الذين يريدون الظهور بمثالية ناصعة، تراهم يرددونها بأصداء مختلفة وفي مواقف غير مشابهة لما ينتقدونه في الناس، لكن ألسنتهم حادة كالسيف على مَن يخالفهم الرأي، ودائماً تلمس من كلامهم وتصرفاتهم أنه لو كان البشر نسخاً منا لكان العالم مكاناً رائعاً وكوكباً أنيقاً للعيش بسلام، وكل ذلك تراه مفصلاً على مقاس الدين الذي يطبقونه في حياتهم.
وصنف آخر تراه يفصح عن غاياته ومصالحه مهما تعددت إليها وسائله، فيعيش بوضوح مع الناس، والناس من حوله يدركون تملقه وصعوده على أكتافهم، ومع ذلك يصفقون له عندما ينجح وبكل سرور.
كل ذلك بات واضحاً على السطح، وخاصة بعد انتشار كتب التنمية البشرية وترجمتها في الوطن العربي، فقد أصبح توجيه الاهتمام بالنفس ورغباتها معززاً وبشكل كبير بالمقارنة إلى توجيه الاهتمام بالناس، وإلى قيمة العطاء كمعنى روحي متجرد من منفعته للشخص، فيما إذا قدمه ابتغاء لوجه الله فقط وتحقيقاً للآية الكريمة: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون"، وهكذا بالنسبة لبقية القيم التي يتم طرحها في هذا النوع من الكتب جميعها تحوِّل اهتمام الشخص لنفسه بتعزيز الأنا لديه، وبما سيحصل عليه من متعة حالية في العطاء وسعادة كبيرة بمقابل إهمال ربط ذلك بالآخرة وبالغيب، وتلك هي نظرة الغرب فعلياً في كل أمور حياتهم، فهم يجرون خلف مصالحهم، ولا يلتفتون أبداً إلى نقاء الأساليب، ولا إلى معانٍ إنسانية أصيلة في ديننا ولا إلى عواطف ومشاعر متجذرة في النفس؛ لذلك لا يمكن تطبيق كل ما يأتي من هذه الكتب في واقعنا دون أن يحدث ذلك خلخلة في المبادئ الدينية لدينا.
ما أريد قوله هو أن داء المصلحة والمنفعة الذي يفسره البعض ويرتضيه لنفسه بدافع الذكاء ما هو إلا بذرة صنعتها نفسه التي تحب العاجلة أكثر من الآجلة، وعززتها ثقافة غربية اهتمت بتنمية كل ما في النفس، إلا تنميتها مع الله، وابتغاء ما عنده، وصنع منها الكثير من القادة لدينا مواد دسمة لدوراتهم وكتبهم مع نسيان ربط كل شيء بنقاء الأساليب التي توصل إلى الأهداف والمصالح، وأن هناك متعة بانتظارهم في الجنة تفوق أضعافاً مضاعفة ما سيتم تحصيله في الدنيا، فيما لو ارتبط كل عمل للإنسان بآخرته المحتومة، وهي الغاية من وجودنا على هذه الأرض.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.