لا أعرف الخلفية السياسية أو الدينية أو الاقتصادية أو التعليمية أو الحياتية لذلك الرجل المصري، الذي انتشرت مقابلته الإعلامية على مواقع الإعلام بصورة كبيرة، تتخطى بأعداد مشاهدتها مجمل ما شاهده الناس لخطابات الرئيس المصري الانقلابي عبد الفتاح السيسي منذ توليه سدة الحكم بانقلابه العسكري الذي كلّف مصر آلاف الأرواح وآلاف الأسرى السياسيين.
ولا أعرف أيضاً الأسباب التي حالت بين هذا الرجل الذي سمى نفسه "خريج التوك توك" وبين التحاقه بمراحل التعليم ليكون اسمه مثلاً "خريج التخصص الإعلامي أو الطبي أو الاقتصادي…."، ولكن كل ما أدركته من مشاهدتي المتكررة لمقابلته، ومحاولات حثيثة للتعمق في كلامه وتأثير صوته، إن هذا الرجل يستحق لقب الرئيس.
فلا الجامعات يا مصر والدول أجمع هي التي تُخرج جيلاً يعرف حقيقة تاريخ بلاده وما تمضي عليه، إلى ماذا تتطلع؟ أتحدى مصر أن تخرّج "خريج جامعة" ويشغل الآن مناصب سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو تعليمية في ظل الحكم العسكري، يرى واقع ما تعيشه مصر على حقيقته، دون تنظيرات سياسية وشعارات رنانة تمجّد الماضي على سوأته، وتعِد بالمستقبل على أن تكون مصر وغيرها فيه جنة الله على أرضه، أتحدى مصر أن تخرّج ابن جامعة يؤمن بالواقع أكثر مما يؤمن بنظريات القرن ما قبل الثامن عشر، نظريات الفلسفة التي تصبح في مخيلته إلهاً لا يُعبد سواه، وإن كان هذا الإله على ضلالة، نظريات تصبح في مخيلته كالكتب السماوية المقدسة لا تُخطئ وتصلح لكل زمان ومكان.
خريج التوك توك الذي يستحق لقب الرئيس، لم يلتحق بالجامعات النظرية، بل اكتفى بجامعة عقله الذي فسر الواقع على ما هو، ولم يقنع نفسه بالنظريات الفلسفية التي عفا عليها الزمن، ولم يرهق نفسه بالبحث بين النظريات بأيها تناسب واقعه الذي حطم كل النظريات السابقة، ولم يرهق نفسه بأي نظرية عليه أن يؤمن بها ليفسر واقعه وواقع بلاده، هو آمن ببلاده التي تؤمن به، هو آمن بقدرة بلاده التي تؤمن بقدرته على نهضتها، هو آمن بما لم يؤمن به كل سياسي مصري أو إعلامي مصري أفرزه الانقلاب وضلل الشعب المصري بنظرياته البالية التي تشربها من الجامعات، التي لم تخّرج "خريج التوك توك" وأحمد الله أنه لم يلتحق بها، وأنه خرّج نفسه بنفسه، لئلا يقال "خريج جامعي آخر يقسم قسم العمل المخلص للبلاد"، وفي واقعه "يخون البلاد والعباد".
إلى خريج التوك توك أينما كنت "شكراً لك"، إني آمنت بكَ رجلاً ورئيساً وسياسياً واقتصادياً ومدنياً ونهضوياً مخلصاً لبلادك، وآمنت بكَ رجلاً لم تغسل عقله الجامعات العربية والغربية ونظرياتها التي لا تسمن في زماننا هذا من جوعنا للحرية والنهضة والصراع لأجل البقاء الآدمي لا الحيواني، كما نشعر اليوم، سلامٌ عليكَ أينما كنت، وسلامٌ على عقلك والتوك توك الذي خرّجك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.